13-أكتوبر-2015

وقفة تضامنية في غزة مع مخيم اليرموك 2015 (Getty)

لم يخطر على بال أحد من سكان المنطقة العربية، عربًا وغير عرب، أن يتساءل إزاء الثورة الفلسطينية بعد تحولات خطيرة وكثيرة مرت بها خلال نضالها الطويل والمرير ضد العدو الإسرائيلي: هل بقيت تحمل روح الثورة أم أنها كفت عن ذلك؟ ولم يطلق أحد عليها تسميات أخرى غير التسمية الحقيقية التي اكتسبتها منذ انطلاقتها الأولى 1936، مرورًا بما يمكن تسميته: الانطلاقة الثانية 1965 حيث تشكلت منظمة التحرير وتم الاعتراف بها، دوليًا، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وهي الثورة.

كان اتفاق أوسلو بمثابة الكارثة التي حلت بالثورة الفلسطينية ومسيرتها وتاريخها، خاصة أنه جاء بعد انتفاضة عارمة

مرت الثورة الفلسطينية بمراحل كثيرة، سلبًا وإيجابًا، ومن كثرتها، يصعب بالفعل حصرها. من هذه المراحل ما يعتبر مرفوضًا من قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، كاقتتال الأخوة، مثلًا، الذي حصل بين فصائل فلسطينية بعضها مع بعض، وقد أنهك الثورة حتى قيل إن عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا على أيدي إخوانهم الفلسطينيين يفوق عدد الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل! 

بالإضافة إلى ارتباط قيادة الثورة بالأنظمة العربية التي تاجرت بها، وجعلت منها ورقة لتحسين شروط وجودها في التسلط والهيمنة على شعوب المنطقة والشعوب المجاورة، وأرغمتها على اتخاذ مواقف اعتبرت مضادة لمصالح الشعب الفلسطيني. وكان اتفاق أوسلو هو الموقف الذي فاجأ الجميع واعتبر بمثابة الكارثة التي حلت بالثورة ومسيرتها وتاريخها، خاصة أنه جاء بعد انتفاضة عارمة، انتفاضة الحجارة، التي أنهكت الاقتصاد الإسرائيلي وكشفت عورة حكام تل أبيب أمام العالم بأجمعه، وأكسبت القضية الفلسطينية شعبية عالمية غير مسبوقة، وتأسست انطلاقًا منها منظمات وتيارات وجمعيات وغير ذلك... مناصرة للفلسطينيين كانت، في بعض الأحيان، قوة ضغط على حكوماتها لاتخاذ مواقف من شأنها أن تساعدهم في استرجاع حقوقهم.

إضافة إلى أن الإسلام السياسي لم يبق كثيرًا مكتوف الأيدي تجاه الثورة، فدخلها اعتبارًا من ثمانينيات القرن العشرين كإسلام جهادي تصدر لفترة طويلة، ولم يزل في بعض المرات، يتصدر العمل الفلسطيني كحركتي "الجهاد الإسلامي" وحماس". ونحن نعرف ونعيش هذه المرحلة التي شهدت اشتباكات مسلحة عديدة بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين حركة حماس في غزة، وتبادل الاعتقالات، والاتهامات... وكانت إسرائيل هي المستفيد الأكبر جراء ذلك.

إضافة إلى أنها مرت بمراحل مسلحة، ومراحل دبلوماسية/ تفاوضية، ثم مسلحة، ثم تفاوضية وهكذا.. وغيرها وغيرها.. مع ذلك، بقيت الثورة الفلسطينية لدى مناصريها، ومرات لدى خصومها، ثورة شعب لأجل حقوقه. الأهم من هؤلاء، هنا، أنها بقيت كذلك لدى فلسطينيي كرة الأرض. وهي كذلك بالفعل.

