11-يونيو-2024
قطيعة بين نتنياهو وغانتس

انعقد مجلس الحرب الإسرائيلي للمرة الأولى دون حضور الوزيرين في المجلس بيني غانتس وغادي آيزنكوت، إثر استقالتهما من المجلس يوم الأحد، وهي الخطوة التي فتحت الباب لتكهنات وتحليلات واسعة في إسرائيل حول مستقبل حكومة نتنياهو والتحديات التي تنتظرها في المرحلة المقبلة.

كان اللجوء إلى تشكيل مجلس الحرب حقيقة قائمة عرفًا في الحياة السياسية في إسرائيل، إذ تم تشكيل حكومة طوارئ أثناء حرب حزيران/يونيو 1967، وفي حرب تشرين أول/أكتوبر 1973

وعلى الرغم من حقيقة أن  مجلس الحرب، ليس له أي صفة قانونية أو طابع دستوري، إلا أنه يحمل على عاتقه فعليًا إدارة الحرب على غزة والتصعيد مع لبنان، وبشكل تلقائي كان يصادق المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية-الأمنية "الكابنيت" على قراراته، فهو المجلس المخول من الناحية القانونية باتخاذ القرارات ذات الطابع العسكري.

وكان اللجوء إلى تشكيل مجلس الحرب حقيقة قائمة عرفًا في الحياة السياسية في إسرائيل، إذ تم تشكيل حكومة طوارئ أثناء حرب حزيران/يونيو 1967، ترأسه حينها، رئيس حزب العمل ليفي إشكول، بعد أن ضم إليه زعيم  حزب "حيروت" -الليكود حاليًا- مناحيم بيغين، وظلت هذه الحكومة قائمة طيلة فترة الحرب. وبعد سنوات، في حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، تم تشكيل مجلس حرب مصغر تولى قيادة الحرب.

بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تعاظمت الشكوك في إسرائيل حول قدرة مكونات  "الكابنيت" على إدارة حرب بهذا الحجم. ولتفادي الانتقادات الداخلية، واستجابة للضغوط الأميركية، والحاجة إلى جنرالات مجربين،  قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دعوة زعيم المعسكر الرسمي بيني غانتس، وعضو حزبه غادي آيزنكوت، للمشاركة في الحكومة التي شكلها نتنياهو في 11 تشرين أول/أكتوبر، وباتت تسمى "حكومة الطوارئ"، وتبع ذلك تشكيل مجلس الحرب الذي أعلن منذ اليوم الأول أن هدف الحرب هو "القضاء على حماس"، وتحرير الأسرى الذين أخذتهم المقاومة في غزة يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

وترأس مجلس الحرب بنيامين نتنياهو، الذي قاد ستة حروب على قطاع غزة. أما أعضاء مجلس الحرب فهم:

- اللواء يوآف غالانت، وهو وزير الأمن في حكومة نتنياهو قبل الحرب، وكان قد شارك في أكثر حروب إسرائيل دموية على غزة قبل الحرب الحالية، وهي حرب 2008، التي استمرت ثلاثة أسابيع.

- بيني غانتس، الذي شغل سابقًا منصب وزير الأمن، ورئيس الأركان، وشن حربين على قطاع غزة، الأولى في عام  2012 ، والثانية في عام 2014، ويوصف في إسرائيل بأنه مقربٌ جدًا من البيت الأبيض.

- غادي آيزنكوت، الذي شغل سابقًا منصب رئيس الأركان، وهو صاحب استراتيجية الضاحية الجنوبية، التي تنص على ضرورة القصف العشوائي الواسع للمناطق التي تطلق منها صواريخ على إسرائيل، حتى لو كان بثمن إبادة حي كامل كما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت في حرب لبنان الثانية.

- رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو قبل الحرب، ويعتبره نتنياهو أفضل مستشار في شؤون العلاقات مع الولايات المتحدة، الذي وصف بـ"دماغ نتنياهو"، إذ تواجد في المجلس الحربي دون أي خلفية عسكرية، ولكنه يمتلك ثقة نتنياهو الكاملة.

