25-مايو-2022
الصحافية شيرين أبو عاقلة (1971- 2022) - (LOUISA GOULIAMAKI/Getty)

الصحافية شيرين أبو عاقلة (1971- 2022) - (LOUISA GOULIAMAKI/Getty)

الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير

كان صباحًا ربيعيًا صافيًا في جنين في الضفة الغربية، ذلك الذي اخترقه صوت عدّة طلقات رصاص في تتابع سريع. المصوِّر الذي يصوّر المشهد يندفع للخلف ليختبئ خلف جدار إسمنتي منخفض. ورجل يصرخ بالعربية: "مصابة! شيرين، شيرين، شيرين. إسعاف!".

تحقيقٌ موسّع لشبكة "سي ان ان" يبحث في أدق تفاصيل وملابسات استهداف الصحافية شيرين أبو عاقلة صباح 11 أيار/ مايو في مخيم جنين، ويفنّد المزاعم الإسرائيلية 

بمجرّد أن يحرك المصوّر الكاميرا، يمكن رؤية الصحافية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة ملقاةً على الأرض بلا حراك، فيما وجهها للأسفل، بينما تجلس الصحافية الفلسطينية شذا حنايشة بجوارها، تحاول الاحتماء بجذع شجرة. تحاول شذا إيقاظ شيرين بينما يستمر إطلاق النار، لكن بلا جدوى. كما يتضح من الفيديو، كانت الصحافيتان ترتديان خوذات وسترات واقية زرقاء مكتوب عليها كلمة "Press".

في اللحظات التالية، قام رجل يرتدي قميصًا أبيض بعدة محاولات لنقل أبو عاقلة، لكنّه اضطر إلى التراجع بشكل متكرر بسبب إطلاق النار، قبل أن ينجح أخيرًا بعد عدة دقائق بسحب جسدها من الشارع.

الفيديو الذي تهتز يد مصوِّره، مجدي بنورة، يوثّق مشهد قتل أبو عاقلة (فلسطينية أمريكية تبلغ من العمر 51 عامًا)، برصاصة في الرأس حوالي الساعة 6:30 من صباح 11 أيار/مايو الجاري. حيث كانت رفقة مجموعة من الصحافيين قرب مدخل مخيم جنين للاجئين لتغطية اقتحام إسرائيلي. لا تظهر اللقطات لحظة إطلاق النار على أبو عاقلة، لكن شهود عيان قالوا لشبكة CNN إنهم يعتقدون أن القوات الإسرائيلية المتواجدة في نفس الشارع أطلقت النيران عمدًا على الصحفيين في هجوم مباشر. كان جميع الصحفيين يرتدون سترات زرقاء واقية وضّحت أنهم عاملون في وسائل الإعلام.

شذا حنايشة: أصبت بصدمة، لم أستطع فهم ما يحدث، اعتقدت أن شيرين ربما تكون قد تعثّرت، وبمجرد أن نظرت إلى الصحافية التي كنتُ معجبة بها منذ الطفولة، كان من الواضح أنها توقفّت عن التنفس 

"لقد وقفنا أمام المركبات العسكرية الإسرائيلية من خمس إلى عشر دقائق قبل أن نتحرك لنتأكد من أنّه تمت رؤيتنا. هذه عادة درجنا عليها كصحفيين، حيث نتحرّك كمجموعة ونقف أمامهم من أجل أن يعرفوا أننا صحفيون، وبعد ذلك نبدأ بالتحرك"، تقول حنايشة لشبكة CNN، واصفةً الطريقة الحذرة التي تعاملوا بها مع وحدة الجيش الإسرائيلي، قبل بدء إطلاق النار.

مراسلة "الترا فلسطين" الصحافية شذا حنايشة (Issam Rimawi/ Getty)
مراسلة "الترا فلسطين" الصحافية شذا حنايشة (Issam Rimawi/ Getty)

توضح شذا أنها تعرّضت لصدمة عندما أصيبت شيرين. لم تستطع فهم ما كان يحدث. فبعد أن سقطت أبو عاقلة على الأرض، اعتقدت أنها ربما تكون قد تعثّرت. لكنها بمجرد أن نظرت إلى المراسلة الصحافية التي كانت معجبة بها منذ الطفولة، كان من الواضح أنها توقفّت عن التنفس. لقد كانت الدماء تتجمع تحت رأسها. "بمجرد أن سقطت، لم أكن أدرك بصراحة أنها (أصيبت)... سمعت صوت الرصاص، لكنني لم أدرك أنهم كانوا يقتربون نحونا. بصراحة، طوال الوقت لم أكن أفهم ما يجري. اعتقدنا أنهم كانوا يطلقون النار، لذلك تراجعنا، لكنني لم أكن أعتقد أنهم كانوا يحاولون قتلنا".

