"خالي هو محمد عبد الغني الحاج قاسم رئيس المحكمة الدستورية". هذا ما أقره مدير مكتب رئيس المحكمة الدستورية يحيى فحماوي خلال إفادته في المحكمة بتاريخ 29 أيلول/سبتمبر 2020،.وأقر أيضًا أنه تلقى مكافآت مالية منذ عام 2017 وحتى 1 أيلول/سبتمبر 2019 بعد قيام المراقب المالي بوقفها، الأمر الذي قد يشكل تضاربًا للمصالح.
وكان ديوان الرقابة المالية والإدارية أصدر توصية بالحد من تضارب المصالح، من خلال نقل الموظفين الذين تربطهم صلة قرابة في المحكمة الدستورية، سواءً كانت تتعلق برئيس المحكمة أو القضاة أو الموظفين الإداريين. كما أشار تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية لعام 2020 أن ما يُقارب 53% من موازنة المحكمة الدستورية مخصصة لرواتب ومكافآت الموظفين نتيجة عدم وجود أسس واضحة. هذه القضية دفعت معدة المادة للبحث والتقصي حول حالات تضارب المصالح والقانون الذي يُنظم ذلك.
يُعرف قانون مكافحة الفساد رقم واحد لسنة 2005 وتعديلاته تضارب المصالح أنه الوضع أو الموقف الذي تتأثر فيه موضوعية واستقلالية قرار الموظف بمصلحة مادية أو معنوية تهمه. كما أن قانون مكافحة الفساد رقم واحد لسنة 2005 وتعديلاته في مادته الأولى اعتبر أن من ضمن جرائم الفساد عدم الإعلان أو الإفصاح عن استثمارات أو ممتلكات أو منافع تؤدي إلى تضارب المصالح إذا كانت القوانين والأنظمة تستوجب ذلك، ويكون من شأنها تحقيق منفعة شخصية مباشرة أو غير مباشرة للممتنع عن إعلانها.
أشار تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية لعام 2020 أن ما يُقارب 53% من موازنة المحكمة الدستورية مخصصة لرواتب ومكافآت الموظفين نتيجة عدم وجود أسس واضحة
وحدد نظام قرار مجلس الوزراء رقم (1) لسنة 2020 بنظام الإفصاح عن تضارب المصالح المادة (4) الامتناع عن مزاولة أي أعمال أو القيام بأي نشاط من شأنه قيام التضارب المباشر أو غير المباشر بين المصالح الشخصية من جهة وبين المسؤوليات الوظيفية أو ما يتصل بأعمال الوظيفة من جهة أخرى.
كما أن مدونة سلوك الوظيفة العامة في المادة 11 الفقرة 6 و7 نصتا أنه يستوجب على الموظف:
- 6. الإفصاح بشكل كامل ودقيق عن كل المعلومات الرسمية التي تستوجب الإفصاح عنها بحكم وظيفته.
- 7 .الإفصاح مباشرة عن أية علاقات عمل يشارك بها أو يعمل من خلالها والتي يمكن أن ينشأ عنها تعارض فعلي أو ضمني للمصالح.
وأوضحت مديرة الشؤون القانونية في هيئة مكافحة الفساد رشا عمارنة أنه يجب التفريق بين مصطلحين هما: تضارب المصالح وعدم الإفصاح عن تضارب المصالح، فالمصطلح الأول (تضارب المصالح) هو وضعٌ أو موقفٌ تتأثر فيه موضوعية واستقلالية قرار الموظف بمصلحة شخصية أو مادية أو معنوية تهمه أو تهم أحد أقاربه، أو عندما يتأثر أداؤه للوظيفة العامة لاعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة وبالتالي فإن هذا الوضع بحد ذاته لا يمكن اعتباره جريمة فساد لأن احتمالية حدوثه واردة، فهناك إمكانية بأن يكون لدى أي شخص مصلحة خاصة قد تؤثر على قراره وتجعل لديه نزاعًا ما بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة وهو وضع عادي وموجود.
وتابعت: "لكن تكون جريمة الفساد عندما يحدث تضارب مصالح، ولم يفصح الموظف عن هذا التضارب ما بين المصلحة العامة والشخصية، على نحو تؤثر فيه مصلحته الشخصية على قراره، بحيث يفضل مصلحته الشخصية على المصلحة العامة ". وبمعزل عن أي قضية أو أي حالة معينة، فقد أكدت رشا عمارنة أن وجود أقارب في أي وظيفة للمسؤول الأول ينتج نظرة لدى المواطن بأن هناك خللاً ما في توظيفه وعمله في هذا المكان، لذلك فالأفضل أن لا تكون موجودة.
