بثّت وسائل إعلام عبرية مؤخرًا، تقارير مرئية ومسموعة ومكتوبة، عن ما وصف بـ "الازدهار الاقتصادي تعيشه مدن الضفة الغربية وحياة الرفاه واللهو والمتعة". ولا يحتاج المتابع المدقق، بعد دراسة تلك التقارير، لعظيم عناء للاستنتاج أنّ الحديث يدور عن حملة إعلامية دعائية مدروسة لتحقيق أهداف محددة.
ازدهار اقتصاديّ تعيشه الضفة الغربية، حياة رفاهية، ولهو ومتعة، إيقاع الحياة سريع، ولا أحد يتذكّر الشهداء والجرحى، والقضية"، هذا ما حاولته إظهار تقارير عبرية عُرضت مؤخرًا
المراسلون الذي أعدوا تلك التقارير، يتقنون اللغة العربية، ويُلمّون بتفاصيل الساحة الفلسطينية، وهذا التأهيل حصلوا عليه في معظمهم أثناء خدمتهم العسكرية في أجهزة المخابرات الإسرائيلية المتعددة، كما يؤكد بعضهم في مقابلات صحفية أجريت معه. صحيح أنّ معظمهم لا يعمل في وسائل إعلامية رسمية، ولكنّه جندي أو ضابط في الخدمة الاحتياطية العسكرية، وهو يعتمد على الجيش بصفته مصدر المعلومات الأول عن الفلسطينيين، وبهذا تتجلى علاقات الاعتماد المتبادل، ضابط الاستخبارات والرقابة العسكرية على الإعلام يقدّم التسهيلات والأخبار الحصرية ويفتح الأبواب المغلقة.
الجمهور المستهدف الأساسي من وراء تلك التقارير المتزامنة، في الأساس هو الجمهور الإسرائيلي، والرسالة كانت خلق صورة نمطية لدى الإسرائيلي، أنه ليس ثمة مشكلة في الضفة الغربية، والشعب الفلسطيني هناك يعيش برغد العيش، وليس ثمة مبررات كافية لدفعهم لمقاومة الاحتلال والتصدي للاستيطان.
مُعدّو التقارير، تجاهلوا عمدًا أنّه بالتوازي مع إعداد تقاريرهم عن حياة البذخ في المدن الفلسطينية، تصاعدت عمليات سطو ينفّذها مستوطنون على محاصيل الزيتون في الضفة الغربية، لتكتمل الصورة النمطية التي يُراد غرسها في رأس الإسرائيلي العادي: الفلسطيني يعيش حياة الرغد ولن يفكر بالمقاومة. طبعًا الإعلام الإسرائيلي رسّخ منذ مدة طويلة في أذهان جمهوره أنّ الفلسطيني الذي ينفّذ هجمات مسلحة يكون دافعه بالأساس ناجم عن ضائقة اقتصادية.
الجمور الثاني الذي استهدفته الرسالة الإعلاميّة، هو الجمهور الفلسطيني، خصوصًا أنّ تلك التقارير تتلقفها وسائل إعلام فلسطينية وتترجمها عادة، ومُعدّ الحملة يُدرك ذلك. فيلائم رسالته لنقل صورة نمطية قائمة على المبالغة والتعميم حول حياة الرفاهية في رام الله، فمثلًا يرى الفلسطيني في غزة أهل الضفة يتنعمون بالترف وهو يكتوي بنار الحصار، وهذه غاية تقف خلف عدد كبيرة من التقارير سابقًا.
المراسلون، أبرزوا مشاهد وصور المطاعم والمقاهي وملاهي الأطفال، وبعض المنتزهات والفنادق الراقية، أحد التقارير تضمن لقطة سريعة في غرف المساج، ورافق الصور والتعليق موسيقى وأيضًا صوت الآذان في الخلفية، مع عرض صور من أماكن متعددة في لحظة قصيرة لشدّ انتباه المتابع الفلسطيني الذي لا يُتقن العبرية، ويتابع التقرير عبر "فيسبوك" دون ترجمة من غزة أو الضفة، وغرس في ذهنه صورًا نمطية، فـ "الحياة تمر بسرعة، ولا أحد يتذكّر الشهداء والجرحى والقضية".
مُخطِط الحملة الدعائية حرص على تطبيق مبدأ المحاصرة، سواء لجمهوره الأساسي، أو الفرعي، فتمّ بثّ تقارير في أهمّ القنوات التلفزيونية الإسرائيلية بالتوازي، ولم يتعرّض أي من المراسلين لأي انتقاد بتقليد الآخر من النقاد، علمًا أنّ جهات مهنية وصحفية متعددة متخصصة بانتقاد وسائل الإعلام والصحفيين العاملين فيها بناءً على أسس مهنية، وهذا لم يحدث في هذه الحالة.
اقرأ/ي أيضًا:
تعلُّم العربيّة "رأس حربة" في عمل الشاباك