أثار الموقف القوي والحاسم لتعاطي نقابة المحامين مع اعتقال أحد محاميها من داخل المحكمة بنابلس، ردود فعل داخل الجسم الصحفي، وطفت على السطح "حالة مقارنة" بين النقابتين، طالب فيها الصحافيون نقابتهم بأن تحذوا حذو نقابة المحامين في دفاعها المستميت عن أعضائها في وجه انتهاكات الأجهزة الأمنيّة.
دفاع نقابة المحامين المستميت عن أعضائها يثير "غبطة" الصحفيين.. ونقابتهم ترد: المقارنة غير سليمة
فلم تكتفِ نقابة المحامين بإفراج الأجهزة الأمنية عن المحامي محمد حسين قبل أسبوعين، وأعلنت عن مواصلة خطواتها الاحتجاجية واستمرار تعليق عملها في المحاكم الفلسطينية، مطالبة بمعاقبة منفذي عملية الاعتقال وحل "اللجنة الأمنية المشتركة"، وتقديم اعتذار خطّي لنقابة المحامين والسلطة القضائية والنيابة العامة.
الصحفي سعيد أبو معلا، أستاذ الإعلام في جامعتي بيرزيت والأمريكية، وصف موقف نقابة المحامين في مواجهة السلطة التنفيذية ووزارة الداخليّة بـ "الشجاع والصارم". واعتبر أنّ موقف الصحفيين جاء في إطار "الأماني" بأن تكون نقابتهم مثل نقابة المحامين، وهو تعبير عن حالة عدم رضا الصحفيين عن أداء نقابتهم.
وطالب أبو معلا في حديثه لـ "الترا فلسطين" بأن يكون هذا التعبير الطبيعي والعفوي من الصحفيين، ناقوس خطر للنقابة إن هي أرادت أن يظلّ الجسم الصحفي مُتّحدًا، ومن دون ذلك سيستمر الضعف وستتكرر الأماني، وسنرى أنفسنا في نقابات الغير، وأننا في نقابة غير قادرة على حمايتنا.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | محامون يعتصمون أمام رئاسة الوزراء
من جانبه، ذكر الصحفي علي دراغمة، مدير موقع مدار نيوز، أنّ السلطة حوّلت نفسها إلى نظام بوليسيّ، واستغلّت حالة الانقسام بين فتح وحماس لتهميش دور النقابات، مطالبًا بضرورة البناء على ما قامت به نقابة المحامين.
ولم يغفل دراغمة أنّ نقابة الصحفيين سجّلت بعض النجاحات، على الرغم من أنّها لم تصل إلى مجابهة حقيقية لسياسة الحكومة، مشيرًا إلى "أسلوب النقابة العشائريّ، وفنجان القهوة في حلّ مشاكلها مع السلطة التنفيذية".
الصحفي جهاد بركات، الذي سبق واعتقلته الأجهزة الأمنيّة، يتفق مع ما ذهب إليه الصحفي دراغمة في أنّ نقابة الصحفيين لا تزال تحل الإشكاليّات بشكل ودّي قبل اتخاذ قرار التصعيد، بينما تتخذ نقابة المحامين إجراءات محددة ومجدولة زمانيًا، لافتًا إلى إجراءات نقابة المحامين عند اعتقال المحامي محمد حسين، وتعرُّض المحامي مهند كراجة للضرب على يد الأجهزة الأمنية.
ووفق بركات، فإنّ على نقابة الصحفيين تغيير طريقة تعاملها التقليدية مع الحكومة، لأن هذه الوسائل لم تعد مجدية في التعامل مع انتهاكات السلطة التنفيذية.
أمّا مدير فضائية القدس في الضفة الغربية، الصحفي علاء الريماوي، فأشار إلى أنّ نقابة المحامين اتخذت من الانتخابات نهجًا ديمقراطيًا دائمًا، الأمر الذي منحها ديناميكية أكثر من نظيرتها الصحفية ووضعها تحت مجهر مسائلة أعضائها.
ورأى في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنّ نقابة المحامين قفزت عن الانقسام، ورسمت لنفسها سياسة ثابتة قائمة على حماية حقوق أعضائها والوقوف إلى جانبهم، بعكس نقابة الصحفيين التي يقول إنّها تأثّرت كثيرًا بالانقسام، وتحوّلت مع الوقت لناطق باسم السلطة.
