هل سبق وأن سمعتَ عن (الوحدة 8200) أو (الوحدة 9900)؟ إنهما مزروعتان حولك في العالم الأزرق، تتربصان منك زلة لسان أو سقطة عاطفية أو إجابة "ساذجة" على سؤالٍ قد لا يخطر لك أنه "موجّه" ووراءه أهدافٌ عديدة، ليطرق أفرادهما بابك، وتبدأ حيلة السقوط في مصيدة "الشاباك" الإسرائيلي.
الوحدتان المختصتان بمخابرات الإنترنت هما من أهم وحدات جهاز المخابرات الإسرائيلية، وهما مزروعتان في "جروبات" فلسطينية على اختلاف توجهاتها.
"الشاباك" يخترق مجموعات نسائية غزّية على مواقع التواصل لجمع المعلومات وإسقاط نساء
وللتخصيص فإن تحقيق الترا فلسطين رصد نساءً وقعن في شباك هاتيْن الوحدتيْن، منهم صحفية، ليس لشيء إلا لأخطاء ترتكبها النساء بالتفاعل العشوائي مع الحسابات والمنشورات والأسئلة التي يتم طرحها داخل الجروبات النسائية تحديدًا.
قدمت معلومات عن خالها المقاوِم
الفتاة (ياسمين.م) ضحية أوصلتنا إليها الجهات الأمنية لتتحدث هاتفيًا عن قصتها مع أحد عناصر الوحدتيْن، وكان يُسمي نفسه "عاشقة غزة"، وهو شاب دخل حياتها عبر هذا الحساب ثم انتهى الأمر بكارثة أمنية. تقول: "كانت معظم منشوراتها وطنية داخل الجروب ودائمًا تعبر عن حبها وعشقها لأهل غزة، كنت أعلق على منشوراتها على حسن نية، لأنها لم تثِر شك أحد، بل كانت أحيانًا تطلب في منشورات لها أن ندعو لغزة".
اقرأ/ي أيضًا: الابتزاز الإلكتروني: "الشاباك" وباحثون عن الجنس والمال
وتُضيف، "حينما أرسلت لي طلب صداقة قبلتها، تحدثنا عبر الخاص، كانت تشكو من كل الأوضاع بغزة، تطرح مشاكل اجتماعية وكانت شخصية حزينة لأبعد حد، بادلتها الحديث خاصة أنها كانت مغرمة في المقاومة".
بعد فترة من التعارف شكّت (ياسمين) من إحدى العبارات أن صاحب الحساب رجل، ومع ذلك استمرت العلاقة بينهما، تقول: "حتى الحرب وما جرى فيها، تكلمنا عنها وعن كيفية التعامل مع العملاء، من الآخر كانت وطنية وتنقم على العملاء، هذا قبل اكتشافي أنه رجل".
"صُدمت" الفتاة بعنصر المخابرات وقد طلب منها "التعاون بمقابل" بعد أن أمسك عليها "ممسكًا"، فطبيعة العلاقة أصبحت مفتوحة وقدمت فيها معلومات عن مكان سكنها وأهل بيتها، بل أيضًا عن خالها الذي يعمل في أحد الأجنحة العسكرية في غزة.
تُبين (ياسمين) أنها تكتّمت على الأمر خوفًا، "إلى أن حضرت مهرجانًا وكان فيه مسؤول مقرب من جهاز الشرطة في الداخلية، كنت منهارة حينما طلبت منه أن يسمعني على انفراد ونفسيتي مدمرة، حكيت له كل قصتي وأوصلني إلى الداخلية، وأخذوا حسابي وتم التعامل مع الحساب من خلالهم".
"فيسبوك" يقود لاختراق الهواتف
إحدى الضحايا صحافية فوجئت بوصول صور خاصة لها بـ"لباس غير مستور" وفق وصفها على بريدها الإلكتروني، بينما طلب منها المصدر معلومات محددة، فتواصلت مع الجهات الأمنية التي اكتشفت أن الصور موجودة على هاتف الصحافية.