- الحاخام أريه درعي، زعيم حركة شاس الدينية.

لم يمض وقت طويل حتى بدأت التسريبات تخرج من داخل مجلس الحرب عن خلافات بين أطرافه، خاصة نتنياهو من جهة، وغانتس من جهة أخرى، وتوقف الحليفان عن الظهور في مؤتمرات صحفية مشتركة كما كانت العادة في الأيام الأولى من الحرب.

ووصلت الخلافات بين الحليفين ذروتها عندما أعلن نتنياهو في 15 أيار/مايو الماضي أنه لن تكون هناك جهود إسرائيلية لبناء بديل سلطوي لحركة حماس في قطاع غزة قبل القضاء عليها بشكل تام، بما يشمل القضاء على القدرات العسكرية والتنظيمية والسلطوية.

غالبية الخبراء السياسيين والعسكريين في إسرائيل كانوا يرون أن غانتس وآيزنكوت ومعهما وزير الجيش غالانت، وهو من حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، كانوا يمثلون داخل مجلس الحرب جبهة مجتمعة في قضية "اليوم التالي" وقضايا أخرى، خاصة ملف صفقة تبادل الأسرى، وأن هذه الجبهة تتحدث أيضًا باسم قادة الجيش والمخابرات، وكل هؤلاء معًا يرفضون فرض حكم عسكري دائم على  قطاع غزة.

تعاظم قوة بن غفير وسموتريتش

ما هي خيارات نتنياهو بعد استقالة غانتس وآيزنكوت؟ هذا السؤال طرح في هيئة البث الإسرائيلية "كان" على مراسلة الشؤون السياسية في القناة يعرا شابيرا، التي استبقت الإجابة على السؤال بالتشكيك أصلًا في كفاءة مجلس الحرب.

وفي إجابتها على السؤال، أوضحت شابيرا أن التوقعات تشير إلى أن نتنياهو سيعرض على جدعون ساعر الانضمام لمجلس الحرب، والأرجح أن يكون الرد سلبيًا، لذلك فإن نتنياهو يبحث إمكانية إلغاء مجلس الحرب بشكل نهائي، والعودة إلى الصيغة العادية والقانونية، أي مجلس عادي، مجلس الوزراء للشؤون اﻷمنية والسياسية "الكابنيت".

واعتبرت شابيرا أن هذه العودة إلى "الكابنيت" تمثل استجابة لكافة مطالب الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في الشهور اﻷخيرة، اللذان يواصلان القول إنهما مهمشان في عملية اتخاذ القرارات الأمنية والعسكرية، وأن القرارات ﻻ تتخذ في المجلس الصحيح من ناحية قانونية.

نتنياهو يبحث إمكانية إلغاء مجلس الحرب بشكل نهائي، والعودة إلى مجلس الوزراء للشؤون اﻷمنية والسياسية "الكابنيت". وهذه العودة إلى "الكابنيت" تمثل استجابة لكافة مطالب الوزيرين ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش

وأضافت، أن في حال اتخذ نتنياهو هذه الخطوة، فإن المشاورات الأمنية الحقيقية ستكون في المطبخ المصغر، الذي يضم إلى جانبه، الوزيران غالانت وديرمر، فهذان هما الشخصان اللذان يعتمد عليهما نتنياهو بالفعل في المسائل الأمنية.

المعلق السياسي في القناة الـ12 الإسرائيلية، أمنون أبراموفيتش، قال إن الدافع من وراء دخول بيني غانتس إلى مجلس الحرب هو كبح نفوذ بن غفير وسموتريتش، مؤكدًا  أن انسحاب غانتس من المجلس سيزيد من نفوذهما حتمًا.

