27-سبتمبر-2019

 

أيّ خيبة ستحل بنا إن أجهضنا يأيدينا كفلسطينين، الفرصة التي أعلنها مؤخرًا الرئيس محمود عباس من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين دعا لانتخابات عامة؛ رئيسية وتشريعية، سيتم الإعلان عنها فور عودته إلى البلاد. بعد انقطاع عن الحياة الدستورية استمر أكثر من 12 سنة، عاشها الفلسطينيون كرهائن للانقسام، وسط تحطيم لأواصر "الحكم الديمقراطي". 

  فرص إفشال الانتخابات المتوقعة، عالية جدًا، سواء كان ذلك على الصعيد الفلسطيني أو الإسرائيلي، لكن إفشالها من قبل الفلسطينيين أنفسهم هو الخيبة الكبيرة   

فرص إفشال الانتخابات المتوقعة، عالية جدًا، سواء كان ذلك على الصعيد الفلسطيني أو الإسرائيلي، لكن إفشالها من قبل الفلسطينيين أنفسهم هو الخيبة الكبيرة التي ستعكس مدى الانحطاط السياسي، والتي سيتحمل مسؤوليتها بلا مواربة من سيسعى لإفشال إجراء الانتخابات، وهذا يمكن أن يتم فقط من قبل كبرى الحركات السياسية الفلسطينية.

قد تضع حماس شروطًا من شأنها إحباط إجراء الانتخابات، كأن تشترط أن تشمل المجلس الوطني الفلسطيني، أو أن تضع شروطًا أخرى من شأنها شل فكرة الانتخابات، وإبقاء الحال على ما هو عليه.

ويمكن أن يأتي الإفشال من قبل حركة فتح أو بعض المستشارين أو الشخصيات الأمنية المقربة من الرئيس، فالحركة غير معنية بالانتخابات ما دامت تسيطر على مقاليد الحكم في الضفة الغربية دون انتخابات. وهناك العديد من الطامحين بخلافة الرئيس عباس، ويعتقدون أنّ خلافتهم للرئيس لا يمكن أن تأتي عبر صناديق الانتخاب، لذا من مصلحتهم إفشال أي فرصة لإجراء الانتخابات. كما أن هناك فئات تعلم أن نفوذها ومصالحها الاقتصادية ستتضرر من إجراء الإنتخابات، لذا تقضي مصلحتها الضغط على الرئيس للتراجع عن الفكرة، والتذرع أنه لا يمكن أن تتم الانتخابات قبل أن تتمكن الحكومة من السيطرة على قطاع غزة، وهذا بحدّ ذاته ينسف فكرة الانتخابات. 

      الرؤية السياسية لدى فتح وحماس ما تزال قائمة على أن الانتخابات يجب أن تعقب انتهاء الانقسام، وأن تتم بصورة توافقية   

الرؤية السياسية لدى فتح وحماس ما تزال قائمة على أن الانتخابات يجب أن تعقب انتهاء الانقسام، وأن تتم بصورة توافقية بين الحركتين، لكنّ هذه الفرضية ثبت فشلها، وبالتالي لا بد من التعاطي مع خيار أن الانتخابات تشكّل مدخلًا لإنهاء الانقسام، وليس نتيجة له. فالإعلان عن إجراء الانتخابات هو استحقاق دستوري تأخرت الدعوة له أكثر من 12 عامًا، والدعوة له تتم من قبل الرئيس، ولا تتطلب الدعوة له موافقة أي من الحركتين الكبيرتين، ولا يفقد مقاطعة أي من الحركتين للانتخابات؛ شرعيتها، أما إعاقة تنفيذها فهو جريمة. 

هُنا يقع على الشعب مسؤولية إخضاع من يعيق إجراء الانتخابات وإلزامه باحترام نتائجها حتى لو اضطر الشعب للنزول إلى الشارع حمايةً لهذا الخيار. وبهذا فقط يمكننا أن ننهي فصلًا مشوّهًا اسمه الانقسام، وأن نعيد انتاج أنفسنا كفلسطينيين مرة ثانية، فنحن لسنا أقل من الشعب التونسي الذي استطاع العبور إلى شاطئ الأمان عبر الصندوق، وهي ذات الطريق التي سيسلكها قريبًا الشعب الجزائري. 

      على الشعب مسؤولية إخضاع من يعيق إجراء الانتخابات وإلزامه باحترام نتائجها    

الفلسطينيون هم أول شعب عربيّ خاض تجربة حقيقية للانتخابات، عام 1996، فكان الرئيس ياسر عرفات بعد ذلك التاريخ أول رئيس عربي يشارك بقمة عربية بصفته رئيسًا منتخبًا، وهذه ميزة كانت تميّزه عن بقيّة الزعماء العرب. والأمر ذاته انطبق على الرئيس عباس حيث كانت شرعيتة طيلة مدة ولايته القانونية تُستمدّ من صندوق الانتخابات. 

