14-مايو-2023
Yousef Masoud/ Getty Images

غزيون بعد عودتهم من السودان - Yousef Masoud/ Getty Images

بعد انطلاق اشتباكات وصفت بـ العنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان منتصف نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت السفارة الفلسطينية في الخرطوم عن فتح باب تسجيل بيانات الفلسطينيين الموجودين في السودان بهدف متابعة أوضاعهم والتحضير لأي عملية إجلاء مرتقبة.

استمر الطلاب والعائلات الفلسطينية في حالة انتظار تحت وقع إطلاق الرصاص والصواريخ بسبب الاشتباكات الدائرة في السودان 

لكن بسبب اشتداد الاشتباكات بين طرفي النزاع، لم يكن بمقدور السفارة، كما غيرها من السفارات العربية والغربية، القيام بأي عملية إجلاء إلّا بعد الإعلان عن هدنة مؤقتة.

وبعد مرور أسابيع على بدء عمليات الإجلاء، وإعلان دول عديدة عن انتهاء عمليات إجلاء رعاياها، لا يزال عشرات الفلسطينيين عالقين في السودان بانتظار تسوية أوضاعهم.

بداية رحلة شاقة

حسن (اسم مستعار) يبلغ من العمر 24 عامًا، وهو يدرس الطب في السودان منذ العام 2017، في ولاية الجزيرة التي تبعد عن الخرطوم ثلاث ساعات بالسيارة. يقول إنه "منذ بداية الاشتباكات، أعلنت السفارة (الفلسطينية) عن فتح الباب لإجلاء كافة الطلبة والعائلات الفلسطينية، وطلبت الأسماء وجوازات السفر. وقد حاول البعض الاستفسار عن تفاصيل عملية الإجلاء لكن لم يصلنا أي رد، وطُلب منا فقط التسجيل وإرسال جوازات السفر".

استمر الطلاب والعائلات الفلسطينية في حالة انتظار تحت وقع إطلاق الرصاص والصواريخ بسبب الاشتباكات الدائرة حتى وصل تبليغ من السفارة للطلاب في ولاية الجزيرة فجر الإثنين 24 نيسان/ أبريل المنصرم، تفيد بضرورة التواجد في مقرّ السفارة في الخرطوم الساعة السادسة صباحًا. يقول حسن: "في الوضع الطبيعي نحتاج إلى ثلاث ساعات للوصول إلى مقر السفارة، فكيف سيكون الأمر إن كانت هناك اشتباكات مسلحة".

حالف الحظ حسن وغيره في الوصول إلى السفارة قبل الموعد المحدد للإجلاء، فيما لم يستطع آخرون الوصول، إذ كان التبليغ متأخرًا جدًا. جلس من وصل في أماكن قريبة من السفارة الفلسطينية بانتظار وصول الباصات التي لم تصل حتى بعد ذلك بساعات. وفي الساعة الرابعة عصرًا أبلغت السفارة الفلسطينيين المتواجدين بأنه لن يكون هناك إجلاء، وأنه أُجّل حتى صباح اليوم التالي، داعية من يريد، إلى إمضاء الليلة في السفارة.

كانت خطة الإجلاء التي اعتمدتها السفارة الفلسطينية بالخرطوم تتمثل في طريقين، الأول بري باتجاه معبر أرقين الذي يربط بين السودان ومصر، والثاني بري بحري عن طريق مدينة بورتسودان على البحر الأحمر وصولًا إلى مدينة جدة في السعودية، وذلك بعد أن تواصلت الخارجية الفلسطينية مع وزارتي الخارجية السعودية والمصرية والاتفاق معهما، بحسب ما قال الدكتور أحمد الديك المستشار السياسي في وزارة الخارجية الفلسطينية، لـ "الترا فلسطين".

بدأت السفارة بإجلاء الفلسطينيين بعدما استطاعت توفير الباصات بصعوبة بالغة بسبب الأوضاع المتوترة والاشتباكات، إلا أن البعض واجهوا بعض المشاكل، ومن بينهم حسن.

لا وثائق… لا إجلاء

حسن فلسطيني من مواليد قطاع غزة، انتقلت أسرته إلى السعودية قبل عدة سنوات ولا زالت تقيم هناك. وكان من المفترض أن يُجلى إلى السعودية حيث تقيم أسرته، إلا أنه لا يحمل إقامة في السعودية، فيما لا يحمل غيره من العالقين وثائق فلسطينية، تشترط وجودها كل من السعودية ومصر للدخول إلى أراضيها لينقلوا بعدها إلى غزة أو الضفة الغربية، إذ يحمل آلاف الغزيين ما يطلق عليها اسم "الوثيقة المصرية".