ورأى أبراموفيتش، أن الآثار السلبية لزيادة نفوذ بن غفير وسموتريتش لن تقتصر على السياسة الإسرائيلية الداخلية، بل ستصل إلى العلاقات مع الوﻻيات المتحدة والبيت اﻷبيض ووزارة الدفاع اﻷميركية، وحتى إلى قادة الجيش والجنود، وكذلك قادة اﻷجهزة اﻷمنية الإسرائيلية، وعائلات الجنود والعائلات التي قُتل أبناؤها في الحرب، خاصة المفقودين.

وأضاف، أن بنيامين نتنياهو فضّل أمن الكرسي على أمن الدولة، "والخلاصة أننا سنرى حكومة نتنياهو - سموتريتش - بن غفير، تجدد اﻻستيطان في غوش قطيف (غزة)، وتحتل جنوب لبنان، وتستقر فيه، وتهاجم إيران، وستبادر للصدام  مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أيضًا، هذا السيناريو سيكون مشوقًا".

اللواء عاموس يدلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، قال في لقاء مطول مع القناة الـ 12 الإسرائيلية، إن استقالة غانتس من مجلس الحرب تطرح سؤالًا حول المستقبل الذي تمضي إليه إسرائيل، مضيفًا أن نتنياهو يمتنع عن اتخاذ القرار المناسب، وهو استعادة الأسرى، التي ستتيح لإسرائيل الخروج من حالة التركيز على غزة فقط، إلى التركيز على ساحة الحرب كلها.

وقال يدلين: "لمن لم ينتبه، فإننا نخوض حرب كبيرة جدًا في الشمال، ومكانتنا في العالم لم تكن يومًا متدهورة جدًا إلى هذه الدرجة، وبدلًا من تغيير اﻻتجاه ﻹعادة تحديد أهداف الحرب من جديد، يواصلون الذهاب في اﻻتجاه نفسه، ﻷن رئيس حكومتنا مخطوف من قبل شركائه سموتريتش وبن غفير".

وأكد عاموس يدلين، أن الذهاب إلى حرب في الشمال، أي ضد حزب الله اللبناني، لن يكون ممكنًا في الظرف الحالي، حيث النقص في الذخيرة الحربية، وغياب المظلة السياسية الدولية المطلوبة لهذه الحرب، نتيجة توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، التي كان لغانتس وآيزنكوت تأثيرٌ كبير في تعزيزها.

ماذا سيفعل غانتس بعد انسحابه؟

دفنا ليئيل، محللة الشؤون السياسية في القناة الـ12 الإسرائيلية، قالت إن غانتس الذي كان في الأصل، قبل الحرب، في المعارضة، سيلتحق الآن بعد خروجه من مجلس الحرب إلى الاحتجاجات الجارية في الشارع الإسرائيلي، وسيطالب بانتخابات مبكرة، وسيعقد اجتماعات مع زعيم المعارضة يائير لابيد، ونفتالي بينيت، وأفيغدور ليبرمان، من أجل تنسيق الخطوات، في محاولة لممارسة الضغط باتجاه إسقاط الحكومة.

خلاصة القول، يسود الاعتقاد حاليًا في إسرائيل أنه على المدى المنظور لن يكون التغيير في المشهد الأمني والسياسي والعسكري ملحوظًا، ولكن في حال بادرت إسرائيل للمزيد من التصعيد مع لبنان، أو اختارت التوجه نحو حرب شاملة مع حزب الله، عندها سيكون القرار العسكري والسياسي خاضعًا للمتطرفين، خاصة إذا تم إلغاء مجلس الحرب بالكامل والعودة إلى "الكابنيت".

ويؤكد خبراء عسكريون مقربون من الجيش الإسرائيلي، أن الحرب مع حزب الله خيارٌ واردٌ بالفعل في غضون أسابيع، وتحديدًا بعد الانتهاء من الهجوم العسكري البري على رفح. وفي هذه الحالة، فإن حكومة خاضعة لقوة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ويتصرف رئيسها بنيامين نتنياهو انطلاقًا من اعتبارات حزبية، لن تحظى بثقة معظم الجمهور الإسرائيلي، وفق ما أظهرت استطلاعات الرأي التي نشرت مؤخرًا.