19-يونيو-2018

1

"من المعلومات المتوفرة في ملف جريمة القتل المزدوجة التي ارتكبها شاب (28) عاماً في يافا بحقّ شقيقتيه، أنّ الجريمة نُفّذت أمام أفراد العائلة، وأن القاتل أدين مرّتين سابقًا بتهديد إحدى القتيلتين، وأنّ الشرطة لم تفعل شيئًا لمنع الجريمة النكراء".

هذا ما ورد في خبر صحفيّ لموقع عرب 48 تعليقًا على مقتل الشقيقتين نورا وحياة ملوك بتاريخ 17 أيار/ مايو 2018، وما يردُ عادةً، في بداية أي خبر أو تقرير صحفيّ يتعلّق بجريمة قتل تقع في نطاق الوسط العربيّ في الداخل المحتل.

   لا تفعل شرطة الاحتلال الإسرائيلية شيئًا حيال تصاعد جرائم القتل في الداخل الفلسطيني المحتل   

يؤكد هذا الخبر، والأخبار التي على شاكلته، على عناصر هامّة واعتياديّة في معظم حالات القتل العائلية وهي أن المجرم أحد أفراد العائلة، وأنّ الشرطة الإسرائيلية لم تفعل شيئًا لمنع وقوع الجريمة رغم علمها بأنّ الضحيّة تحت تهديد القتل، وفي حالاتٍ معيّنة كالحالة السابقة، يكون المجرم قد أدين من قبل بتهديد الضحيّة، إلّا أنّ الشرطة حتى في هذه الحالة لم تفعل شيئًا لتلافي وقوع الجريمة.

يوضّح الجدول التالي، والصادر عن المركز العربي للمجتمع الآمن، المعطيات الدقيقة بالأرقام لضحايا القتل في الوسط العربيّ منذ بداية عام 2102، وحتى 2 أيار/ مايو 2018. 

معطيات عن ضحايا القتل بين فلسطينيي الداخل، أصدرها المركز العربي للمجتمع الآمن

السنة مجمل الضحايا الضحايا الذكور الضحايا الإناث منطقة الشمال منطقة المركز منطقة الجنوب
2012 69 60 9 24 35 10
2013 56 41 15 26 22 8
2014 61 53 8 24 29 8
2015 58 44 14 25 24 9
2016 64 54 10 31 24 9
2017 72 62 10 18 42 12
2018 17 17 0 3 12 2

 

يُبيِّنُ الجدول أعلاه أنّ نسبة الضحايا من الإناث مقارنة بنسبتها من الذكور منخفضة جدًا، وهذا ما يساهم في نقض المقولة الثقافيّة بخصوص العنف كعنصر أساسي في الثقافة المحلّية الفلسطينيّة، كما أنّه يُوضِّحُ أن نسبة الضحايا من مناطق الجَنوب، أي النقب وبئر السبع، حيثُ تعدُّ هي المناطق الأكثر فقرًا بين المناطق التي يقطنها الفلسطينيون في "إسرائيل"، أيضاً أكثرُ انخفاضًا مقارنة بعدد الضحايا في مناطق الشمال والمركز، وهذا أيضًا، ما يدفع إلى التشكيك في المقولة الاقتصاديّة للعنف، حيث يُنسبُ شيوع العنف إلى الفقر والبطالة في المجتمع العربيّ. إلّا أنّ نقض هاتين المقولتين لا يُلغي أنّ للفقر والأسباب الثقافيّة دورٌ في جرائم القتل المرتكبة في الوسط العربيّ، إلّا أنّه يسهُمُ في التأكيد على أنّ هناك العديد من الأسباب التي لا يُمكن بحثها منفردة عندما يتعلق الأمرُ بجرائم القتل والعنف في الوسط العربيّ.

  إجمالي عدد الضحايا في الوسط العربي منذ بداية عام 2002، ولغاية  02/05/2018 هو 1263 ضحية.  

فمن جهة، فإنّ المنظومة الاستعماريّة الإسرائيليّة، تعملُ بشكلٍ دؤوبٍ على ترسيخ التقسيمات الطائفيّة والدينيّة في المجتمع العربيّ، ضمن أطر وممارسات الأجهزة القانونيّة والرسميّة، ومن بينها الشُّرطة.

