أمسك ورقةً مربعةً، وبدأ يطويها بأشكال مختلفة، بينما النَّاظر يتلهف بانتظار ما ستتحول إليه، بعد أن طوَّعها الشاب قصي الصيفي (29 عامًا) لمجسمٍ لطائر، وشكّل بأخرى فستانًا، وبالثالثة سنجابًا، أمّا الورقة الرابعة فأصبحت قطعة أثاث "أريكة".
فيما تابعت زوجته ملك عفونة (26 عامًا) الخطوات معه، وهي التي اكتشفت صدفة في منتصف شهر حزيران من عام 2013 عالمًا واسعًا وجميلًا ومتعددًا وغنيًا؛ يدعى فن طيّ الورق "الأوريغامي"، إذ كانت حينها معلمة للفنون في أحد المخيمات الصيفية، ووصلت من خلال بحثها عبر الإنترنت إلى طريقة عمل سفينة من الورق، فأثارها الشغف به وحب استكشافه والغوص في أعماقه، لتتعلمه وتعلّمه.
اقرأ/ي أيضا: محترفون فلسطينيون في الخارج.. تجارب ناجحة؟
لكنّ انشغالها بعملها منذ نحو عام أبعدها قليلًا، بينما استمر قصي وتفرّغ لهذا الفن وأصبح معلمًا له في العديد من المؤسسات والمدارس.
ملك وقصي يحاولان نشر "الأوريغامي" في فلسطين كثقافة للفن والتسلية والعلاج أيضًا
تقول ملك، لـ"ألترا فلسطين": "حين بحثي تفاجأت بوجود فيديوهات على اليوتيوب ذات عناوين مختلفة، كأوريغامي كرين وهو طائر الكركي، وأوريغامي بوكس، وأوريغامي ديناصور، ومن هنا كانت البداية، فأحببت المشاهدة والمحاولة، ونجحت في ذلك".
وتضيف، "علِمَت زوجة السفير الياباني في فلسطين، آنذاك، بتعليم طيّ الورق في المخيم، فزارتنا وعلَّمتنا والأطفال المزيد، وجلبت لنا الورق الخاص، وهو مربع، ذو ملمس وكثافة وزخارف وأشكال وأحجام مختلفة، واستطعنا من خلالها وأصدقاء آخرين الحصول على كتب خاصة بلغات غير عربية نتعلم منها فن الأوريغامي، إذ لم نجد أي مصدر ورقي تعليمي بلغتنا لهذا الفن".
وتبين ملك أنها وقصي باشرا إثر ذلك التواصل مع المهتمين والمحبين لهذا الفن في الخارج.
فترةٌ من الهوس بالشيء، كانت خلال ثلاثة أشهر من التدريب واكتشاف أشكال جديدةٍ ليل نهار، أنتجا فيها كمية كبيرة من المنحوتات الورقية، فقررا حينها إنشاء صفحة الفيسبوك "أوريغامي فلسطين"، وفق ما يوضح قصي، لـ"ألترا فلسطين".
ويطمح قصي لإصدار كتاب خاص باللغة العربية لتعليم الأوريغامي، يشمل خطوات كل شكل بتفصيل دقيق، لكن تكاليف ذلك والبالغة نحو 2500 دولار تحول دون ذلك حتى الآن، متمنيًا من الجهات المختصة مساعدته، "ليكون أول كتاب عربي لتعليم هذا الفن"، وفق قوله.
ويضيف، "طي الورق من تراثنا، فكم منّا في صغره، قام بعمل سفينة أو صاروخ أو قارئة الحظ (المملحة).. قررت الاستمرار فيه، خاصة أن تخصصي في الاقتصاد، وعملي في الأرقام والمؤسسات البحثية، غلَّفني بالملل والروتين، بعيدًا عن الناس وتفاعلهم، في حين يشعرني الورق وتشكيله بالفرح".
وافتتح قصي مع زوجته نادٍ للأوريغامي لتعليم الأطفال في عام 2014، إلا أنه تم إغلاقه قبل نحو عام، بسبب تغيير مكان السكن.
ويبين قصي، "منذ نحو خمسة شهور، أنشأنا قناة تعليمية على اليوتيوب، تضم فيديوهات خاصة بنا، كما لنا مدونة ننشر فيها ما نترجمه من مقالات إلى العربية، لتكون متاحة لمن يرغب بالتعلم".
وعن أهمية الأوريغامي عدا كونه فنًا، فقد أوضح أنه يُستخدم لتعليم رسم الأشكال الهندسية، ويساعد على زيادة التركيز وتنمية المهارات، بالإضافة إلى كونه أداة علاجية لأطفال التوحد والذين يعانون صعوبات في التعلم وحركة زائدة، مشيرًا إلى أنه يوجد مركز أوريغامي في اليابان خاص بمرضى التوحد.
ويلفت إلى أنه استطاع عمل خطة ممنهجة للتعليم، وواحدة خاصة بطلبة المدارس، إذ أن لديه حصصًا ثابتة أسبوعية وأخرى شهرية في عدد من المدارس بمحافظتي رام الله والبيرة، والتي استطاع من خلالها تعليم نحو خمسة آلاف طالب.
ويظهر قصي استياءه من المدارس التي لا تحبذ عقد حصص خاصة لطلبة الصفين الحادي عشر والثاني عشر، كي لا يؤثر على دراستهم من وجهة نظر أساتذتهم، "لكن الحقيقة أنهم الأكثر احتياجًا لهذا الفن القادر على تحسين المزاج النفسي، وكسر الروتين الدراسي"، وفق قوله.
ويأمل أن تتسع دائرتهما إلى تشكيل مجموعة من المدربين لتعليم طي الورق لجميع الفئات في مختلف المدن والقرى الفلسطينية، لافتًا إلى وجود آخرين يقومون بتعليم هذا الفن بشكل فردي.
اقرأ/ي أيضًا: