16-أكتوبر-2017

تصوير جعفر اشتيه

لا تخرج العروس الفلسطينية لبيت زوجها إلّا بعد أن تكون كسوتها جاهزة. "واللي بطلعش مع العروس بلحقهاش"، كما يقول المثل الشعبي. فكسوة العروس، بتقسيماتها العديدة، واحدة من أركان الزواج الفلسطيني، وهي من أول ما يتم النقاش حوله بعد الإيجاب والقبول، وعدم توفيرها من قبل العريس وأهله، يُشعر العروس بالنقص ويُغضبها وأهلها، ويمكن أن يؤدي لترك العروس بيت زوجها.

والعروس تجهز كسوتها قبل موعد زفافها، فتُفصّل ملابسها الجديدة وتخيطها استعدادًا لأخذها معها عند خروها من بيت والدها. وقد جرت العادة أن تخرج العروس بـ"فاردة" تتوجه بها عائلة العريس لبيت أهل العروس، وفي مناطق كثيرة من فلسطين، لم يكن العريس يأخذ عروسه إلّا بعد أن يدفع مبلغًا من المال لوليّها، وأكبر أقاربها من الرجال والنساء، من جهة أمها وأبيها، وقد بقي ذلك دارجًا حتى أواخر القرن العشرين، وأحيانًا حتى يومنا هذا في مناطق محدودة، وقد أدت في حالات كثيرة إلى خلافات دفعت أزواجًا لرفع دعوى للمطالبة باسترداد المبلغ الذي تم دفعه.

تضم الكسوة ثيابًا للعروس وأثاثًا بسيطًا لبيتها، وكذلك حُليّا متنوعة، وتوضع في صندوق خشبي يسمى  "السمرافرنجي"

لكن هذا المبلغ الذي يحمل مسميات كثيرة، منها "البلصة"، أو "الهدمة"، لم يكن جزءًا من الكسوة، فهذه لها تقسيماتها وشروطها الخاصة بالعروس وحدها. ومما تضمنته الكسوة صندوقًا خشبيًا يسمى "السمرافرنجي" له قفل ومفتاح، تضع فيه المرأة حُليها وأغراضها وملبوساتها.

اقرأ/ي أيضًا: المهور حين كانت قمحًا أو ثورًا أو أرضًا

ومما يدخل في الكسوة ويوضع في "السمرافرنجي"، وفقًا لمعطيات عامي 1871 و1893، "قمباز"، وهو رداء خارجي، و"قفطان"، وهو رداء من قماش الكمخ يُفصل للطفل عند ولادته، وشالة سمرا (سوداء)، و"شنبر"، وهو غطاء للرأس، و"دكة"، وهي خيط لتثبيت السروال، و"منديل أخضر" أو من لون آخر، و"ثوب كمخ خام"، وهو نوع قماش قطني بالحرير النباتي أرضيته حمراء ومخطط بخطوط سوداء، وثوبين "ديما خام" وهو نوع قماش، وحزام وسط، وذلك كله على سبيل المثال لا الحصر.

وإذا تمعنا بتفاصيل الكسوة، سنلاحظ الإيحاءات التي ترسلها وتعبر عنها، فـ"القفطان" يدلل بشكل لطيف ولكن واضح على ضرورة الإنجاب؛ كعزوة اجتماعية وكقوة اقتصادية، فيما يشير اللون الأخضر الذي يتكرر كثيرًا إلى البركة والحظ المتوقع من هذه العروس.

وتشير كلمة خام التي تكررت كثيرًا  إلى أن المرأة الفلسطينية اعتمدت على ذاتها، أو على خيَّاطة محلية لتفصيل الثوب، وفقاً للمقاس والحجم الذي تريد، وقد ساد بين الفلسطينيين في القرن التاسع عشر، وحتى الثلث الثاني من القرن العشرين، نمط تفصيل الملابس أكثر من شراء الثوب الجاهز.

كما تضمنت كسوة المرأة؛ أثاث بيتها، وكان آنذاك بسيطًا، فمثلاً يكون الأثاث "ثلاث طراريح ولحافين وست مخدات وجنبية (فراش) ومرآة"، وتكون المرآة عادة مُحاطة بإطار قماشي مطرز، أو من القش، أو الخشب، بأحجام مختلفة. 