وفي هذا السياق، يُحلِّلُ مجيد شحادة في كتابه "ليست مجرّد لعبة كرة قدم"، قضيّة العنف في ضوء الأحداث الدمويّة التي تلت مباراة لكرة القدم عام 1981 بين فريقين من منطقة الجليل، انتهت بإيقاع قتيلين وإصابة آخرين بالرصاص والسكاكين. كان الفريق الأوّل من قرية كفر ياسين والتي تعيشُ فيها أغلبية مسيحيّة، والفريق الثاني من قرية جولس وهي قرية درزيّة. إلّا أنّ الأحداث لم تنته بانتهاء المبارة، فقد تلت الأحداثُ هجومًا مسلحًا من قبل قرية جولس على قرية كفر ياسيف، إلّا أنّ ذلك لم يدفع الشُّرطة الإسرائيليّة إلى التدخل رغم مطالب أهالي قرية كفر ياسيف من الشرطة إحضار عناصر شُرَطيّة للبلدة لحمايتها.

تبيّنُ لنا هذه الحادثة والتي وقعت في القرن الماضي، المأزق الذي يعيشه المجتمع العربيّ في الداخل، في ظلّ انتشار السلاح. فمن جهة، هناك التعويل على حماية الشرطة والنظام والذي لا فائدة منه. ومن جهة أخرى، هناك التقسيمات الإثنيّة والطائفيّة التي تغذِّيها المنظومة الاستعماريّة والتي تتفجّر بين حينٍ وآخر، وتسهمُ بشكلٍ رئيس في تعميق الشروخ المجتمعية داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل.

   المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية، تعمل بشكل دؤوبٍ لترسيخ التقسيمات الطائفيّة والدينيّة في المجتمع العربيّ  

ومن جهة أخرى، هناك عنف الأفراد، وهو ما يُسمِّيه الباحث الفلسطيني من الداخل المحتلّ، مروان الدويري بالـ"العنف المُنزاح"، أيّ العنف الذي يقَعُ على أشخاصٍ لا علاقة لهم بأسباب العنف بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. ويوضّح الدويري، أنّ الجديد بما يتعلّق بالعنف، ليس كمّيًا فحسب، بل نوعيّ. إذ يمكنُ القول أنّ ما هو حاصل في المجتمع الفلسطينيّ اليوم، هو حالة انفلات، ينخفضُ فيها عنف السلطة الاجتماعيّة والتربويّة، في مقابل ارتفاع في عنف الفئات المحبطة، والضائعة، ولا سيما عنف الشباب.

وأيضًا، فإنّ المميّز الثاني للعنف، هو أنّه "عنفٌ مُنزاح"، أي "طائش"، يُخطئ الهدف ولا علاقة لهُ بمصدر الإحباط الحقيقيّ، ويقَعُ ضحيّته "كبش فداء". إذ يمكنُ ملاحظة أنّ العنف الممارس من قبل المعلّمين في المدارس – وهو بحسب إحصاءات في ازدياد – تعود أسبابه بحسب بعض الدراسات إلى أسباب مهنيّة وشخصيّة لدى المعلّم ولا علاقة للطلاب به. وفي داخل العائلة، فإنّ العنف الممارس من قبل الأب على الزوجة والأولاد، يتعلّق بأسباب خارجيّة وليست داخل العائلة، كذلك الأمرُ في حالة الزوجة التي تمارس العنف على الأولاد، وهذا كلُّه ما يُسمِّيه الدويري، بحالة الانفلات و"العنف المنزاح" من جهة أخرى. كذلك فإنّ التخبُّط في المرجعيّات لدى الأفراد، وهي الحالة الناشئة عن تآكل في المرجعيّات التقليديّة وتصدُّعها، يُسهِمُ في ظلّ حالة انتشار السلاح وانعدام المراقبة الحكوميّة على الأفراد بل وحتى انعدام الوجود الشرطي في القُرى العربيّة واستجابة الشُّرطة للضحايا المهدَّدين.