الصحافية حنايشة كما ظهرت في الفيديو الذي وثق حادثة مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة
الصحافية حنايشة كما ظهرت في الفيديو الذي وثق حادثة مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة

في يوم الحادثة، قال المتحدث العسكري الإسرائيلي ران كوخاف لراديو الجيش إن أبو عاقلة كانت "تصوّر وتعمل لصالح وسيلة إعلامية وسط فلسطينيين مسلحين. هؤلاء الصحافيون مسلحون بالكاميرات، إذا سمحتم لي بقول ذلك"، بحسب موقع "تايمز أوف إسرائيل". ويقول الجيش الإسرائيلي إنه لم يتضح بعد من أطلق الرصاصة القاتلة. 

في تحقيق أولي، قال الجيش إن هناك احتمالين، أنّ إصابة شيرين كانت بنيران فلسطينية عشوائية، أو برصاص قنّاص إسرائيلي كان على بعد حوالي 200 متر في تبادل لإطلاق النار مع مسلحين فلسطينيين - رغم أنه لا "إسرائيل" ولا أي جهة أخرى قدّمت أدلة تظهر وجود مسلحين فلسطينيين قريبين من أبو عاقلة.

وقال الجيش الإسرائيلي في 19 أيار/مايو إنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيواصل تحقيقًا جنائيًا في مقتل الصحافية الفلسطينية. ويوم الإثنين، قال كبير محامي الجيش الإسرائيلي، اللواء ييفات تومر يروشالمي، في خطاب إنه بموجب سياسة الجيش لا يتم فتح تحقيق جنائي تلقائيًا في حالة مقتل شخص "وسط منطقة قتال نشطة"، إلا في حالة وجود اشتباه موثق وفوري بارتكاب جريمة جنائية. لكن المشرعين في واشنطن والأمم المتحدة والمجتمع الدولي دعوا إلى إجراء تحقيق مستقل.

التحقيق الذي أجرته شبكة "سي إن إن" يقدم أدلة جديدة - بما في ذلك مقطعي فيديو لمسرح إطلاق النار - على أنه لم يكن هناك أي اشتباكات، ولا أي مسلحين فلسطينيين بالقرب من أبو عاقلة في اللحظات التي سبقت قتلها. وتشير مقاطع الفيديو التي حصلت عليها "سي إن إن"، والمدعومة بشهادة ثمانية شهود عيان ومحلل صوتي وخبير أسلحة متفجرة، إلى أن مقتل أبو عاقلة كان نتيجة هجوم استهدفها بشكل مباشر من قبل القوات الإسرائيلية.

لم يكن هناك أي اشتباكات، ولا أي مسلحين فلسطينيين بالقرب من أبو عاقلة في اللحظات التي سبقت قتلها 

وتظهر اللقطات هدوءًا سبق تعرض الصحفيين لإطلاق النار في ضواحي مخيم جنين للاجئين بالقرب من دوار العودة. تقول حنايشة وأربعة صحفيين آخرين وثلاثة من السكان المحليين إنه كان صباحًا عاديًا في المدينة التي يعيش فيها حوالي 345 ألف شخص - 11400 منهم في المخيم- كان الكثير منهم في طريقهم إلى العمل أو المدرسة، وكان الشارع هادئًا نسبيًا. عم شعور بالحماسة بعد وصول أبو عاقلة لتغطية الاقتحام الإسرائيلي، وهي اسم معروف في جميع أنحاء العالم العربي بسبب عملها الصحفي في "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية. تجمع حوالي اثني عشر رجلًا، بعضهم يرتدي ملابس بسيطة ونعالًا، لمشاهدة أبو عاقلة وزملائها أثناء العمل. كانوا يتجولون ويتبادلون الحديث، وبعضهم يدخن السجائر، فيما آخرون يصورون المشهد عبر هواتفهم.

في مقطع فيديو من 16 دقيقة تم تصويره على هاتف محمول وشورك مع CNN، يتقدم الرجل الذي يصوّر باتجاه المكان الذي يقف فيه الصحفيون، ويقترب من الآليات الإسرائيلية المدرعة ويقول: "انظر إلى القناصين". عندما يُظهر فتى آخر نفسه للجيش بتردد، يصرخ المصور: "لا تمزح... هل تعتقد أنها مزحة؟ لا نريد أن نموت. نريد أن نعيش".

تتكرر الاقتحامات الإسرائيلية لمخيم جنين منذ أوائل شهر نيسان/أبريل، فيما تلا عدة عمليات شنها فلسطينيون خلفت قتلى إسرائيليين وأجانب. وذكر الجيش الإسرائيلي أن بعض منفذي الهجمات المشتبه بهم من جنين. وغالبًا ما تؤدي المداهمات حسب السكان المحليين إلى وقوع إصابات وقتلى. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، يوم السبت، إن فلسطينيًا عمره 17 عامًا قتل، في حين أصيب شاب يبلغ من العمر 18 عامًا بجروح خطيرة بنيران إسرائيلية خلال اقتحام.

"لم نكن خائفين من أي شيء ولم نتوقع حدوث أي شيء. عندما رأينا الصحفيين بالقرب، اعتقدنا أنها ستكون منطقة آمنة" 

سليم عواد، 27 عامًا، من سكان مخيم جنين، وهو الذي صور مقطع الفيديو البالغة مدته 16 دقيقة، قال لشبكة CNN إنه لم يكن هناك مسلحون فلسطينيون أو أي اشتباكات في المنطقة، وإنه لم يتوقع إطلاق نار نظرًا لوجود الصحفيين. "لم يكن هناك صراع أو مواجهات بتاتًا. كنا نحو عشرة رجال تقريبًا، نتجول ونضحك ونمزح مع الصحفيين". يضيف: "لم نكن خائفين من أي شيء ولم نتوقع حدوث أي شيء. عندما رأينا الصحفيين بالقرب، اعتقدنا أنها ستكون منطقة آمنة". لكن سرعان ما تغير الوضع. يقول عواد إن إطلاق نار اندلع بعد حوالي سبع دقائق من وصوله إلى مكان الحادث. ويوثق مقطع الفيديو الذي قام بتصويره لحظة إطلاق النار على الصحفيين الأربعة - أبو عاقلة، حنايشة، الصحفي الفلسطيني مجاهد السعدي، ومنتج الجزيرة علي السمودي، الذي أصيب في إطلاق النار - أثناء سيرهم باتجاه المركبات الإسرائيلية. في المقطع، يمكن رؤية أبو عاقلة وهي تتراجع بسبب إطلاق النار. كما يظهر الفيديو أن هناك خط رؤية مباشر من جهة الدورية الإسرائيلية.

مجاهد السعدي كان أحد الصحافيين الذين تواجدوا في المكان لحظة إطلاق النار على شيرين أبو عاقلة
مجاهد السعدي كان أحد الصحافيين الذين تواجدوا في المكان لحظة إطلاق النار على شيرين أبو عاقلة

يروي عواد: "رأينا حوالي أربع أو خمس عربات عسكرية في هذا الشارع تخرج منها أسلحة، أطلقت إحداها النار على شيرين. كنا نقف هناك، ورأيناها. وعندما حاولنا الاقتراب منها، أطلقوا النار علينا. حاولت عبور الشارع للمساعدة، لكنني لم أستطع". مضيفًا أنه رأى رصاصة أصابت أبو عاقلة في المسافة بين خوذتها وسترتها الواقية، بالقرب من أذنها تمامًا.

شاب آخر يبلغ من العمر 16 عامًا، كان من بين مجموعة الرجال في الشارع، قال لشبكة CNN، إنه "لم يتم إطلاق الرصاص، ولا رشق الحجارة، ولا شيء" قبل استهداف أبو عاقلة. قال إن الصحفيين أخبروهم ألا يلحقوا بهم أثناء سيرهم باتجاه القوات الإسرائيلية، لذلك بقي. عندما اندلع إطلاق النار، اختبأ خلف سيارة على الطريق، على بعد ثلاثة أمتار، حيث شاهد لحظة مقتلها. شارك الشاب نفسه مقطع فيديو مع شبكة سي إن إن، تم تصويره في الساعة 6:36 صباحًا، بعد مغادرة الصحفيين المكان إلى المستشفى مباشرة، حيث أظهر خمس مركبات تابعة للجيش الإسرائيلي تسير ببطء مارة عن المكان الذي قتلت فيه أبو عاقلة، قبل أن تنعطف الدورية إلى اليسار وتغادر المخيم عبر الدوار.

