كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" تفاصيل تُنشر لأول مرة عن العمليات السرية التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية، بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، وأدت إلى الكشف عن سفينة الأسلحة "كارين A" التي كانت متوجهة إلى قطاع غزة إبان الانتفاضة الثانية، وهي السفينة التي قالت إسرائيل إن الرئيس الراحل ياسر عرفات هو من يقف خلف شرائها لاستخدامها في مقاومة الاحتلال.
وتحدث تقرير "يديعوت" الذي أعدّه ألكس فيشمان، عن محادثة رصدتها إسرائيل بين مسؤول فلسطيني رفيع المستوى، وقيادي في حزب الله اللبناني، استخدما خلالها كلمة "بيت" في إشارة إلى سفينة تهريب السلاح، كما تحدث عن دور الأقمار الصناعية الأمريكية في العثور على السفينة بعد شهرين من البحث، حيث أعقب ذلك إطلاق عملية "نزل غحمون" قبالة سواحل اليمن، علمًا أن "غحمون" اسم وجبة تقليدية لدى يهود اليمن.
تقرير إسرائيلي يكشف عن دور المخابرات الأمريكية في كشف سفينة الأسلحة "كارين A"، وعن اتصالات مشفرة بين شخصيات فتحاوية وحزب الله
وجاء في تفاصيل التقرير، "في صيف عام 2001، بعد شهرين من تخرج الملازم أول عنات من دورة الاستخبارات، ترأست خلية عمل تحقق في ملف القوات البحرية لحزب الله اللبناني والفلسطينيين، وكان ذلك العمل في غاية السرية والتكتم، ويقع في نطاق عمل المخابرات البحرية، وقد كانت وظيفتها التنقيب في المعلومات القادمة من كل وكالات المعلومات التي تديرها إسرائيل، أو تلك التي بمقدورها الوصول اليها، والعمل على تكوين لوحة من تلك النقاط، من أجل معرفة طرق تفكير العدو، وبهذه الطريقة نجحت عنات في الحصول على المعلومات التي أدت إلى اعتراض سفينة السلاح كارين A التي انطقلت من إيران نحو غزة، وكانت تحمل 54 طنًا من الوسائل القتالية والذخائر".
اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل تعترف: أنفاق المقاومة استعصت على الجيش
تقول الضابطة عنات لـ"يديعوت"، إنها عثرت على معلومات في حاسوبها، تضمنت اقتباسًا لمحادثة بين ضابط عمليات التهريب في حركة فتح عادل المغربي، الذي كان يقيم آنذاك في مصر، حيث حاول شراء سفينة، مع أحد قادة حزب الله الذي كانت تربطه في السابق علاقات مع السلطة الفلسطينية، وكلاهما كانا معروفين لدى إسرائيل.
وتضيف عنات، أن المخابرات تتبعت تحركات الرجلين وتنصتت على محادثاتهما لشهرين، حتى حصلت على المعلومة الذهبية من رجل حزب الله، عندما قال إنهم تمكنوا من شراء سفينة، موضحة أن الحديث حتى تلك اللحظة كان مشفرًا، إذ كانا يستخدمان كلمة "بيت" للدلالة على السفينة، وكلمة "آليات" للدلالة على زوارق الصيد التي كانت ستنقل السلاح من الاسكندرية بعد وصوله على "متن كارين A"، ثم تقذفه على شواطى غزة.
شكلت "المعلومة الذهبية" التي حصلت عليها إسرائيل في شهر آب/أغسطس من عام 2001، انطلاقة عملية عسكرية واستخبارية امتدت حتى تاريخ 5 كانون الأول/ديسمبر من نفس العام، حيث تم اكتشاف هوية السفينة ومن أين ستبحر وإلى أين ستصل، ومعرفة أن الحديث يدور عن أكبر عملية تهريب ليس لها مثيل.
ويقول تقرير "يديعوت"، إن "المؤامرة الإيرانية الفلسطينية"، كانت تقوم على قاعدة تسليح القوات الفلسطينية في قطاع غزة من أجل فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، عبر إطلاق صورايخ على "المدن الإسرائيلية الجنوبية"، وكان ذلك خلال ذروة الانتفاضة الثانية وفي قمة موجة العمليات الفدائية.
سفينة "كارين A" كانت ستشكل نقطة تحول في المقاومة، وكشفها أدى لتغيير استراتيجي في رؤية واشنطن والأوروبيين تجاه عرفات
وتضيف، "كان من المفترض أن تُحدث الجبهة الجديدة نقطة تحول عبر استخدام سلاح ثقيل، ودفع عرفات للاعتماد على إيران"، مؤكدة أن الكشف عن "كارين A" أدى لتغير استراتيجي في رؤية واشنطن والأوروبيين لدور عرفات في الانتفاضة الثانية، ما منح إسرائيل تأييدًا لاجتياح الضفة في العملية التي أسمتها "السور الواقي".
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | عندما تبخّرت مجنزرة إسرائيلية في حي الزيتون
ويرجع تقرير "يديعوت" في سرد التفاصيل إلى شهر أيار/مايو من عام 2001، أي قبل ثلاثة أشهر من اكتشاف الضابطة عنات، إذ يقول التقرير إن سلسلة الأحداث التي قادت لاكتشاف السفينة بدأت في أيار، عندما اعتقل "سلاح الجو" في جيش الاحتلال سفينة صيد أبحرت من لبنان، وكان على متنها عتاد عسكري كان من المفترض أن يشكل وقودًا للانتفاضة، وقد أدى التحقيق إلى معلومات حول شبكة التهريب والعناصر التي تتشكل منها.
