بشغف، ينتظر الغزّيون وصول الكهرباء يوميًا، لإنجاز أشغالهم ومهامهم اليومية، ومنهم أصحاب الإعاقة الذين يمنعهم تذبذب وصول التيار من الحركة والتنقّل بين الأماكن. فبطاريّات الشحن التي تسير عليها كراسيّهم المتحرّكة تحتاج خمس ساعات يوميًا، لإكمال الشحن، وهو أمر لا يتوفّر لمعظمهم غالب الأحيان، مع اشتداد أزمة الكهرباء.
وسط واقع الكهرباء المُنعدم، أو الشحيح المتذبذب في أحسن الأحوال بقطاع غزة، لا يتمكن أصحاب الإعاقة الحركية من شحن كامل للبطاريات. فيضطرون للانتظار ثلاثة أيام ربما، لشحنها بالكامل، ليضمنوا الانطلاق في طريقهم خارج البيت، بلا توقف.
أحدهم توقفت عربته عن الحركة في منتصف الطريق، جرّاء عدم الشحن الكافي
مؤمن جراد (30 عامًا)، توقف كرسيّه المتحرّك على أحد المفترقات، ولم يستطع مواصلة السير، ما دفع شرطيًا لإيصاله لمنزله، عبر سيارة "الضبط" الحكومية. أمّا الناشط المجتمعي في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة محمد أبو كميل، فقد نشر عبر فيسبوك أنّه يعتذر عن المشاركات المجتمعية كلها بسبب عدم تمكنّه من شحن البطارية الخاصة بكرسيه.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو كنت كفيفًا في فلسطين؟
منشور أبو كميل لاقى تضامنًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعيّ، غير أنّ واقع حركته التي توقفت تقريبًا، ظلّ كما هو. فمعضلة الكهرباء في غزة مستمرّة منذ نحو عقد من الزمان، ولا حلّ لها إلّا من خلال عجلة السياسة التي لها شروطها للدوران.
يقول أبو كميل لـ "الترا فلسطين" إنّ بعض الأشخاص ذوي الإعاقة لا يتمتعون بصحة جيدة في عضلات أيديهم، الأمر الذي لا يُمكّنهم من دفع الكرسي المتحرّك ذاتيًا، وليس أمامهم إلّا الكرسيّ الكهربائيّ. ويتحدّث عن حالته بالقول إنه لا يقدر على تحريك يديه بشكل عادي، بسبب معاناته من ضمور في العضلات. وعليه؛ إمّا أن يتنقّل بكرسيّ كهربائيّ أو يبقى حبيسًا في منزله يعاني جحيم الحرّ، كما يقول.
أزمة انقطاع التيار الكهربائيّ دفعت أبو كميل للبحث عن حلول مؤقتة، كي لا يبقى حبيس منزله، فاستعان ببعض أصدقائه لشحن بطاريّة كرسيّه على جرعات، وبالتناوب بينهم. وفي مرّات أخرى حاول فِعل ذلك في محالات تجاريّة أو محطات وقود.
اقرأ/ي أيضًا: نظّارتي الطبيّة.. صديقتي التي أكره!
أحمد أبو جزر (39 عامًا) يعمل في مستود صناعيّ، هو الآخر لم يتوجه للعمل لأسبوعين كاملين، وكاد أن يخسر عمله، لولا تكفّل أحد أقربائه بشحن البطارية له في أحد المساجد الواقعة في مخيّم النصيرات، بعد أن طلب إذنًا من إدارة المسجد باعتبار أنّها حالة خاصة. بينما لم يتمكن شقيقه أسامة من التحرّك من منزله لعطل بطاريته التي تأثرت بفعل الشحن غير المنتظم.
أسعار البطاريات باهظة، ومعظمها غير متوفّر، فالاحتلال لا يسمح بدخولها غالبًا
أمّا حسين أبو راس (34 عامًا)، فقد نفض الغبار عن كرسيّه اليدويّ الذي لم يستخدمه منذ عامين، وقرر الاعتماد على ذراعيه، ولم ينتظر أن تتفضّل عليه الكهرباء بشحن بطارية كرسيّه الكهربائيّ، غير أنّه أصيب بمشاكل في عضلات الكتف بعد ثلاثة أيام من السير في الكرسي اليدوي.
ويقول في حديثه لـ "الترا فلسطين" إنّهم كمجموعة من ذوي الإعاقة الحركية، يتشاركون مشاكلهم وهمومهم عبر مجموعة فيسبوكيّة، في محاولة للتغلّب على همومهم، وأبرزها مشكلة شحن البطاريات التي باتوا يفكرون فيها أكثر من لقمة العيش أو شربة الماء كما يقول.
اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. أن تُصاب بمرضٍ نفسي فإنها لعنة
الأخصائيّة في قضايا ذوي الإعاقة حنين السماك، ترى أن الظروف الواقعة بسبب الكهرباء تزيد من العزلة الاجتماعية لهذه الفئة، فمحاولات دمجهم في المجتمع على مدار سنوات طويلة، يمكن أن تهدمها مشكلة الكهرباء.
السمّاك تحدثت أيضًا عن أنّ نسبة من يستطيعون توفير وسيلة شحن لكراسيهم الكهربائية، لم تتجاوز 25% منهم، الأمر الذي يصيب الغالبية العظمى منهم بالاكتئاب، جرّاء المكوث الطويل في المنزل.
اقرأ/ي أيضًا:
أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل" بغزة