استعرضت شبكة CNN ما مجموعه 11 مقطع فيديو تظهر المشهد والدورية العسكرية الإسرائيلية من زوايا مختلفة - قبل وأثناء وبعد مقتل أبو عاقلة. وكان شهود العيان الذين كانوا يصورون الصحفية وقت إطلاق النار في مرمى النيران أيضًا، وتراجعوا عند بدء إطلاق النار، ولذلك لم يستطيعوا تصوير لحظة إصابتها بالرصاصة.

تحقيق "سي ان ان" استعرض ما مجموعه 11 مقطع فيديو تظهر المشهد والدورية العسكرية الإسرائيلية من زوايا مختلفة - قبل وأثناء وبعد مقتل أبو عاقلة 

تشمل الأدلة المرئية التي راجعتها CNN أيضًا شريط فيديو نشره الجيش الإسرائيلي، يصور جنودًا يجرون عبر زقاق ضيق، حاملين أسلحة هجومية من طراز M16 وأدوات أخرى، أثناء خروجهم إلى الشارع حيث تقف المركبات المدرعة. قال مصدر عسكري إسرائيلي لشبكة CNN إن الجانبين كانا يطلقان النار من بنادق هجومية من طراز M16 وM4 في ذلك اليوم.

في مقاطع الفيديو، يمكن رؤية خمس سيارات إسرائيلية مصطفّة في صف واحد على نفس الطريق حيث قُتلت شيرين، من جهة الجنوب. السيارة الأقرب إلى الصحفيين، مكتوب عليها رقم واحد بالأبيض، والمركبة الأبعد، مكتوب عليها رقم خمسة، وكلاهما يقف بشكل عمودي على الجانب الآخر من الشارع. في الجزء الخلفي من الآليات العسكرية، فوق الأرقام مباشرة، توجد فتحة ضيقة مستطيلة الشكل. أشار الجيش الإسرائيلي إلى هذه الفتحة في بيان بشأن تحقيقه الأولي في إطلاق النار على أبو عاقلة، قائلًا إنها ربما أصيبت برصاص جندي إسرائيلي من "ثقب إطلاق نار في مركبة تابعة للجيش الإسرائيلي باستخدام منظار تلسكوبي"، خلال اشتباكات. وقال العديد من شهود العيان لشبكة CNN إنهم رأوا أسلحة قناصة تظهر عبر الفتحات قبل بدء إطلاق النار، لكن لم يكونوا قد شرعوا بإطلاق النار بعد.

(RONALDO SCHEMIDT/Getty)
(RONALDO SCHEMIDT/Getty)

جمال حويل، الأستاذ في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، الذي ساعد في سحب جثة أبو عاقلة من الطريق، قال إن مصدر الطلقات هو إحدى المركبات الإسرائيلية، التي وصفها بأنها "نوع جديد له فتحة للقناصين" لرفع وتوجيه الرصاص. وأضاف "كانوا يطلقون النار مباشرة على الصحفيين".

التقى حويل، وهو نائب سابق في المجلس التشريعي وعضو في حركة فتح في جنين، بشيرين أبو عاقلة لأول مرة قبل عقدين من الزمن، عندما شنّت "إسرائيل" عملية عسكرية كبيرة في المخيم، دمرت أكثر من 400 منزل وشرّدت ربع سكانه. يوم اغتيالها، تحدث مع شيرين بإيجاز بالقرب من دوار العودة، حيث أطلعته على فيديو لمقابلة أجرتها معه عام 2002. في المرة التالية التي رآها فيها عن قرب، كانت ميتة.

في مقاطع فيديو لاقتحام الجيش لمخيم جنين في وقت مبكر من الصباح، يمكن رؤية جنود إسرائيليين ومسلحين فلسطينيين يشتبكون مع بعضهم البعض ببنادق هجومية من طراز M16 ومتغيرات أخرى، وفقًا لكريس كوب سميث، خبير الأسلحة المتفجرة. هذا يعني أن كلا الجانبين كانا سيطلقان رصاصة مقاس 5.56 ملم. ومن المرجح أن يتطلب توفيق الرصاصة التي قتلت شيرين مع فوهة السلاح التي أطلقها، تحقيقًا إسرائيليًا فلسطينيًا مشتركًا، لأن الفلسطينيين يملكون الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة، بينما يشير تحقيق "سي إن إن" إلى أن الإسرائيليين لديهم البندقية. وبينما تدرس "إسرائيل" ما إذا كانت ستبدأ تحقيقًا جنائيًا، استبعدت السلطة الفلسطينية التعاون مع الإسرائيليين في أي تحقيق.

