سأستهل كتابتي عن الأسيرة التي جاءت لثلاثين يومًا وبفضل الله تحررت، عمن تركت أثرًا لا ينسى في قلوب كل من في الدامون؛ الحاجة "أم العبد"، صباح هنية، التي اعتقلت لمجرد أنها شقيقة اسماعيل هنية "الغالية أم العبد" من حوكمت لأنها راسلت شقيقها! لازلت أذكر ابتسامتها المميزة وسيرة حياتها الطيبة وتجربتها التي تعلمت منها الكثير. غزية أصيلة لم تفارقها صلابة أهل غزة رغم زواجها منذ سنوات عديدة في السبع.
كانت "أم العبد" تفضل الجلوس أمام غرفتنا وقت الفورة لنتبادل أطراف الحديث. تفترش الأرض وتحدثني عن عائلتها الأولى وعائلتها الثانية، وعن حياة غزة التي حرمت منها منذ سنوات. تحررت صباح هنية من قيدهم وأسرت قلوبنا بمحبتها. لطالما نادت عليها الأسيرة الرفيقة صمود مطير من غرفتها " صبوحة إحنا كلنا بنحبك".
الحبيبة دلال العاروري "أم محمد" التي اكتسبت من الشيخ صالح العاروري رحمه الله صلابته وشموخه، رقيقة كالنسمة، صوت تملؤه السكينة وحنان لا يوصف. تسير بهدوء لكن بخطوات صلبة على الأرض، يزعجهم عنفوانها الذي ما نجحوا في كسره. أخلاقها دمثة للغاية، لطالما نشرت الحب أمام كل باب وقفت عليه. لم يفارقها الأمل؛ فالأمل المقرون بإيمان قوي لا ينضب.
كان وصول أسماء هريش للدامون صادمًا لي، هذه الوديعة الرقيقة التي عانت من تجربة شقيقها أحمد هريش، جاءت لتعاني ما عاناه ولتذوق مما يذوقه أحمد ووالدهما. قوية عنيدة لم تتراجع يومًا عن دعمها لأحمد ولم تضعف رغم مرارة الحدث، وديعة لطيفة، تحرص على حفظ القرآن الكريم وقراءة الروايات والمشي السريع في الساحة. كان قلبي يعود لدوار المنارة كلما أقبلت "أسوم" نحو غرفتي بابتسامتها المميزة. الفرج لك يا حبيبة والحرية لشطر روحك البطل أحمد وجمعك الله بكرم الذي ما فارق لسانك الحديث عنه وعن مكانته في قلبك.
ياسمين أبو سرور، الأسيرة التي ذاقت مرارات الأسر عدة مرات لم تضعف، ولم يقتل بطش السجان شخصيتها القوية وروحها الصلبة. صوتها الرقيق وروحها المرحة تضفيان السعادة لرفيقاتها في الغرفة ولنا أيضًا. فيها ملامح تشبه ابنتي فكان الفرح يدخل قلبي كلما أقبلت.
ليندا جعارة، ابنة بيت لحم القوية ترى العالم بعينين جميلتين زرقتهما كزرقة بحر حيفا، مؤدبة وصلبة، كلماتها لطيفة، أصيلة جدًا وتحترم الجميع، تشبه العديد من صبابا دار البرغوثي، فكنت أقول لها "بس أشوفك بتذكر البراغثة". فلاحة أصيلة بلكنتها الحقيقية ونبرات صوتها القوي.
سلوى أبو وردة، "أم أحمد" ممن يدخلون القلب بلا استئذان. دخلت أم أحمد، سجن الدامون بسكينة ورضىً وقبول، لم أسمعها إلا شاكرة حامدة، اجتماعية ومحبوبة، صلبة رغم وداعتها. يسأل عنها الجميع ويحبون تبادل الحديث معها، ممرضة طبطبت القلوب وزادت الألفة بين أخواتها في الغرفة؛ سلوى أبو وردة شخصية لا تُنسى.
نيرمين الشيخ علي، "أم لجين"، ابنة دير الحطب وباقة الحطب الرقيقة اللطيفة، المؤدبة صاحبة الروح الطيبة، لم يكسرها ترك طفلتاها خلفها، ترى الخير فيما اختاره الله لها ولهن. كلما بادرنا للشد من أزرها نجدها شاكرة راضية بقدرها دون تذمر. صلبة كصلابة نساء فلسطين.
أسيل شحادة الأسيرة الجريحة التي تقطع قلبي عند رؤيتها للوهلة الأولى، ومن ثم اعتدت على منظرها تسير وجهاز يحيط بقدمها المصابة. أسيل الجميلة عفوية روحها روح طفلة ووجهها كالملاك، مؤدبة وحساسة. اجتازت مرحلة من الألم الشديد في بداية اعتقالها. تركت أسيل في الدامون وقد ارتاحت من الجهاز اللعين وعادت مشيتها لطبيعتها، أصابت رصاصاتهم قدم أسيل لكنها لم تصب قلبها وروحها القوية.
بنان شريدة، الصوت الشجي الذي أسر قلوبنا، الخلق الرفيع والشخصية التي تجاوزت عمرها الحقيقي بسنوات، الصيدلانية الواعدة التي كان دعاؤها اليومي على باب الغرفة قبيل آذان المغرب دواءً لقلوبنا جميعًا. عانقت بنان الحرية قبل يومين وتركت قلبها هناك حيث العشرات ممن أحببن روحها الرائعة.
وختامها مسك، مع شهد الغرفة، الأسيرة شهد عصافرة، خليليّة جدعة. ولشهد مكانة خاصة في القلب حازت عليها لصفاتها الرائعة من التزام وخلق وأدب رفيع وصلابة شخصية وعاطفة كبيرة.
شهد عصافرة، صغيرة سنًا كبيرة قدرًا وتجربةً، فرضت احترامها على الكل، قيادية من الطراز الأول، لم استشعر حالة ضعف عند شهد إلا عندما كانت تتحدث عن والدها جمعها وإياه وأحبابها جميعاً عاجلاً غير آجل.
فارقت جاراتي الرائعات في الغرفة 4 ولم أفارق أرواحهن، لهن كل الحب والدعاء بفرج عاجل.