من جانبه، يرى المستشار القانوني لائتلاف أمان للنزاهة والشفافية، المحامي بلال البرغوثي، أن نظام الإفصاح على الرغم من أهميته إلا أن الاكتفاء بالإفصاح عن تضارب المصالح غير كافٍ، وإنما يجب أن يتبع ذلك إجراءات فعلية والتنحي عن العمل. فالأصل، بحسب البرغوثي، أن يشمل القانون أي حالة يُحتمل فيها تضارب المصالح لأنه عندما يكون هناك تضارب مصالح لم يتم الإفصاح عنه، ويتم استغلاله، فستقع هنا جريمتان، الأولي هي جريمة عدم الإفصاح، والثانية هي الواسطة أو استغلال المنصب العام وغيرها، منوهًا أن أخطر أنواع التضارب هو تضارب المصالح السياسية.
المحامي بلال البرغوثي، يرى أن نظام الإفصاح على الرغم من أهميته إلا أن الاكتفاء بالإفصاح عن تضارب المصالح غير كافٍ، وإنما يجب أن يتبع ذلك إجراءات فعلية والتنحي عن العمل
وأشار بلال البرغوثي إلى توظيف أبناء مسؤولين في ذات المؤسسات التي يرأسونها، كما حدث مع سفير فلسطين في مصر دياب اللوح، الذي تم تعيين ابنه نمر اللوح في الدائرة الثقافية التابعة للقنصلية في الاسكندرية، لتنتقل جريمة الفساد من تضارب المصالح إلى الواسطة واستغلال المنصب العام .
وعلى الرغم من أن جريمة تضارب المصالح جريمة مستحدثة حددها القانون عام 2019، إلا نسبة ما تم تحويله لنيابة مكافحة الفساد من مجموع الشكاوى الواصلة إلى هيئة مكافحة الفساد تعتبر عالية، ففي العام 2020 وصل عدد الشكاوى المتعلقة بتضارب المصالح لدى هيئة مكافحة الفساد إلى 20 شكوى بنسبة 1.7 % من مجموع الشكاوى، وتم تحويل خمس شكاوى منها للنيابة. وفي العام 2021 بلغ عدد الشكاوى 24 شكوى بنسبة 2.7% من مجمل الشكاوى الواصلة إلى الهيئة، وتم تحويل 9 منها إلى النيابة. وحتى العام 2022 حتى تاريخ إعداد المقابلة، فقد تلقت الهيئة 15 شكوى تم تحويل خمسة منها إلى النيابة.
تشير تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية في سنوات (2019-2021) إلى عدة حالات تضارب مصالح في المؤسسة الرسمية الحكومية، تركزت في مجملها حول غياب آلية للإفصاح عن تضارب المصالح والاستقلالية والحيادية الإدارية لكل موظفي مؤسسة الضمان الاجتماعي، بما في ذلك المدير العام ومدراء الدوائر ورئيس وأعضاء مجلس الإدارة.
كما أشارت التقارير إلى احتمالية وجود تضارب مصالح حول علاقة إحدى المؤسسات التي تمول اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، وأحد موظفي اللجنة، مما قد يؤدي لاحتمالية نشوء تضارب مصالح، وذلك في تقرير عام 2020.
ولعل أبرز قضية تضارب مصالح أشار إليها ديوان الرقابة المالية والإدارية في تقريره لعام 2020 تتعلق بتضارب المصالح للأطباء الذين يقدمون الخدمات الطبية، إذ أوضح التقرير أنه "لا تتضمن التقارير الطبية الصادرة من المستشفيات والمراكز التي تقوم بتقديم خدمة العلاج خارج وزارة الصحة أسماء الأطباء الذين قاموا بتقديم الخدمة للمرضى، ليتم التحقق من خلالها من عدم وجود تضارب مصالح بين الأطباء في مستشفيات ومراكز الوزارة والأطباء في المستشفيات ومزودي الخدمة، أو التحقق من أن الطبيب الذي يقوم بالتحويل ليس من يقدم الخدمة في المستشفيات والمراكز خارج الحكومة".