بعض من تم إجلاؤهم لم تسمح لهم السعودية بدخول أراضيها لعدم امتلاكهم  وثائق فلسطينية 

تواصل حسن وآخرون مع السفارة الفلسطينية، التي أبلغتهم بضرورة التوجّه إلى بورتسودان ليجلوا منها إلى السعودية. وبعد مشقة سفر بري استمر طوال 13 ساعة من الخرطوم ومدن مجاورة إلى وجهتهم إلى البحر الأحمر، لم تسمح لهم السعودية بركوب البواخر.

يقول حسن "بعد تكبّد مشقة السفر البري، تفاجأنا أنه لا يوجد أي تنسيق لنا مع السفارة السعودية بحسب ما أبلغنا نائب السفير. وكان من المفترض أن نجد مندوبًا عن سفارتنا هو الموكّل بالحديث مع السفير السعودي، إلا أننا لم نجد المندوب، إذ كان قد غادر إلى السعودية قبل وصولنا بيوم واحد".

وهكذا، تُرِك ما يقارب 50 فلسطينيًا من أعمار مختلفة، بينهم أطفال ونساء وطلاب وذوي احتياجات خاصة، وحدهم، يحاولون تارة التواصل مع السفارة الفلسطينية، وتارة أخرى يحاولون التواصل مع السّفارة السعودية في محاولة للحصول على إذن بالعبور إلى جدة بصفتها مدينة ممر.

بعد انتظار دام 5 أيام، وصل نائب السفير الفلسطيني إلى بورت سودان، واجتمع مع الفلسطينيين العالقين فيها، وحصل على جوازات سفرهم في محاولة للتواصل مع السفارة السعودية لحل الإشكاليات كلٌ حسب وضعه، إلا أنه حتى الآن لا يوجد أي حل فعلي ولا زال العالقون بانتظار تسوية أوضاعهم.

من جانبه، يقول الدكتور الديك، لـ "الترا فلسطين" إن السفارة الفلسطينية منذ اللحظات الأولى للاشتباكات في السودان وهي تحاول بذل جهودها لإجلاء الفلسطينيين هناك، إلا أنها تعمل وسط ظروف صعبة سواء بتأمين الباصات أو وسط قطع الكهرباء وإمدادات المحروقات، وهي ليست السفارة الوحيدة التي تعاني من ذلك بسبب تردي الأوضاع.

ويضيف أن "السفارة سجلت بيانات جميع رعاياها ممن يريدون الإجلاء، إلا أنّ فئة قليلة فضلت البقاء في السودان، خاصة من الطلبة الذين يوشكون على التخرج ويعيشون في محافظات آمنة إلى حد ما ولا اشتباكات فيها. ومازلنا نتابع عمليات الإجلاء وأحوال المتواجدين في السودان".

السفارة الفلسطينية كانت أعلنت في 24 نيسان/ ابريل بدء عمليّة إجلاء الرعايا الفلسطينيين من الخرطوم، وذلك بتسيير قافلة إلى بورتسودان، تضم الطلبة العسكريين وأسر مدنيّة وطلبة (85) بالتوازي مع تحرك قوافل أخرى باتجاه الحدود مع مصر، تقلُّ (259) فلسطينيًا. ثم عادت في اليوم ذاته وأصدرت بيانًا توضيحيًا بشأن تأخير انطلاق قافلة الإجلاء نحو المعبر المصري، والذي قالت إن السبب وراءه "ظروف خارجة عن الإرادة"، وأشارت في حينه إلى أنها تجري اتصالات مع شركات الحافلات لنقل 123 طالبًا وعدد من الأسر إلى المعبر الحدودي.

ويوم 25 نيسان/ ابريل أكدت الوزارة انطلاق ثلاث حافلات من الخرطوم باتجاه المعبر الحدودي بين مصر والسودان، على متنها 130 طالبًا، ونحو 60 مواطنًا من قطاع غزة، ليتم نقلهم من الجانب المصري من المعبر الحدودي ومنه إلى معبر رفح. وبيّنت الوزارة يومها أن المجموعة الثانية نسقت لها سفارة فلسطين في الرياض وفي جدة.

أمّا الحافلة التي كانت تحمل 45 فلسطينيًا من قطاع غزة فقالت الخارجية إنها توجهت من بورتسودان إلى جدة، ومنها إلى الأردن. 

