31-أكتوبر-2017

قبل أيام احتفل جهاز "الشاباك" الإسرائيلي بمرور خمسين عامًا على افتتاح "معهد اللغة العربية" الذي يؤهل الضبّاط الإسرائيليين لشغل مواقع قيادية في الجهاز، سواء أولئك المسؤولين عن القرى والمدن الفلسطينية، أو المحققين في مراكز التحقيق.

معهد اللغة بمثابة معمل تفريخ للضبّاط والمحققين ومسؤولي المناطق، ففيه يتعلمون العربية بلهجاتها ، ومبادئ الدين الإسلاميّ وثقافة وعادات أهل البلاد

"هأُلبان" أيّ "المعهد" باللغة العبرية، يلعب دورًا حاسمًا في تعبيد الطريق أمام الضبّاط الإسرائيليين، ليتمكنوا من تحقيق اختراقات في صفوف المجتمع الفلسطينيّ، وبالتالي تسجيل إنجازات تُسهم في تبوّئهم مناصب عالية في هرم الجهاز، ومنه إلى مراكز مرموقة في المجتمع والحياة السياسية والاقتصادية في إسرائيل.

في البداية يشغل خرّيج المعهد دور "المُرَكِز" وهو الضابط المسؤول عن منطقة أو مجموعة ما؛ قرى، أفراد تنظيم، تيار ما. وتعدّ وظيفته عصب عمل "الشاباك"، حيث يمكنه لاحقًا أن يُرشّح الأشخاص المستهدفين في عمليات الاغتيال والاعتقال، وفي تجنيد الجواسيس. وإذا أظهر "المركز" تفوقًا لافتًا، قد يتم اختياره محققًا في مراكز التحقيق الإسرائيلية، وعدد من قادة "الشاباك" كانوا "مركزين" في البداية.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تجسس الإسرائيليون علينا في المقاهي؟

عضو الكنيست، والرئيس السابق لجهاز "الشاباك" يعقوب بيري، يستذكر رحلته مع اللغة العربية خلال تقرير نشره موقع "واللا" العبري، فيقول: "قُبلت للعمل في الشاباك في شهر آذار/ مارس 1966، وجعلوني مساعد "مركّز" في شمال البلاد (في الداخل المحتل) في الوسط العربي، كنت ملازمًا لمركّز يتحدّث العربية من بيت أسرته التي قدمت من العراق، وأنا كنت تعلمت العربية في المدرسة الثانوية، وفي مساقات جامعية، وبذلك امتلكت أساسيّات اللغة، وبعد ذلك بعام قرر "الشاباك" فتح معهد لتدريس اللغة العربية لخدمة منظومة الاستخبارات.

فبعد نكسة 67، وتسلّم "الشاباك" المسؤولية الاستخبارية عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ظهرت الحاجة الإسرائيليّة لـ "معهد اللغة العربية". الذي صار يُخرّج ضباط المستقبل في "الشاباك" والأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية الأخرى، بعد أن يتقنوا اللغة العربية ولهجاتها، ويتعلّموا مبادئ الدين الإسلاميّ والثقافة العربية وعادات أهل البلاد وتقاليدهم، وكذلك أجزاء من القرآن الكريم، ومعاني الآيات. ويضاف إلى ذلك هذه الأيام، تعلّم نمط سلوك الشبان على شبكات التواصل الاجتماعي. مع مرور السنوات ذاع صيت المعهد بين أجهزة الاستخبارات العالميّة.

وبالعودة إلى يعقوب بيري، فقد تخرّج في دفعته حوالي 20 طالبًا، ويقول إنّ الدراسة كانت مكثّفة وتبدأ من الساعة الثامنة والنصف، وتستمرّ حتى منتصف الليل على مدار الأسبوع، باستثناء يوم السبت.

مساقات الدراسة كانت جذريّة جدًا، ومركّزة كما يقول بيري، حيث يشير إلى أنّهم تعلّموا اللغة العربية الأدبية، واللهجات الدارجة، والسلوك. وكانوا ينصتون إلى الإذاعات العربية، ويشاهدون القنوات التلفزيونية، ويقرأون الصحف والرسائل السريّة (الكبسولات) التي كان يتبادلها رجال المقاومة الفلسطينية داخل السجون مع الخارج أو مع قادة الفصائل في الخارج.

ولتعزيز ثقة عناصر الشاباك بقدراتهم اللغوية، كانوا يجرون لقاءات مع شخصيات فلسطينية من الداخل، ليتعلّموا من تلك اللقاءات. ويقول بيري إنّها لغة ثرية جدًا، مليئة بالأمثال وكلما ملأت جعبتك منها تزداد قدرتك على الحديث.

بيري الذي شغل بعد ذلك، منصب رئيس قسم التأهيل في "الشاباك"، يقول إنّ المعهد أصبح "بؤرة معرفية" لكل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ومع مرور السنوات، صار بالإمكان تجنيد "مركزين ومحققين"، من بين أولئك الذين لم يتعلموا اللغة العربية في بيوت أسرهم أو أولئك الذي تعلموا العربية في المدارس الثانوية والجامعات، فصار يتم إخضاع المرشحين الموهوبين لدورة أولية في معهد اللغة العربية، ومن يتفوّق يواصل طريقه نحو التنجيد في الاستخبارات.