أوضح جفال أن قطاع الحكم (القضاء) الأكثر حساسية في مجال تضارب المصالح من حيث العلاقة ما بين المحامين والقضاة، والأصل نشر كافة سجلات التضارب على المواقع الإلكترونية الخاصة لكل جهة
وفي هذا السياق، قال مدير عام ديوان الرقابة المالية والادارية جفال جفال، إن هذا النوع من تضارب المصالح مرتبطٌ بسياسات عامة من الصعب حلها بسهولة، "فقد طالبنا مرارًا وتكرارًا وقف الازدواج الوظيفي لموظفي وزارة الصحة دون جدوى"، مبينًا أن الحالات التفصيلية الفردية من تضارب المصالح عادة ما يتم حلها بسهولة، لكن الحالات المتعلقة بالسياسات العامة هناك عائقٌ أمام حلها.
وأوضح جفال أن قطاع الحكم (القضاء) الأكثر حساسية في مجال تضارب المصالح من حيث العلاقة ما بين المحامين والقضاة، والأصل نشر كافة سجلات التضارب على المواقع الإلكترونية الخاصة لكل جهة وعدم الاكتفاء بإجراءات التصريح فحسب. وشدد جفال أن ديوان الرقابة المالية والإدارية ركز على قضية تضارب المصالح المتعلقة أيضًا بمفتشي العمل والصحة والهيئات المحلية التي يجب ضبطها من ناحية عمل هؤلاء المفتشين في نطاق صلة القرابة والعمل في نفس مناطقهم.
وأضاف أن الشفافية هي مفتاح مكافحة تضارب المصالح، فكلما زادت الشفافية زادت مكافحة تضارب المصالح والعكس صحيح. ونوه أن أثر حالة تضارب المصالح ليس شرطًا أن يكون فسادًا، وإنما قد يؤثر على قاعدة المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص في العطاءات وغيرها.
أثر حالة تضارب المصالح ليس شرطًا أن يكون فسادًا، وإنما قد يؤثر على قاعدة المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص في العطاءات وغيرها
غالبية حالات تضارب المصالح التي وردت في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية اقتصرت على الحالات الفردية للموظفين العموميين، ولم تشتمل على تضارب المصالح الذي وصل ليشمل التعديل على القوانين على مقاس واضعيها، تمامًا كما حدث مع رئيس مجلس القضاء الانتقالي عيسى أبو شرار الذي تم تعيينه بعد تعديلاتٍ على قرار بقانون رقم (40) لسنة 2020، بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، الذي استثنى رئيس المحكمة العليا من سن التقاعد.
مسألة تعيين عيسى أبو شرار أشارت إليها مؤسسة الحق خلال ورقة موقف أعدها المحامي أشرف أبو حية وجاء فيها "لقد انضوى المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 12 كانون الثاني 2021 بشأن تشكيل مجلس القضاء الأعلى بتعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي رئيسًا للمحكمة العليا بعد يوم واحد من نشر القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020 المعدل لقانون السلطة القضائية على انتهاك صارخ لمبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون والفصل بين السلطات، وعبر عن تضارب مصالح خطير، من خلال استثناء رئيس المحكمة العليا من سن التقاعد الوراد في قانون السلطة القضائية لسنة 2002، مما أتاح لرئيس المجلس الانتقالي معاودة تنسيبه مرة أخرى لرئاسة المحكمة العليا والمجلس الدائم، بتنسيب مشروع قرار بقانون معدل لقانون السلطة القضائية من ذات الجهة التي تطبق القانون".
واعتبر أشرف أبو حية هذا التنسيب "سابقة خطيرة تهدم أسس النهج الديمقراطي السليم القائم على مبدأ الفصل بين السلطات، وقيام الجهة التي يخصها القانون بوضع قانون يلبي مصالحها على حساب مبدأ سيادة القانون وهدر مبدأ النزاهة والشفافية كأساس للحكم الصالح".
فيما علق خبير الشؤون القانونية والحقوقية الدكتور عصام عابدين على هذه الحالة من تضارب المصالح قائلاً إنها "نوع من تضارب المصالح المُمأسس في فلسطين"، مضيفًا: "بالرغم من أن تعريف تضارب المصالح في قانون مكافحة الفساد كان واضحًا ونظام الإفصاح عن تضارب المصالح جاء لوضع الإجراءات والتدابير اللازمة لمكافحة تضارب المصالح، إلا أن غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد بما في ذلك جريمة تضارب المصالح يجعل هذه القوانين رغم أهميتها بلا قيمة". وأشار عصام عابدين إلى أن رئيس المجلس القضائي الانتقالي عيسى أبو شرار كان متقاعدًا منذ العام 2009، لكن بتعديله لقانون السلطة القضائية أعطى لنفسه الشرعية ليعود إلى رأس المجلس القضائي عن عمر يناهز الـ ٨٦ عامًا.