وأفادت المعلومات الناتجة عن التحقيق، بأن فؤاد الشوبكي كان على رأس الجانب الفلسطيني في الشبكة، وقد كان يشغل حينها منصب المدير المالي العام للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهو ذراع عرفات في إبرام الصفقات وفق وصف التقرير، إضافة إلى اللواء فتحي الرازم، نائب القائد العام للشرطة البحرية، وعادل المغربي، ضابط عمليات تهريب السلاح في حركة فتح، فيما كان المسؤول عن الجانب الإيراني سعيد عزيدي، وباسم اللبناني من حزب الله.
ثم في صيف عام 2001، حصلت الاستخبارات الإسرائيلية على معلومات حول اجتماع بين رجال شبكة التهريب الفلسطينية وجهات من الحرس الثوري الإيراني، وممثلين عن حزب الله اللبناني، ولكن استخبارات إسرائيل لم تتوصل لاستنتاجات.
وكانت النقاشات التي أدارها رئيس أركان جيش الاحتلال شاؤول موفاز، حينها، استعرضت تقديراتٍ تفيد بأن فشل الفلسطينيين في تهريب سلاح عبر سفينة الصيد اللبنانية التي تم اعتراضها، دفعهم للتركيز على مساعدة حزب الله لبذل جهودٍ لتهريب السلاح، وهذه المرة عبر سفينة أكبر وليست سفينة صيد، وفي تلك الأثناء حصلت إسرائيل على معلومات تفيد بأن إيران تعمل على تطوير غواصة صغيرة لصالح حزب الله، تبين أنه سيتم استخدامها لتهريب السلاح من "كارين A" إلى غزة.
ووضعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد، الشاباك، استخبارات الجيش) رجال الشرطية البحرية الفلسطينية تحت الرقابة، وحددت هوية البحارة الفلسطينيين، وعلى رأسهم عمر العكاوي، الذي أستأجر أيضًا ثمانية بحارة مصريين، دون أن يعلموا بما تحمل السفينة، وقد علمت الاستخبارات الإسرائيلية أن البحارة الفلسطينيين والمصريين يتوجهون نحو اليمن.
الموساد والشاباك واستخبارات جش الاحتلال شاركوا في رصد "كارين A"، والأقمار الصناعية الأمريكية كشفت تحركاتها في أماكن لا تصلها إسرائيل
في هذه اللحظة حاول القسم الدولي في استخبارات البحرية الإسرائيلية تحديد هوية السفينة التي يجري البحث عنها، تبين لاحقًا أن البحارة الفلسطينيين بحثوا لثلاثة أشهر عن سفينة مناسبة لتهريب السلاح، حتى اشتروا سفينة بمبلغ 800 ألف دولار، ومنذ تلك اللحظة أطلقت إسرائيل على "كارين A" لقب "المغنية".
ويؤكد تقرير "يديعوت"، أن اعتراض "كارين A" ما كان ليتم دون التعاون الوثيق بين الاستخبارات البحرية الإسرائيلية ونظيرتها الأمريكية، التي كان تعمل في أماكن لم تكن تعمل فيها إسرائيل في تلك الايام، وقد رغبت إسرائيل بأن تعترض البحرية الأمريكية السفنية، لكنهم لم يفعلوا ذلك رغم أنهم ساهموا في تنفيذ عملية الاعتراض والسيطرة على السفنية.
وفي مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2001، وصلت "كارين A" إلى الخليج العربي، فيما كانت تعتقد استخبارات إسرائيل أنها متواجدة في ميناء دبي. وفي الميناء الإيراني، تم تحميل السفينة بالسلاح، وأبحرت نحو قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط. في تلك الفترة لم تمتلك إسرائيل قدراتٍ على تعقبها بشكل متواصل في المحيط الهادئ، لتأمين التخطيط لعملية الاقتحام والسيطرة على السفينة، فتعقبها الأمريكان باستخدام أقمار صناعية وطائرات استطلاع.
واختفت آثار السفينة قبالة الشواطئ اليمنية، إلا أن الأمريكان استطاعوا تحديد مكانها بعد أسابيع، قبل أن تنطلق السفينة من ميناء الحديدة اليمني باتجاه قناة السويس، وكان السلاح مخبئًا تحت بضائع مدنية. هنا توقف فيشمان كاتب التقرير عن سرد تفاصيل الاستيلاء على السفينة، وقال إن كتابًا نُشر مؤخرًا حولها بعنوان "دراما في قلب البحر الأحمر"، ألّفه اللواء احتياط عاموس غلبوغ، يقول فيشمان إنه يتضمن تفاصيل مهمة حول الاستيلاء على السفينة.
وكانت إسرائيل أعلنت أنها استولت على السفينة بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير من عام 2002، وقالت حينها إنها تحمل 50 طنًا من الأسلحة المتطورة، من بينها صواريخ وقاذفات وراجمات وقنابل وألغام مختلفة، وصواريخ مضادة للدروع بينها صواريخ من نوع «ساغر» ومواد متفجرة متطورة من نوع C4 وقوارب مطاطية وأدوات غوص وأسلحة رشاشة وصاروخية.
اقرأ/ي أيضًا:
الردع الإسرائيلي في لبنان بدده القسام في بير نبالا