"الشاباك" وصل إلى صور خاصة لصحافية من خلال هاتف شقيقتها بعد التواصل معها من خلال "عنصر غير آمن" على "فيسبوك"
يقول مسؤول أمني تابع ملفها لـ الترا فلسطين: "اكتشفنا أن الصور وصلت إليهم عبر اختراق هاتف شقيقة الصحفية، وهي التي تم الدخول لهاتفها من خلال استقبالها لعنصر غير آمن على حساب فيسبوك، استطاعوا الوصول من خلاله إلى محادثاتها، وبالفعل كانت شقيقتها بطبيعة التواصل بين الأخوات والفتيات قد أرسلت لها صورها".
اقرأ/ي أيضًا: صفحات فلسطينية تحصد آلاف المتابعين بالاحتيال والإغراء
يضيف، "من خلال اسم الصحفية في المحادثة وصلوا إلى بريدها وأرسلوا الصور وساوموها عليها، فما كان منها إلا أن بلّغت شخصًا معروفًا لديها، وتم الاتفاق على اتخاذ إجراءات الأمان لها، وأيضًا تواصلنا مع زوجها بكل سرية وتفهّم الأمر من طرفنا".
في حالة ثالثة وقعت فتاة في حب شخص في إحدى المجموعات غير المتقصرة على النساء هذه المرة، تحدث إليها عبر الخاص بعد منشورٍ لها طلبت فيه فرصة عمل في أي مجال لتعتاش منه هي وأسرتها. تقول: "أوهمني أنه من سكان الناصرة وأن بإمكانه أن يساعدني إلى أن أجد عملاً، وبعد ثلاثة شهور أصبحت علاقتنا أكثر ترابطًا، وطلب مني الزواج، وأنه سيأتي لغزة وسيتمم كل الإجراءات بالواسطة".
تضيف، "طبعًا هناك صعوبة في أمور الزواج ولم الشمل بين غزة واسرائيليين فأبلغني أنه يمكنه أن يخرجني من غزة بمساعدة خاله، وتعرفت على خاله. وفي النهاية طلع خاله ضابط مخابرات".
"الهندسة الاجتماعية" وذراع إسرائيل الطويلة
الخبير في الشؤون الأمنية بغزة محمد أبو هربيد قال لـ الترا فلسطين "إن بعض حالات النساء اللواتي وقعن في فخ المخابرات الإسرائيلة تمت معالجتها بعد توجهها للجهات المختصة دون أن تسبب ضررًا، لكن للأسف هناك حالات توجهت للأمن في مرحلة متقدمة وبعد أن تسببت بضرر وقصف أماكن".
وبيّن أبو هربيد، أن "مخابرات الانترنت" التابعة لـ"الشاباك" تم تشكيلها منذ انطلاق عالم الانترنت ومواقع التواصل، وهي تعمل في اتجاهين، أولهما جمع المعلومات والثاني تجنيد العملاء، مؤكدًا أن هناك مجموعات على مواقع التواصل أنشأها "الشاباك" وهي دوائر تجنيد لحسابه، وهي مجموعات اجتماعية وسياسية وقد تكون رياضية، ومن شروط الانتساب لها أن يُدخل الشخص اسمه وبياناته الحقيقية.
خبير أمني: هناك "جروبات" على مواقع التواصل أنشأها "الشاباك" وهي دوائرة تجنيد فيه
وأشار إلى وحدة "الهندسة الاجتماعية" التي تقوم على مبدأ "فن اختراق العقول" داخل هذه المجموعات، "وهي تعني بأن أقنع شخصًا بأن يعطيني معلومات شخصية عنه عبر عدة أسئلة وبأساليب معينة، جزءٌ منها معلومات أمنية، وهي وسيلة مثلها مثل أساليب استقبال المتقدم لوظيفة".