كان الحاسم في الأمر هو النظر إلى البدايات. فقد بدأت كثورة، وإن كافة المنعرجات والإحباطات والتخاذلات والأخطاء والتناقضات، والخيانات أحيانًا، لم يجعل من الفلسطينيين فاقدي الذاكرة، ولم يجعلهم ينظرون إلى أي فعل خارج السياق العام لثورتهم، بل كانوا، على طول الخط، يرونه حلقة من سلسلة طويلة هي مراحل مرت بها الثورة، لا يلغيها ولا يحولها ولا يغير من طبيعتها.

في الانتفاضة الفلسطينية، نسمع أهازيج الثورة السورية، كما هزج السوريون أهازيج الفلسطينيين في ثورتهم

مع الثورة السورية، الأمر اختلف لدى قسم من الناس، السوريين خاصة. مع أنها بدأت ثورة شعب لأجل حقوقه، سلمية، ثم تسلحت ضمن ظروف خاصة صار يعرفها الكثيرون، ثم دخلها الإسلام السياسي، وحصل اقتتال، أحيانًا، بين الإخوة، وجرت بعض المفاوضات بين النظام وكتائب الثوار لأجل غرض معين. وتداخلت عوامل كثيرة، طائفية، ومصالح دول، وحروب كانت تظهر على أنها حروب الآخرين بوقود سورية، ومرتزقة، وأصحاب أجندات ليست سورية، وغيرها... وهذه كلها تمر بها الثورات عندما يطول أمدها، ويمارس عليها العنف من أطراف دولية وميليشيات كثيرة.

لكن الذي حدث لدى بعضهم، وهم كثر، أنهم، ومنذ أول مطب للثورة، وأول منعرج لها، وأول إحباط، تخلوا عن وصفها بالثورة، وحصل لهم فقدان ذاكرة، ونسوا البدايات أو أنهم لم يعودوا يقيمون لها وزنًا، وراحوا يفكرون خارج سياق الثورة، معتبرين أن كل حلقة ليست ضمن سلسلة، بل هي حلقة منفردة مقطوعة السياق. وهذا تفكير لا تاريخي يسم الغالبية العظمى من مثقفينا، ومن فكرنا. وهو التفكير الذي لا ينظر لسياق تشكل الحدث وتطوراته، بل يرى الحدث وكأنه تشكل الآن، بلا سياق، وبلا تاريخ!

أما عن القول بأن إسرائيل عدو واضح ومكشوف للشعب الفلسطيني، وهو ما لا ينطبق على نظام سوريا، فبالإمكان النظر أيضًا إلى تاريخ النظام في العلاقة مع شعبه: بدءًا باعتقاله وقتله تحت التعذيب لمجرد الرأي المخالف، ثم تدمير المدن، مدينة حماة 1982 كمثال، لأنها تمردت عليه، وقتل الكثير من السوريين في أرجاء سوريا، مثلاً قتله الأكراد عام 2004 لتمردهم عليه. ثم ما فعله بالمتظاهرين منذ اليوم الأول للثورة في درعا 2011 مستمرًا إلى الآن بهدم المدن على رؤوس الناس، وغير ذلك مما بات معروفًا لدى البشرية... كل هذا يجعلنا نرى أن النظام تعامل مع الناس كأعداء له، وليسوا كمعارضين، فالمعارضة تستمد وجودها من دساتير وقوانين ومؤسسات الدول الديمقراطية. وحيث لا ديمقراطية، فالمعارضات هي عدو. وقد كان النظام السوري، منذ بدئه في حكم البلد، عدوًا واضحًا ومكشوفًا للشعب السوري، كما للشعب الفلسطيني على حد سواء.

ما يصحح الأمر هو الثوار. في الانتفاضة الفلسطينية المستمرة هذه الأيام، نسمع أهازيج الثورة السورية، كما هزج السوريون أهازيج الفلسطينيين في ثورتهم. كأنما، حقيقة لا مجازًا، الدم الثوري واحد.

اقرأ/ي للكاتب:
لا تصدقوني.. كنت أكذب على الدوام

إعادة تعريف سوريا