ونفى مسؤول أمني إسرائيلي كبير بشكل قاطع لشبكة CNN يوم 18 أيار/مايو أن القوات الإسرائيلية قتلت أبو عاقلة عمدًا. تحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة تفاصيل حول التحقيق الذي لا يزال مفتوحًا بشكل رسمي. وقال المسؤول لشبكة CNN: "من المستحيل أن يستهدف الجيش الإسرائيلي بأي حال من الأحوال مدنيًا، خاصةً عاملة في الصحافة". مضيفًا: لن يطلق جندي من الجيش الإسرائيلي أبدًا رصاص إم 16 بشكل آلي. إنهم يطلقون رصاصة برصاصة"، على عكس تأكيد "إسرائيل" أن المسلحين الفلسطينيين كانوا يطلقون النار "بتهور وعشوائية" أثناء قيام جنودها بالاقتحام في جنين.

في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني إلى CNN، قال الجيش الإسرائيلي إنه يجري تحقيقًا في مقتل أبو عاقلة، ويدعوا "السلطة الفلسطينية إلى التعاون من خلال فحص شرعي مشترك مع ممثلين أمريكيين للوقوف بشكل قاطع على مصدر الوفاة المأساوية". وأضاف أن "المعلومات المتعلقة بمصدر النيران التي قتلت أبو عاقلة يجب أن تكون دقيقة ومدعومة بأدلة دامغة. وهذا ما يسعى الجيش الإسرائيلي إلى تحقيقه".

حتى بدون الوصول إلى الرصاصة التي أصابت أبو عاقلة، هناك طرق لتحديد المسؤول عن اغتيالها من خلال تحليل نوع إطلاق النار، وصوت الطلقات، والعلامات التي خلفها الرصاص في مكان الحادث 

يقول كوب سميث، وهو مستشار أمني ومحارب قديم في الجيش البريطاني، لشبكة CNN، إنه يعتقد أن أبو عاقلة قُتلت من خلال طلقات منفصلة - وليس من خلال صلية رصاص آلية. للوصول إلى هذا الاستنتاج، ألقى نظرة على الصور التي حصلت عليها سي إن إن، والتي تظهر الآثار التي تركها الرصاص على الشجرة أين سقطت شيرين على الأرض وكانت شذا تحاول الاحتماء.

يقول كوب سميث لشبكة CNN: "إن عدد العلامات التي تركتها الضربات على الشجرة حيث كانت تقف شيرين، يثبت أن هذه لم تكن طلقة عشوائية. لقد تم استهدافها"، مضيفًا أنه في تناقض حاد، فإن غالبية عمليات إطلاق النار من الفلسطينيين اللتي تم التقاطها بالكاميرا كانت في ذلك اليوم "رشاشات عشوائية".

وكدليل على ذلك، استشهد بمقطعي فيديو يظهران مسلحين فلسطينيين يطلقون النار في الأزقة في مناطق مختلفة من جنين. تم نشر مقاطع الفيديو هذه من قبل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، ووزارة الخارجية الإسرائيلية، مع تعليق صوتي باللغة العربية يقول: "لقد أصابوا واحدًا - لقد أصابوا جنديًا. إنه ملقى على الأرض".

(Alex Kent/Getty)
(Alex Kent/Getty)

ولأنه لم يتم الإبلاغ عن مقتل جنود إسرائيليين في 11 أيار/مايو، قال مكتب بينيت إن الفيديو يشير إلى أن "الإرهابيين الفلسطينيين هم من أطلقوا النار على الصحفي". حددت "سي إن إن" الموقع الجغرافي لمقاطع الفيديو التي شاركها مكتب بينيت، حيث كانت جنوب المخيم، على بعد أكثر من 300 متر من أبو عاقلة. تُظهر إحداثيات الموقعين، اللذين تم التحقق منهما باستخدام Mapillary، وهي منصة صور شوارع تعتمد على مصادر من الجمهور، ولقطات للمنطقة صورتها منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، أن إطلاق النار في مقاطع الفيديو لا يمكن أن يكون نفسه الذي أصاب أبو عاقلة وعلي السمودي. لم تتمكن CNN أيضًا من التحقق بشكل مستقل من وقت تصوير اللقطات.