ويُضيف، "العاملون في هذه الوحدة أناس مدربون لديهم بيانات ضخمة، ولديهم القدرة على التحدث والكتابة والإدارة النفسية والمعنوية للمشاركين في الجروبات، لأنه بالنهاية يحمل هدف معلوماتي".
ويوضح أبو هربيد أنه تسبق وحدة الهندسية الاجتماعية، وحدتا "8200"، و"9900"، وقد وصفهما بأنهما "ذراع إسرائيل الطويلة، وهما تتبعان لاستخبارات الجيش مباشرة، ووظفيتهما التجسس والتعقّب الإلكتروني".
ووفقًا لنتائج تحقيقات ومراقبة في مواقع التواصل، فإن هذه الوحداث تصل لهدفها عبر تتبع أو طرح مواضيع من خلال حساباتٍ دقيقة، منها ما يتعلق بمسيرات العودة، والحصار، والمشاكل اليومية لأهل غزة. يقول أبو هربيد: "الكثير من الناس وقعوا في الخطأ عن حسن نية ولعدم وجود توعية مستدامة لهم، وقدموا معلومات هامة. هناك مقاومون نجوا من عمليات اغتيال بسبب هذه المعلومات".
ويرى أبو هربيد أن الأشد خطورة هم الأشخاص الذين يتحدثون عن مشاكلهم الشخصية في المجموعات. ووفق اعتقاده فإن "أكثر هذه الفئة من النساء اللواتي يتحدثن عن مواضيع كالزواح والبطالة والفقر، أو علاقات معقدة عاطفية، أو مشكلة زوجية، وهؤلاء يُكنَّ في مرمى الشاباك".
انتحال شخصيات دينية وسياسية
تؤكد وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة أن "الجهات الأمنية المختصة" تقوم بجهدٍ كبيرٍ لتتبع محاولات "الشاباك" المتواصلة و"المكثفة" لتكوين "وحدات تخابر أمني" داخل المجموعات على مواقع التواصل.
يؤكد الناطق باسم الوزارة إياد البزم لـ الترا فلسطين أن هناك عملاء تم إسقاطهم من خلال "فيسبوك"، وألقت الجهات الأمنية القبض عليهم، هذا إضافة إلى حساباتٍ مجهولةٍ وأشخاصٍ ينتحلون شخصياتٍ دينية أو سياسية بأشكالٍ وألقابٍ مختلفة، لاستغلال الظروف العامة، وينفّذون خدعًا للشباب أو النساء من هذه النوافذ.
وزارة الداخلية بغزة: هناك مواجهات خفية مع الجهات الأمنية التابعة للجانب الإسرائيلي على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل
وكشف البزم عن وجود "مواجهات خفية بين الجهات الأمنية التابعة للداخلية والجهات الأمنية التابعة للجانب الإسرائيلي على الشبكة العنكبوتية مواقع التواصل".
وأفاد بأن "الداخلية" تعاملت مع حالات استغلال لفتيات عبر صورٍ وأسماءٍ لهن، وقد استقبلت شكاوى واستغاثات لتعرضهن لمحاولات تجنيد، إضافة لشباب أيضًا. وأضاف، "على الرغم من أن تعاطي النساء مع أي غريب سطحي نوعًا ما عن الشباب، إلا أن مجموعاتهن مستهدفة من مخابرات الاحتلال".
وحذر البزم من التواصل مع "أشخاص مجهولين"، ودعا إلى حذرٍ ووعيٍ أكبر" في توارد المعلومات والتعامل مع المنشورات والأسئلة "الموجهة" داخل المجموعات، "التي ثبت مؤخرًا أنها تعود لجهات أمنية إسرائيلية" وفق قوله.
اقرأ/ي أيضًا:
فيسبوك لتجار السلاح في غزة.. والأمن يراقب