الإشكاليّة من وجهة نظر الريماوي تكمن في عدم وجود نية حقيقيّة من قبل نقابة الصحفيين لاستخدام أدوات الضغط التي تملكها على السلطة التنفيذية، رغم أنّ هذه الأدوات تفوق ما لدى نقابة المحامين.
على الطريقة العشائرية.. مدخلات خاطئة أفرزت نقابة متهالكة
في المقابل، تشير الصحفية نائلة خليل، مديرة مكتب صحيفة "العربي الجديد" في الضغة الغربية إلى أنّ ضعف نقابة الصحفيين مصدره أن أعضاءها غلّبوا انتماءهم الحزبيّ على مصالح أفرادها، بعكس نقابة المحامين التي استطاع ممثلوها الفصل بين خلفيتهم الحزبيّة وعملهم النقابي.
ورأت نائلة أنّ تمثيل الصحفيين في النقابة لا يعبّر بشكل حقيقي عن التنوع الموجود في الجسم الصحفي، وذلك بسبب العاملين في الإعلام الرسمي، معتبرةً أنّ هؤلاء يشكلون كتلة كبيرة تحتوي على أشخاص لا يعملون في الإعلام أصلًا وهم مخزون انتخابي يضم العشرات وربما المئات، ويستطيعون إنجاح أي قائمة انتخابيّة، وهم بطبيعة الحال موالون للسلطة.
وتساءلت: كيف يمكن لموظف يعمل في تلفزيون فلسطين أن يتضامن مع زميله الذي يعمل في فضائية الأقصى حال تعرّضه لأيّ اعتداء من قبل الأجهزة الأمنية؟
وقالت مديرة "العربي الجديد" إنّهم طالبوا كثيرًا بأن لا يشارك العاملون في الإعلام الرسمي بالانتخابات، لأنهم يتبعون ديوان الموظفين وتمثلهم نقابة العاملين في الوظيفة العمومية لأن رواتبهم من السلطة في نهاية الأمر.
نقابة الصحفيين: المقارنة لا تصح
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين، عمر نزال، يرى في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنّ المقارنة بين النقابتين لا تصح، وهي مقارنة غير عادلة. مشيرًا إلى أن نقابة المحامين تعمل وفق قانون ينظّم عملها، بعكس نقابة الصحفيين.
فغياب قانون يضبط عمل الصحفي، وعدم وجود نصوص قانونيّة تعتبر الصحافة مهنة، وتقييد القانون للعمل الإعلامي، ووضعه ضوابط على حرية الرأي والتعبير، كُلّها أسباب أسهمت في "ضعف أدوات النضال النقابي"، وفق نزال.
ويشير نزال إلى مسألة أخرى يعتبرها مهمّة، وهي أنّ الالتزام بقرارات وفعاليات نقابة الصحفيين يظل في الإطار الأدبي والأخلاقي فقط، ولا توجد آلية إلزامية، بعكس نقابة المحامين حيث يُلزم القانون جميع أفرادها بالقرارات التي تصدر عنها، وكل من يخالف قد تُسحب عضويته وتُتخذ بحقّه إجراءات قانونية وعقابيّة.
ويقول عضو الأمانة العامّة للنقابة، أنّه يجب عدم إغفال أنّ عدد المحامين المُسجّلين في النقابة يُقدّر بالآلاف، بينما لا يزيد عدد الصحفيين المسجلين في نقابتهم عن ألفي عضو. وينفي في الوقت ذاته أن تكون نقابة الصحفيين تمتلك أدوات ضغط تفوق نظيرتها في نقابة المحامين.
ويُشدد على أنّ لكل نقابة أوراقها الخاصة التي يمكن أن تشهرها في وجه السلطة التنفيذية، فالصحفيون عندهم القدرة على مقاطعة أخبار الحكومة، بينما يستطيع المحامون شلّ الجسم القضائي من خلال الإضرابات ومقاطعة المحاكم.
أمّا بخصوص دور الانتماء الحزبيّ في إضعاف نقابة الصحفيين، فيرى نزال أنّ هذا الأمر موجود في نقابة المحامين أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا:
قانون الجرائم الإلكترونية: السلطة تشرعن قمع الحريات