وبحسب التحقيق الأولي للجيش الإسرائيلي، فإنه في وقت مقتل أبو عاقلة، كان قناص إسرائيلي على بعد 200 متر منها. طلبت شبكة CNN من روبرت ماهر، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوب في جامعة ولاية مونتانا والمتخصص في التحليل الصوتي الجنائي، تقييم لقطات إطلاق النار على أبو عاقلة وتقدير المسافة بين المسلح والمصور، مع مراعاة نوع السلاح الذي يستخدمه الجنود الإسرائيليون. 

الفيديو الذي حلله ماهر يظهر إطلاق النار على دفعتين. يقول شهود عيان إن شيرين أصيبت في إطلاق النار الثاني. بالنسبة للطلقة الأولى، فإن الموجة الصدمية للرصاصة، تُبعت بعد حوالي 309 ميلي من الثانية، بالصوت الذي يصدر عادة عن فوهة السلاح عند إطلاق النار. ويقول ماهر في رسالة بالبريد الإلكتروني لشبكة سي إن إن إن: "هذا يتطابق مع مسافة 177 - 197 مترًا"، وهو ما يتوافق تقريبًا مع موقع القناص الإسرائيلي بالضبط.

شيرين "لم تكن ضحية لنيران عشوائية أو طائشة"، كما يقول خبير أسلحة لشبكة "سي ان ان" 

بدوره، يشير كوب سميث إلى أنه لا يمكن على بعد 200 متر أن يؤدي إطلاق نار عشوائي أو آلي إلى إصابة ثلاث أو أربع طلقات لهذه المساحة الضيفة، مضيفًا أنه "بالنظر إلى الآثار التي تركتها الضربة على الشجرة، يبدو أن الطلقات التي أصابت إحداها شيرين، جاءت من أسفل الشارع من جهة قوات الجيش الإسرائيلي. يشير التجمع المحكم نسبيًا للرصاصات إلى أن شيرين استُهدفت عمدًا بطلقات موجهة". وبالتالي فإن شيرين "لم تكن ضحية لنيران عشوائية أو طائشة"، كما يقول خبير الأسلحة لشبكة سي إن إن.

يُشار إلى هذه الشجرة الآن في جنين بـ "شجرة الصحافيين" وصارت ضريحًا مؤقتًا، مع صور مثبتة على جذعها للمراسلة المحبوبة وكوفية فلسطينية ملفوفة على أغصانها.

(Nasser Ishtayeh/ Getty)
(Nasser Ishtayeh/ Getty)

قال عواد، أحد سكان جنين الذي وثّق دون قصد مقتل أبو عاقلة أمام الكاميرا، إن المرة الأولى التي رآها فيها كانت في عام 2002، عندما كانت تغطي الانتفاضة في جنين. وقال: "إنها بالطبع محبوبة من قبل الكثيرين، لكن لديها ذاكرة خاصة جدًا في منطقتنا على وجه التحديد بسبب العمل الذي قامت به هنا. الناس هنا حزينون للغاية على خسارتها".

(HAZEM BADER/ Getty)
(HAZEM BADER/ Getty)

في الشهر الماضي، احتفلت أبو عاقلة بعيد ميلادها في جنين، عندما كانت هناك لتغطية اقتحام إسرائيلي، كما يتذكر زميلها منذ فترة طويلة، المصور مجدي بنورة. بدأ بنورة وأبو عاقلة العمل في الجزيرة في نفس اليوم قبل 25 عامًا، وقضيا الكثير من حياتهما المهنية في هذا المجال معًا.

لا يزال بنورة يحاول استعادة توازنه بعد أن رأى أبو عاقلة تموت أمام عينيه. ولكن عندما اندلع إطلاق النار، كان يعلم أنه يجب أن يستمر في التصوير، قائلاً إنه من المهم أن يكون هناك "تسجيل مستمر" لمقتلها. يقول بنورة "بصراحة، بينما كنت أصور، كنت آمل أن تكون على قيد الحياة، لكنني عندما رأيتها بلا حراك علمت أنها قد قُتلت".