للانتخابات في هذه الأونة بالذات علاقة بالمعادلة الإقليمية وموجة الربيع العربي الجديدة، فدعوة الرئيس لإجرائها رسالة واضحة للداخل وللخارج أننا لسنا بحاجة إلى ربيع فلسطيني على غرار ما حصل في الجزائر والسودان كي يحدث لدينا التغيير، بإمكاننا التغيير بإردتنا وعبر صناديق الانتخاب، وهي دعوة تسبق أي احتمالات مستقبلية يمكن أن تنجم عن حالة التململ التي تسود مصر، بالتالي نجح الرئيس في التقدّم خطوة إلى الأمام من خلال إعلانه عن إجراء انتخابات بعيدًا عن أي ضغوطات شعبية، وهذا يدل على وعي وحنكة سياسية في التعامل مع معطيات المتغيّرات الإقليمية دون الحاجة لدفع ثمن باهظ، بل إنّ التاريخ سيسجله كبطل استطاع أن يقود المجتمع إلى التغيير، لا المجتمع هو من دفعه لذلك.

     هل سيجنبنا الرئيس في هذ المرة خيبة فشل إجراء الانتخابات؟ 

أهمية الدعوة لإجراء الانتخابات في أنها صدرت من على منصّة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والانتخابات هي أفضل ردّ شعبي على نوايا الحكومة الإسرائيلية بضمّ أجزاء من الضفة الغربية. كما أنّ إجراءها هو أفضل ردّ شعبي على "صفقة القرن"، وبمثابة إعلان عن رفض ضمّ القدس واعتبارها عاصمة "إسرائيل". كما أنها رفض لإقامة دولةٍ منفصلةٍ في قطاع غزة، حيث ستتجسّد الوحدة في هذه الانتخابات من جديد، وسيتحوّل كل تجمع سكاني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مركز نشاط جماهيري مناهض للاحتلال، وستحظى الانتخابات بدعم دولي خاصة في معركة انتخابات القدس، وقد تشكّل مدخلًا لإعادة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، والذي تضرر كثيرًا بسبب الانقسام السياسي وغياب الديمقراطية.

إنّها عملية ديمقراطية قادرة على استنهاض الشعب الفلسطيني خاصة جيل الشباب الذي يتعطّش لإجراء انتخابات عامة؛ فغالبية من تقل أعمارهم عن 40 عامًا لم يسبق أن اختاروا مسؤوليهم في انتخابات عامة. كما إن غالبيتهم يتندرون "شو يعني انتخابات" في اشارة إلى غيابها من ثقافة النظام السياسي حتى على مستوى بعض البلديات الكبرى، فآخر انتخابات لبلدية غزة جرت عام 1946، ومنذ ذلك التاريخ يتم تشكيل مجالس بلدية دون انتخابات، وبالتالي ستشهد هذه الانتخابات مشاركة واسعة من قبل مختلف الفئات العمرية، وستتضمن برامج اجتماعية واقتصادية لم تتضمنها أي انتخابات سابقة.

سنكون أمام كارثة لو تمكن أعداء الديمقراطية من إفشال هذه الانتخابات أو ثني الرئيس عن الدعوة لها متذرعين بأسباب مختلفة، فهذا سيزيد الاحتقان الداخلي، وسيعمّق الأزمات الوطنية والاقتصادية والاجتماعية المتتابعة، وعندما يتعمّق الاحتقان سيقترب الإنفجار، وهذا سيهدد السلم الداخلي، لذا لا بد أن يُسارع الرئيس بإكمال تعهده، وأن يكون أول قرار يتخذه فور عودة إلى رام الله هو الدعوة الرسمية لإجراء الانتخابات في موعد أقصاه الشتاء القادم، وأن يلقي بهذه الأمانة في حضن لجنة الانتخابات، وأي جهود لتحقيق المصالحة يجب أن تتبع الإعلان الرسمي لإجراء الإنتخابات لا أن تسبقه، فحوارات المصالحة التي عهدناها هي الوصفة الجاهزة للهروب من استحقاق الانتخابات، فهل سيجنبنا الرئيس في هذ المرة خيبة فشل إجراء الانتخابات؟


اقرأ/ي أيضًا: 

التحديق بالموت

"التسحيج" أن تُصدق أن كل شيء بخير!

"يا حيف" لا تكفي