بعد ذلك، وتحديدًا يوم 27 نيسان/ ابريل، أعلنت الخارجية عن بدء المرحلة الثالثة لإجلاء الرعايا الفلسطينيين من الخرطوم وعددهم 226 مواطنًا وطالبًا، والذين توجهوا إلى مصر، ومن ثم إلى معبر رفح، فيما توجه بعضهم إلى مطار القاهرة الدولي ومنه إلى الخارج، بما فيهم حملة الوثائق اللبنانية. البيان ذاته كان أشار إلى أن مجموعة أخرى من المواطنين والطلبة والعسكريين تحركت بحرًا من بورتسودان إلى جدة، على أن تلحق بها وعبر باخرة سعودية باتجاه جدة أيضًا، مجموعة مكونة من 68 مواطنًا وطالبًا، على أن تتبعهم مجموعة أخرى، ليصل عدد من غادروا إلى جدة 132 فلسطينيًا.

وقالت الخارجية يوم 30 نيسان/ ابريل إن حافلتين انطلقتا من الخرطوم باتجاه معبر ارقين البري بين مصر والسودان، على متنهما 118 مواطنًا، بينهم 30 طالبًا، وأشارت إلى أن عملية الإجلاء من السودان "متواصلة بنجاح" كما جاء في البيان الذي اطلع عليه "الترا فلسطين".

وفي اليوم ذاته، تحدثت الوزارة عن وصول أول دفعة من الطلبة والفلسطينيين العائدين من السودان، وأعلنت عن مراسم لاستقبالهم في "مدينة الحجاج" بأريحا.

وأعلنت الخارجية في الأول من أيار/ مايو الجاري "الانتهاء" من إجلاء الرعايا الفلسطينيين والطلبة من السودان "بنجاح"، بانطلاق مؤخرة القوات من أبناء الثورة الفلسطينية الذين كانوا يتواجدون في الخرطوم، غير أنّها أشارت في البيان ذاته إلى أن خلية الأزمة تتابع قضية إجلاء 42 طالبًا وصلوا بطرق مختلفة إلى بورتسودان، على أن يتم إخلاؤهم من خلال البواخر السعودية.

ضياء المشهراوي (25 عامًا)، يدرس في العاصمة الخرطوم منذ العام 2016، وهو من سكان قطاع غزة، وقد وصل إلى أسرته بعد رحلة برية انطلقت في  30 نيسان/ أبريل، واستغرقت 5 أيام متواصلة عن طريق مصر وصولاً إلى قطاع غزة.

يقول المشهراوي إنه "بعد الخروج من الخرطوم أصبحت الطريق أكثرًا أمنًا، وكانت مؤمنة من قبل الجيش السوداني حتى وصلنا إلى معبر أرقين مع الحدود المصرية، لكن الطريق كانت طويلة جدًا ومتعبة إذ لم يكن من الممكن الراحة أو نوم".

خلال دراسته للطب، تأخر لمدة عامين بسبب الثورة السودانية عام 2019، ثم جائحة كورونا عام 2020، والتي توقفت خلالها الدراسة الجامعية، وبقي أمامه ثلاث فصول دراسية حتى التخرج لا يعلم كيف سيكون مصيرها.

دور لجنة العمل الحكومي في قطاع غزة

وحول دور لجنة العمل الحكومي في قطاع غزة، والتي شكلتها حركة حماس، يقول الدكتور تيسير محسين، المستشار في المكتب الإعلامي الحكومي بغزة لـ "الترا فلسطين: "حتى نكون صرحاء في الأمر، موضوع التواصل مع جهات حكومية سودانية أو مع جهات رسمية في السودان للتدخل في حل إشكالية الناس أو تسهيل مهامهم هو أمر خارج قدرة لجنة العمل الحكومي في قطاع غزة ".

وأضاف أنه عادة في مثل هذه الظروف يكون "هناك تواصل بين تنظيمات فلسطينية، مثل حركة حماس، مع بعض الجهات في السودان والسفارة الفلسطينية،وتجرى تسهيلات معينة سواء في الجانب المصري أو غيره، أو حتى تقدم المساعدة لنقل العالقين من السودان عبر الأراضي المصرية إلى قطاع غزة ".

ونوّه إلى أن اللجنة في القطاع يمكن أن تساهم في جوانب فنية، من قبيل عقد مباحثات بين وزارة التربية والتعليم وجامعات فلسطينية حكومية وخاصة لتسهيل استكمال دراسة الطلاب العائدين فيها، مؤكدًا أنه أمر من المبكر الحديث عنه أيضًا.

أما المنظمات الأممية التي يفترض بها الاضطلاع بدور يمكن أن يساعد في تسهيل عبور العالقين، فقد حاول ألترا صوت التواصل مع رولا أمين، الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط، إلا أنها لم ترد على أي من استفساراتنا.