في هذا السياق، يوضح القاضي السابق، الدكتور أحمد الأشقر، أن مجلس القضاء الأعلى الانتقالي جاء بشكل مؤقت لإقرار جملة من التشريعات التي تستهدف إصلاح القضاء، وكان ينبغي أن لا يقوم هذا المجلس باقتراح تشريعات تحقق مصالح بعض أفراده، معتبرًا أن هذه القصة تشكل نموذجًا حيًا لتضارب المصالح، الأمر الذي يستدعي على الجهات الرقابية اتخاذ الإجراءات اللازمة.
يشكل عدد الشكاوى الخاصة بتضارب المصالح و ما يتم تحويله إلى النيابة العامة بعد ثبوت عدم الإفصاح عن تضارب المصالح نسبة عالية، وهي من الجرائم المهمة التي يجب متابعتها من ناحية وقائية قبل حدوثها، ومن ناحية المساءلة الجزائية في حال ثبوتها، وهو ما تقوم به هيئة مكافحة الفساد بحسب رشا عمارنة، المديرة القانونية في الهيئة. لكن فكرة انتظار الشكوى حول أي جريمة تضارب مصالح بيّنة وواضحة وممنهجة يثير العديد من تحفظات المراقبين والخبراء، فقد دعا المحامي بلال البرغوثي لإيجاد آلية يتم فيها مساءلة مرتكبي هذه الجريمة دون ورود شكوى، خاصة إذا كانت واضحة.
فكرة انتظار الشكوى حول أي جريمة تضارب مصالح بيّنة وواضحة وممنهجة يثير العديد من تحفظات المراقبين والخبراء
وبالعودة إلى تعريف تضارب المصالح الذي وضحه قانون مكافحة الفساد لعام 2005 وتعديلاته فإن تضارب المصالح هو: "الموقف الذي تتأثر فيه موضوعية واستقلالية قرار الموظف بمصلحة شخصية مادية أو معنوية تهمه شخصيًا أو أحد أقاربه أو أصدقائه المقربين أو عندما يتأثر أداؤه للوظيفة العامة باعتبارات شخصية مباشرة وغير مباشرة".
وانطلاقًا من هذا التعريف، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن زهير العيسلي ابن وزير الاقتصاد خالد العيسلي من كبار مستثمري شركة أبيك، وهو عضو مجلس إدارتها وفقًا لما هو وارد في التقرير السنوي لعام 2021 للشركة، ووفقًا لما أوضحته أوراق بنما أيضًا. وينضوي تحت شركة أبيك، الشركات: سنيورة، يونيبال، شركة التوريدات والخدمات الطبية، نابكو، الشركة الفلسطينية للسيارات، سكاي، الشركة العربية للتمويل التأجير. وتمتلك شركة أبيك رأس مال بقيمة 125 مليون دولار. وبعيدًا عن اتهام أي جهة أو التشكيك بنزاهتها، فإن تساؤلاً مشروعًا يطرح نفسه: كيف يمكن للحكومة أن تتفادى أو تضبط أي تضارب للمصالح بين مصلحة زهير العيسلي الممتدة في كبرى شركات هذه البلاد وبين المصلحة العامة التي يترأسها والده خالد العسيلي. وبطبيعة الحال هذا التساؤل كان من المفترض أن يجيب عليه مجلس الوزراء الذي ما يزال طلب "الترا فلسطين" لمقابلته عالقًا ولم يتم الرد عليه حتى نشر هذه المادة.
في المقابل فإن مدير ديوان الرقابة المالية والادراية جفال جفال أجاب عن جزء من هذا التساؤل مؤكدًا وجوب أن يؤخذ بعين الاعتبار طبيعة حساسية المركز بوظيفة الوزير السابقة، مثلاً وزير الأشغال يجب ألا يكون مقاولاً، أو أن يكون لرئيس سلطة النقد علاقات مع البنوك بشكل أو بآخر، وإن كان لابد من أن يكونوا في هذه الوظائف السابقة فيجب اتخاذ تدابير احتياطية وقائية لمنع أي حالة تضارب مصالح، بما يشمل الامتناع عن المشاركة في القرارت المتعلقة بالوظيفة السابقة للمسؤول.
يذكر أن "الترا فلسطين" تواصل مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء من أجل إجراء مقابلة حول متابعته لمدى تطبيق نظام الإفصاح عن تضارب المصالح وتطبيقاته والاستفسار عن نماذج الإفصاح للوزراء، ولم يتم الرد حتى نشر هذا التحقيق. وسينشر "الترا فلسطين" رد مجلس الوزراء في حال وصوله.