ضحايا العنف والشرطة والقانون

تبيُّن التقارير والإحصائيات الصادرة عن مركز الكرمل لعام 2010، أنّه وعلى الرغم من حاجة مجموعات مختلفة من الضحايا العرب للدعم والحماية من قبل الدولة، فإنّ هناك نقصٌ حادٌ في الخدمات الواجب توفيرها من قبل الدولة، كالملاجئ أو الأماكن الشاغرة لدى التوجُّه، مما يدخل الضحايا كالنساء في دائرة الخطر المباشرة. كما أنّ التقارير تشير إلى أنّه ومقابل الارتفاع الحاصل في الوعي وفي التوجّه إلى مؤسسات الحماية والدعم المختلفة، كالملاجئ، وخطوط الطوارئ العربيّة من قبل النساء والفتيات العربيّات، إلّا أنّ التوجّه إلى الشرطة للتبليغ نسبته منخفضة وخصوصًا في حالات العنف العائليّ والاعتداءات التي تحدث داخل المنزل.

   معدّلات التوجُّه للشرطة تنخفض انخفاضًا حادًّا بعد الأحداث السياسيّة والتي عادة ما يرافقها مقتل فلسطينيين على يد الشرطة الإسرائيليّة  

وتبيّن التقارير أنّ معدّلات التوجُّه للشرطة تنخفض انخفاضًا حادًّا بعد الأحداث السياسيّة والتي عادة ما يرافقها مقتل فلسطينيين على يد الشرطة الإسرائيليّة، وهذا ما يُدلِّل على انعدام الثقة بجهاز الشرطة الإسرائيليّة من قبل المواطنين العرب وبكيفيّة التعامل مع القضايا العربية الداخلية كالعنف وجرائم القتل، إضافةً إلى أنّ العنف الممارس من قبل الشرطة الإسرائيليّة والذي راح ضحيّته كما هو مبيّن في الجدول السابق منذ مطلع عام 2000 وحتى مطلع شهر مايو/ أيار من عام 2018، 56 ضحيّة من الفلسطينيين.

هذا العنف يُشكِّل حاجزًا مانعًا أمام توجّه الفلسطينيين في إسرائيل إلى الشرطة. هذا الحاجزُ الذي يجعل من الفلسطيني يقعُ في مأزقٍ آخر، وهو أنْ تطلب الضحيّة من الجلاد حمايتها، على الرغم من إدراكها للوضع الاستعماري القائم.

يجدُ الفلسطينيّ نفسه في الداخل المحتلّ في فخّ سياسات الشُّرطة الإسرائيليّة، التي تضعه بين خيارين: فإمّا أن يستغني عن دور الشرطة في حمايته، في ظلّ تعاونها وعلاقتها المباشرة مع عصابات القتل من ناحية وتركها المجرمين أحرارًا مجهولين.

وإمّا أن ينصاع لسياسات "الأسرلة" التي تنتهجها الحكومة الإسرائيليّة، من خلال خطط التجنيد للشباب العربي في سلك الشرطة الإسرائيليّة والتّماهي مع دور المراكز الشرطية في القرى العربيّة السياسي والتغاضي عنه، بل وحتى أن يكون جزءًا من محاربة النشاط السياسي العربي كمُجنّد في الشرطة الإسرائيليّة.

   مع مرور السنوات، يراكم المجتمع العربيّ عدد الجُناة غير المحكوم عليهم، وعدد الضحايا الذي يواصل الارتفاع   

في النهاية، يتمثّل الخطر الحقيقيّ الذي يعيشه المجتمع العربيّ في أنّ أقل من 10% من جرائم القتل التي وقعت في الوسط العربيّ منذ عام 2000 تمّ حلها، وهذا ما يعني وجود ما يزيد عن الـ900 قضية قتل لم يتم حلّها وما يزالُ الجُناة طلقاء.

هذه الأرقام تؤشِّر على أنّه مع مرور السنوات، يراكم المجتمع العربيّ عدد الجُناة غير المحكوم عليهم، وعدد الضحايا الذي يواصل الارتفاع، حتّى كانت آخرُ الجرائم تلك التي وقعت بحقّ سمر الخطيب من يافا والتي وقعت ضحيّة جريمة إطلاق نارٍ نهاية أيار الماضي، وهي المدينة التي شهدت 5 جرائم قتل خلال إبريل/نيسان ومايو/أيّار من العام الحاليّ. 


اقرأ/ي أيضًا:

قتل مباح.. قتل محظور!

يوم دراسي في رام الله حول سؤال الهوية والثقافة الفلسطينية في الداخل

"فلسطينيو الداخل" ... خط الدفاع الأول

فيديو | الداخل الفلسطيني: تجهيل الطلاب وأسرلة