18-يونيو-2018

لاحقتني بالأمس أحاديثنا القديمة، هل كنت هنا؟ هل كررناها حقًّا؟ أم أنّه يهيأ إليّ؟

نحن بخير، كنا نقولها بعد حديث طويل من التذمر والشكوى. نحن بخير لأننا أفضل من غيرنا، ولكن من هؤلاء "غيرنا" الذين لا نعرفهم والذين نبدو ممتنين لوجودهم، علينا أن نلتقيهم يومًا، علينا أن نشكرهم لأن كِبر مأساتهم جعل مأساتنا تبدو صغيرة، بفضلهم نحن نشعر بالرضا عن حياتنا التي لا تعجبنا.

  لم يخطر على بالنا أن كلمة "يا حيف" لن تربك سلوكهم الوحشي، لم يخطر لنا أنّها لا تكفي، كنّا ودون أن نقولها نشعر أنّ الاحتلال يجب أن يكون شفيعًا لنا وسببًا لنحظى بالرحمة!  

هل تتذكر أغنية يا حيف؟ هل تتذكر كيف كنا نعيد تشغيلها مرة بعد مرة، بعد مرة، دون أن ينال التكرار من الدهشة الحزينة التي تصيبنا بها الكلمات؟ هل تتذكر أم أنني أخترع الماضي معك لأنني أريد أن أحدثك عن الحاضر الذي تغيب عنه؟ ربما.. المهم أنك تفهم حبي للتفاصيل ورغبتي الجامحة في التوقف عن شرح ما أقوله لأصف لك ما أشعر به وأنا أقول لك ما أقوله.

لقد كانت رام الله مشتعلة وكانت أغنية "يا حيف" ستكون خلفية موسيقية مناسبة تمامًا للمشهد، غير أنني لم أعد مؤمنة بذلك، لا لا ما زلت مؤمنة بالثورة ولكن الثورة علّمتني أنّ  الجزء الأكبر من المصيبة هو ثبات صورة العدو في مخيّلتنا. نحن لا نريد لعدونا أن يشبهنا، فهذا مخيف! أتتفق معي أم ماذا؟ وحدة اللغة والدين والقومية بل والدم لا تمنع القاتل من القتل ولا المغتصب من الاغتصاب.. والرهان هُنا خاسر، وعتاب المجرم لا يجوز والتفاجؤ خيار جاهل. ما رأيك؟ بالتأكيد ما زلت أحب الأغنية ولكن الإجابة عن سؤال القاتل والمقتول تعقدت بالنسبة لي.

   لا ما زلت مؤمنة بالثورة ولكن الثورة علّمتني أنّ  الجزء الأكبر من المصيبة هو ثبات صورة العدو في مخيّلتنا. نحن لا نريد لعدونا أن يشبهنا، فهذا مخيف!    

هل تعرف رزان؟ صبية قوية تنتشل الشبان من فم الموت طوال النهار لتعيدهم لأمهاتهم في المساء ولكن أحدًا لم يتمكن من إعادتها لأمها. ستغيب طويلًا عن أهلها ولكنّهم يملكون العديد من مقاطع الفيديو لها، سيعيدون تشغيلها مرات، سيستمعون لصوتها كلما اشتاقوا لها وسينتبهون في كل مرة أن ابنتهم كان لها أيضًا أسبابها الخاصة لتحدي الموت. فالصبية لم تعجبها الطريقة التي ينظر بها رجال المجتمع إلى نسائه كان هذا جزءًا من قصّتها، جزءًا مهمًّا وحزينًا، جزءٌ لا يجوز تجاهله لمجرّد رفضنا الاعتراف به بحجة أننا نشتت الانتباه عن جرائم الاحتلال أو أننا نساوي بين مشاكلنا الداخلية وبين الاحتلال.

 هل تصدّق أن صبية كهذه اختفت؟

أتذكر الهواء الساخن يومها، كان صيفًا ثقيلًا في ذاك العام -ولكنك محبٌ للصيف-  كان رجال الشرطة لأسباب لا أذكرها يملأون الشارع، نظراتهم للفتيات لم تجعلهم يومًا من ذاك النوع من رجال الشرطة  الذين بمجرد أن تراهم يطمئن قلبك، لكن لا بأس بهم هكذا كنّا نقول، بحلوهم ومرّهم هم يشبهون شباب مجتمعنا، كنّا أحيانًا نلوم نظراتهم المطولة وغزلهم الرخيص ولكننا بعد كل نشرة أخبار يُسحل فيها المتظاهرون في إحدى البلاد العربية كنا نقول "الحمد لله نحن أفضل من غيرنا" لم يخطر على بالنا أنّ الشرطي المتحرّش يمكنه أن يسحل ويضرب ويقتل إن لزم الأمر، لم يخطر على بالنا أن كلمة "يا حيف" لن تربك سلوكهم الوحشي، لم يخطر لنا أنّها لا تكفي، كنّا ودون أن نقولها نشعر أنّ الاحتلال يجب أن يكون شفيعًا لنا وسببًا لنحظى بالرحمة!

حتمًا تسمعني قل شيئًا...


اقرأ/ي أيضًا:

في الدولة البوليسية.. شرطيّ وملثّم وبلطجيّ

شمس تخطئ اختيار إخوتها!

امرأة من النقب: عن سلوى التي احترق عالمها