تسللت وحدة النخبة التابعة لمنظمة "الهاغاناة" قبيل حرب النكبة إلى صوريف، في الخليل، محمّلة بأسلحة وذخائر تكفي لفتح جبهة وارتكاب مذبحة، إلا أن الثوار أجهزوا عليها تمامًا. وللتخفيف من وقع السقوط الكبير، اختلقت "الهاغاناة" كذبة "الأخلاق الرفيعة" لجنودها؛ التي أفضت إلى كشف أمرهم والإجهاز عليهم، لكن هذه الأسطورة أسقطها تحقيق للقناة الإسرائيلية الثانية.
وقعت المعركة بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 1948، عندما توجهت "وحدة الجبل" المكونة من 35 إرهابيًا إلى صوريف، ومع جنودها أربعة رشاشات برن، و16 بندقية، و15 بندقية نصف آلية، ومسدسات، وقنبلتين يدويتين، وذخائر شخصية، وثلاثة آلاف رصاصة، وبطاريتين لتشغيل جهاز الاتصال اللاسلكي، ومواد إسعاف أولي، ومواد طبية، ومواد متفجرة.
أجهز ثوار فلسطينيون على وحدة نخبة في "الهاغاناة" بعد معركة في صوريف، ولإخفاء هذه الفضيحة ادعت "الهاغاناة" أن أخلاق جنودها فضحت أمرهم
تقول مصادر "الهاغاناة" إن قائد "وحدة الجبل" كان يدعى داني ماس، فيما كان إبراهيم أبو دية قائد الثوار. بعد الهزيمة المذلة، سعى يتسحاق سديه، رئيس "الهاغاناة" إلى تبرير ما حدث بالزعم أن الثوار اكتشفوا "وحدة الجبل" لأن جنودها "كانوا يتحلّون بالأخلاق"، بادعاء أن الوحدة أسرت راعي أغنام مسن ولم تقتله، وبعد الإفراج عنه أخبر أهالي صوريف بأمرهم.
[[{"fid":"71007","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":458,"width":300,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
كذبة راعي الغنم هذه تجذرت في وعي الإسرائيليين الذين درسوها في المدارس والحركات الكشفية؛ بوصفها أسطورةً تُصور "أخلاق الهاغاناة وطهارتهم". وتأخذ المدارس الابتدائية طلابها إلى موقع المعركة، وتلقنهم أكاذيب قائد "الهاغاناة".
اقرأ/ي أيضًا: في "واد عقربا".. الثورة تصطاد كبار جيش الاحتلال
يكشف المؤرخ العسكري الإسرائيلي أوري ملتشين حقيقة هذه الأسطورة، وأسباب الهزيمة، مبينًا أن التخطيط والتنظيم والقيادة في عملية صوريف كانت مصابة بخلل تام. يقول: "لقد قرروا الذهاب ليلاً عبر طريق جبلية طولها 28 كم، وتحتاج 14 ساعة من المشي لتقطعها، وهذا يجعل انكشافهم أمرًا حتميًا".
وينفي ملتشين كل الحديث عن قتال بطولي، مضيفًا، "بالطبع، بالإمكان القول إن كل شخص قُتل خلال الحرب هو بطل ، ولكن هذا ليس أمر جديًا".
يوحنان يعقوب، مستوطن قُتل أبوه في المعركة، يؤكد استنادًا لوثائق من أرشيف "الهاغاناة"، أن سبب اكتشاف الوحدة ليس راعي الغنم، وإنما نساء كنّ يجمعن الحطب، ولم تستطع الوحدة أسرهن. ويشير يعقوب إلى رواية قائد شرطة الانتداب البريطاني في الخليل، هيمش جون دوغان، الذي قال إنه سمع شخصيًا رواية مرأتين من قرية صوريف، أنهن لاحظن القوة الصهيونية وهربتا نحو القرية وأخبرتا الناس بألامر.
[[{"fid":"71006","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":319,"width":600,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
ووفق تحقيق القناة الثانية، فإن قتالاً قصيرًا وقع بين "وحدة الجبل" والثوار، ثم اختبأت الوحدة في الوادي من أجل مواصلة المسير نحو مجمع "غوش عتصيون" ليلاً، لكن في ساعات الظهر، اكتشفت الوحدة أنها مُحاصرة من قبل مئات الفلسطينيين، فصعدوا التل حتى لا يكونوا في منطقة منخفضة خلال القتال.
استغرقت المعركة ساعات، فرض خلالها الثوار سيطرتهم على التلة، وأجهزوا على جنود "وحدة الجبل".
يختصر ملتشين المعركة بالقول: "كانت إخفاقًا عظيمًا وعارًا عسكريًا للصهاينة"، فيسأله معد التحقيق: "لماذا تفعل ذلك؟" فيجيب بأنه يجب "ذبح الأسطورة". ويضيف ملتشين، "في حال لم تستخلص العبر من معركة وحدة الجبل، فإنك ستقع في نفس الأخطاء في معركة الشيخ جراح، وإن لم تستخلص العبر من معركة الشيخ جراح، ستقع في نفس الأخطاء خلال معركة مزرعة الصينة في سيناء. ليس ثمة مفر، وليس بالإمكان بناء ثقافة قتالية بناءً على أساطير".
اقرأ/ي أيضًا:
معركة القعدة: أبناء النكبة يقولون كلمتهم