وللزوجة بعد أن تصبح في بيت زوجها كسوتان على مدار السنة؛ صيفية وشتوية، وقد كانت على سبيل المثال من "ديمايتين وقميصين وعباة"، أو "خَلَكين (ثوبين) وإلباسين (بنطالين) ونصف كمخة زنار (للخاصرة) وعصبة (للرأس) وعباية من الجوخ". وقد عُرفت عصبة الرأس في منطقة شرق نابلس بـ"الصمادة"، وهي غطاءٌ للرأس وزينةٌ في ذات الوقت، تُعلق بها النقود الذهبية أو الفضية، وكانت تضعها المرأة تحت الشال.

الصمادة، غطاءٌ للرأس وزينةٌ في ذات الوقت، تُعلق بها النقود الذهبية أو الفضية، كانت تضعها المرأة تحت الشال

والحديث هنا عن اللباس اليومي للمرأة داخل بيتها وفي محيطه، أثناء ممارسة نشاطها وعملها اليومي المتنوع، بينما تلبس العباءة عند خروجها من بيتها، على أننا يجب أن لا نغفل عن خصوصية اللباس الفلسطيني لكل منطقة، فلكل منطقة مطرزات وألوان تشتهر بها، كما لو أنها هويتها الخاصة تختلف عن المناطق الأخرى.

"جوز مطاويح"، هو حبل من الخرز يتدلى على البرقع أو الوجه، تكون في نهايته بعض القطع النقدية

أما حُلية المرأة وزينتها، فقد تضمنت مثلًا "جوز مطاويح"، وهو حبل من الخرز يتدلى على البرقع أو الوجه، تكون في نهايته بعض القطع النقدية، و"جوز أساور سليتات" من الفضة أو الذهب، وقلائد من ذهبٍ أو خرزٍ وطوق، و"جوز تراكي" وهو حلق الأذن، و"قرمول" وهي أشرطة حرير لونها أسود، توضع في نهايتها قطعٌ ذهبية أو فضية وتُلف بجدايل الشعر، و"عقوص فضة"، وهي قطع نقدية ذات أهداب تُعلق بنهاية "القرمول"، وخلخال، خواتم، هذا عدا عن تزيّن النساء بالكحل، والحناء، والعطور، والوشم أحيانًا.

لم يكن دارجًا تزويج البنت الفلسطينية قبل أن تبلغ الحيض، وروايات الباحثين الأوروبيين في القرن التاسع عن ذلك وقعت في خطأين

ولم يكن دارجًا أن تُأخذ البنت عروسًا إلا بعد بلوغها الحيض، واكتمال نمو جسمها، لتصبح قادرة على المعاشرة الزوجية، والحديث هُنا حصرًا عن منطقة وسط فلسطين في أواسط القرن التاسع عشر، دون وجود سبب يمنع التعميم على كل فلسطين، فالثقافة والعُرف واحد.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن روايات بعض الباحثين الأوروبيين الذين تواجدوا في فلسطين خلال الفترة المذكورة، قد جانبها الصواب في توثيقها لعادات الزواج، إذ ادّعى هؤلاء أن البنت كانت تُزوج قبل بلوغها 13 سنة، والحقيقة أنهم في قولهم هذا وقعوا في خطأين: الأول هو تعميم الأمثلة التي شاهدوها، فحُجج المحكمة الشرعية لا تسجل أي عقود زواج قبل بلوغ الفتاة، وإذا حصل ذلك فإنه يكون خارج إطار المحكمة، وفي القرى أكثر من المدن. والخطأ الثاني، أنهم لم يفرّقوا بين الخطبة والزواج، فقد درجت عادة خطبة الفتاة دون علمها وهي صغيرة، لكن زواجها لم يكن يتم إلا بعد بلوغها الحيض، ليكون جسمها قادرًا على الحمل.

فتيات يرتدين زيًا تقليديًا فلسطينيًا - صورة تعبيرية


اقرأ/ي أيضًا:

أعطيتك ابنتي.. هكذا كانت تزوج الفتيات في فلسطين

العيدية.. عادات تُبهج العرائس وتكلف العرسان غاليًا

مزادات الفرح في فلسطين