03-مارس-2023
مستوطنون

الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير

أظهر تحقيق نشرته صحيفة "themarker" الاقتصادية العبرية، أن حكومات الاحتلال المتعاقبة في السنوات الماضية دفعت بالإسرائيليين للانتقال من داخل الخط الأخضر إلى السكن في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية من خلال إغراءات اقتصادية وتخفيضات مالية ضخمة، وهكذا أصبح العامل الاقتصادي هو الدافع الرئيس للسكن في المستوطنات وليس الدافع الأيديولوجي كما كان في السابق.

حوالي 900 مستوطن شاب أتيحت لهم الفرصة مؤخرًا لشراء شقق بسعر مخفض في مستوطنة "ارائيل"، وهؤلاء تفوقوا على 37.600 مستوطن سجلوا في "يانصيب" للحصول على منازل في "ارائيل"، أكثر من ثلثيهم من جميع أنحاء فلسطين وليس من سكان مستوطنة "ارائيل" ذاتها

وأفاد التحقيق، أن حكومات الاحتلال المتعاقبة قدمت امتيازات ضريبية تشجع الإسرائيليين على الانتقال من داخل الخط الأخضر إلى الضفة الغربية، في انتهاك صريح للقانون الدولي، فأُغرقت الضفة الغربية بـ"مهاجرين يبحثون عن رغد العيش"، وعلى رأسهم اليهود المتدينين "الحريديم"، متجاهلة الاعتبارات الأيديولجية التي كانت سائدة على مدار عقود للاستيطان في الضفة.

وكشفت "themarker" أن حوالي 900 مستوطن شاب أتيحت لهم الفرصة مؤخرًا لشراء شقق بسعر مخفض في مستوطنة "ارائيل"، وهي خامس أكبر مستوطنة في الضفة الغربية ويعتبرها الاحتلال "عاصمة" المستوطنات في شمال الضفة، ومعظم المستوطنين فيها من العلمانيين، مبينة أن هؤلاء الـ900 مستوطن تفوقوا على 37.600 مستوطن سجلوا في "يانصيب" للحصول على منازل في "ارائيل"، أكثر من ثلثيهم من جميع أنحاء فلسطين وليس من سكان مستوطنة "ارائيل" ذاتها.

وأكد التحقيق، استنادًا إلى شهادات وقصص استعرضها، أن اختيار شراء العقارات في المستوطنات بالنسبة للكثير من الإسرائيليين لا ينطلق من أسباب سياسية أو صهيونية، وإنما ينبع من وجود تسيهلات وتخفيضات هائلة على الأسعار المقدمة كجزء من برامج الإسكان الحكومية، بل إن بعض من تحدثت الصحيفة إليهم لم يسمعوا أصلاً بأسماء المستوطنات التي سجلوا في "اليانصيب" للحصول على شقق فيها.

واعتبرت "themarker"، أن "إسرائيل" وإن لم تنفذ ضم الضفة الغربية رسميًا وعلنًا، إلا أن الضم الاقتصادي قائم بالفعل، وبالنسبة لكثير من الإسرائيليين فإن الضفة الغربية جزءٌ لا يتجزأ من خارطة العقارات المطروحة في إطار بحثهم عن حل لأزمة السكن، أما ما يسميه اليسار بـ"المشكلة الفلسطينية" هو اعتبار ثانوي بالنسبة لهم.

وتوصل بحثٌ أجراه الخبير في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني شاؤول أرييلي أن  70% من المستوطنين في الضفة الغربية هم باحثون عن رغد العيش، بينما 30% من المستوطنين أتوا هنا بدوافع أيديولوجية.

توصل بحثٌ أجراه الخبير في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني شاؤول أرييلي أن  70% من المستوطنين في الضفة الغربية هم باحثون عن رغد العيش، بينما 30% من المستوطنين أتوا هنا بدوافع أيديولوجية

وبحسب شاؤول أرييلي، وهو أحد معدي "مبادرة جنيف"، فإن غالبية المستوطنين الذين يأتون إلى المستوطنات في السنوات الأخيرة لأسباب اقتصادية من المتدينين المتطرفين (الحريديم)، وقد وصلت نسبة هذه الفئة إلى 40% من إجمالي عدد المستوطنين في الضفة حاليًا. ويختار معظم هؤلاء الحريديم العيش في مستوطنات "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت"، والبقية يعيشون في مستوطنات "إيمانويل" و"معاليه عاموس"، و"أسبير" و"تل تسيون". وتوقع أرييلي أن ترتفع نسبة "الحريديم" خلال 10 سنوات من الآن إلى 50% من إجمالي المستوطنين في الضفة.