اقرأ/ي أيضًا: مذكرات بيريز: عن النووي وعمرو موسى والشارب المستعار

ويصف آفي ديختير، رئيس "الشاباك" السابق ورئيس لجنة الخارجية والأمن، أهمية "معهد الغربية"، بالقول إنّ "المعهد يُدرس اللغة العربية والفنون، والدارسة عملية مركبة وصعبة، تمنح أدوات هائلة لـ "المركّز" و"المحقق"، وقد أتيح لنا ذات مرة فرصة المقارنة بين رجال الاستخبارات الأجانب الذين تعلموا اللغة في بيروت، وخريجي المعهد، ليس ثمة وجه للمقارنة من ناحية المستوى والجودة، أنا وُلدت عدة مرات. المرة الأولى في الميلاد الطبيعي. الثانية انضمامي لوحدة النخبة "سيرت متكال" بالجيش، والمرة الثالثة عندما تعلّمت اللغة العربية، أنا أعيش مع اللغة العربية منذ 42 عامًا، وليس بمقدوري تخيّل نفسي بدونها، في عدة مرات كان استخدامي للغة العربية سببًا في إنقاذ حياتي وحياة آخرين".

 عوفر ديكل: اللغة هي رأس الحربة في محادثات التجنيد، وكلّما أتقنتها أكثر، يكون بإمكانك تجنيد الجواسيس والتحقيق بشكل أفضل.

أمّا عوفر ديكل، نائب رئيس الجهاز السابق، الذي درس في نفس الدفعة التي تخرج منها ديختر وحصل الاثنان على العلامة الكاملة، فيقول "اللغة هي رأس الحربة في محادثات التجنيد، وكلما أتقنتها أكثر يكون بإمكانك تجنيد الجواسيس والتحقيق بشكل أفضل، وإذا كنت تتحدث اللغة بإتقان اللهجة المطلوبة، فإنك تعطى إحساسًا بالقرب.

ويضيف أنّهم كانوا يتعلّمون الفروق في اللهجات بين منطقة وأخرى، وقد ساعدهم العمل الميدانيّ في ذلك، فصار بإمكانه التمييز بين "فلسطيني من قلب رام الله وآخر من المنطقة الشمالية الغربية في رام الله".

كارمي غيلون الرئيس السابق لـ"الشاباك"، تلى أمام مراسل موقع "واللا" العبري، سورة الفاتحة غيبًا، رغم أنه لم يقرأها منذ عشرة أعوام، ويزعم أنّ بإمكانه تلاوة سور كاملة من القرآن الكريم.

ويقول غيلون: "عندما تكون في العمل، وتغوص في أعماق الأمور فإنّ هذا يعطيك قوةً هائلة"، وأن تضع نفسك مكان الطرف الآخر، معناه أن تجد الأخير يُردد: إذا كان يعرف كلّ هذا، فما الشيء الذي لا يعرفه".

قادة "الشاباك" السابقين قالوا للموقع العبريّ إنّ تغيّرًا طرأ في مطلع عقد التسعينات، تقرر خلاله دمج التأهيل في المعهد بالدراسة الجامعية الأكاديمية في تخصص الدارسات الشرق أوسطية، لضمان تعميق المعرفة بالإسلام ومميزاته، لأنّ ذلك يساعد في الوصول إلى قلب الشخص الخاضع للتحقيق أو الفلسطيني الذي يتم العمل من أجل تحويله لجاسوس. وجزء من الأسئلة التي تشغل بال أيّ "مُركز": كيف أقنعه؟ كيف أتجوّل في عالمه دون أن يشعر أنني لست جزءًا منه، وكيف أقيم قناة حوار دافئة معه؟ كلّ هذه الأسئلة تتطلب أن ينطلق الحوار على أساس عالم القيم للشخص المستهدف، دون السقوط في فخّ العلاقة الحساسة والعاطفية بين الإسلام والمسيحية. بل إنّ قدرات "المُركّز" قد تقود لوضع يكون فيه مصدر المعلومات لا يعرف بالضرورة أنه يعمل ويتعاون مع الشاباك.

وبحسب الموقع فإنّ التحديات الجديدة التي تواجه "الشاباك" دفعت لبلورة مساق يستمر لمدة عشرة أشهر، تكرس منها ثلاثة أشهر للغة العربية الأدبية، وثلاثة أشهر أخرى للعربية الأساسية، وأربعة أشهر للمستوى المتقدّم في اللغة العربية والتمرينات التطبيقية، وبذلك يكون "المركّز" قادرًا على إظهار إتقانه العربية، ومعرفة أسماء العائلات والحمائل، وأسماء الشوارع في المنطقة التي يعمل بها.


اقرأ/ي أيضًا:

عارف حجّاوي: أخاف من الخائفين على اللغة العربية

في غزة.. كسر حاجز الخوف من تعلم "العبرية"

"الجواسيس داخلنا".. كيف تجسس السوفييت على إسرائيل؟