وفي بداية المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية كان معظم المستوطنين من تيار الصهيونية الدينية، وهو مصطلح يطلق على التيارات الدينية الإسرائيلية التي تُزاوج بين التطرّف القومي والديني، وتعتمد على التوراة بصفتها تعطي الحقّ لليهود في احتلال كافة الأراضي الفلسطينية. ويؤمن أتباع تيار الصهيونية الدينية "بوجوب الفعل البشري النشط من أجل تحقيق سيادة يهودية على كامل "أرض إسرائيل التوارتية" ويُقصد بها فلسطين كاملة، خلافًا للتيارات الدينية اليهودية المتشددة التي تسمى "الحريديم"، وترى أن قيام دولة "إسرائيل" يتحقق فقط من خلال إرادة إلهيّة بنزول المسيح.

يقول المُثمن العقاري روفين كوهين، إن السكان الذين يأتون إلى المستوطنات هم الذين لا يستطيعون شراء شقة في منطقة تل أبيب الكبرى يترواح ثمنها من ثلاثة إلى أربعة ملايين شيكل، لكنهم يريدون البقاء على مقربة منها أو من مدن أخرى كبيرة داخل الخط الأخضر، وقد اكتشفوا أن المستوطنات في الضفة أصبحت مثل الضواحي لهذه المدن، فهي قريبة منها.

وبحسب تحقيق "themarker"، فإلى جانب أزمة الإسكان التي دفعت العديد من الإسرائيليين بعيدًا عن منطقة تل أبيب الكبرى، ساهمت برامج الإسكان الحكومية أيضًا في هذا الاتجاه. ففي عام 2015، عندما كان موشيه كحلون وزيرًا للمالية، تم تسويق المناقصات الأولى للشقق المخفضة داخل الضفة الغربية. ثم بين عامي 2017 - 2019، وكجزء من هذه المناقصات، تم بيع 1494 وحدة استيطانية في "معاليه أدوميم"، و"بيتار عيليت"، و"ألفيه منشيه"، و"عوفاريم". وفي السنوات التالية تواصل بيع الشقق المدعومة وبأسعار مخفضة في الضفة الغربية  ضمن مشروع موشيه كحلون.

ويبلغ إجمالي الوحدات الاستيطانية التي تم بيعها منذ عام 2017 بسعر مخفض ومدعوم من الحكومة 5240 وحدة استيطانية. ويصل معدل التخفضيات للفائزين في "اليانصيب" من نصف مليون إلى مليون شيكل لكل شقة، بل زاد عن ذلك في العديد من الشقق.

البناء الاستيطاني الجديد الذي شجعته حكومات الاحتلال في السنوات الأخيرة  في الضفة الغربية يهدف بشكل أساسي إلى دعم "الحريديم"، لوجود قناعة بأن القطاع الرئيسي الذي يمكن أن يزيد من سيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية هم "الحريديم"

وأظهر تحليل البيانات المستقاة من وزارة الإسكان وسلطة الأراضي الإسرائيلية أنه في العام والنصف الأخيرة، حيث كانت وزارة الإسكان تحت إشراف زئيف إلكين، طرأت زيادة كبيرة في عدد الوحدات الاستيطانية التي تم بيعها في الضفة الغربية بسعر مخفض.

ويعتبر الخبير شاؤول أرييلي أن البناء الاستيطاني الجديد الذي شجعته حكومات الاحتلال في السنوات الأخيرة  في الضفة الغربية يهدف بشكل أساسي إلى دعم "الحريديم"، لوجود قناعة بأن القطاع الرئيسي الذي يمكن أن يزيد من سيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية هم "الحريديم"، ولذلك الحكومة تفعل كل ما في وسعها لإرسالهم للضفة.

وأشارت أن "الحريديم" وإن كان يحصلون على مزايا اقتصادية بانتقالهم إلى الضفة الغربية، لكن إلى جانب ذلك فإنها تحكم عليهم بالفقر المدقع، فهي تبعدهم عن مراكز التوظيف، وتقلل فرصهم في الاندماج في سوق العمل، وفي النهاية تكون النتيجة أن معظم "الحريديم" في الضفة الغربية يُصنفون ضمن المجموعة الاجتماعية والاقتصادية الأكثر ضعفًا.