06-مايو-2017

صورة تعبيرية – عدسة فايز نور الدين (getty)

لطالما فاز "الله الذي لا يحب النساء" في بلادنا  بكل شيء، كان يفوز بالانتخابات المحلية بقوائم تخلو من النساء، وكان هو الإجابة الصحيحة لامتحانات التربية الإسلامية في المدرسة. كانت خطب المساجد تذكره بكثرة، وجلسات الصلح تستعين به دائمًا لإنهاء الخلافات والتحكيم بين المتخاصمين، وكان هو الطريقة المثلى لإسكات النساء المتذمرات من عنف رجالهن، أما كتب التاريخ وعلوم الدين فلم تبخل علينا بتوصيف أسباب غضبه على النساء وسبل رحمته بهن، وحتى أنه حظي بإيمان الكثير من النساء دون أن تؤثر دلائل عدم حبه لهن على قرارهن، بل ودون أن يتساءلن: هل الله لا يحبنا حقًا؟

قد يكون سؤال البعض "لماذا الله لا يحب النساء" مثيرًا للغضب؛ حتى لو كان ذلك توصيفًا ساخرًا بغرض إعلان الرفض والدعوة لإثارة نقاشٍ جديٍ حول الكثير من الأفكار المتشحة بثياب الدين والتي التي تحكم نظرة المجتمع للمرأة

"الله الذي لا يحب النساء" ليس توصيفًا غير لائق بالله، وليس كفرًا أو تشكيكًا بحب الله للناس رجالاً كانوا أو نساءً، ولكنه محاولة لفهم دور المرأة وقيمتها من خلال التعمق بالكثير من الأفكار الدينية المغلوطة، التي لا تفسير لها سوى أن الله لا يحب النساء. وإلا لَما كانت النساء أكثر أهل النار كما يقولون، وما كان كل شيء يتعلق بهنّ محاطًا بالكثير من الممنوعات والمحرمات، وما كُنّ الأقل حظًا في العقل والإرادة والقدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات.

قد تبدو فكرة أن إلهًا لا يحب جنسًا من الناس مثيرةً للغضب عندما نكتبها؛ حتى لو كان ذلك توصيفًا ساخرًا بغرض إعلان الرفض والدعوة لإثارة نقاشٍ جديٍ حول الكثير من الأفكار الدينية التي تحكم نظرة المجتمع للنساء.

ولكن يبدو أن الفكرة عندما تُعاش على أرض الواقع لا تبدو سيئة أو مثيرة للغضب بالنسبة للكثيرين، فبعد أن تم انتخاب السعودية لقيادة هيئة شؤون المرأة في الأمم المتحدة، يبدو أن فكرة "الله الذي لا يحب النساء" (التي تعيشها السعوديات على أرض الواقع) لها شعبيةٌ واسعةٌ وتحظى بإيمان وثقة الكثيرين حتى في مقرات الامم المتحدة، وإلا ما كانت المنظمة الدولية سلمت السعودية ملف حرية وحقوق نساء العالم.

تُعرّف هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن نفسها عبر الموقع الرسمي الخاص بها، بأنها "هي الهيئة المعنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وأنها النصير العالمي الرئيسي لقضايا المرأة والفتاة". التعريف الذي أثار سخرية النشطاء والحقوقيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عقب انتخاب السعودية لرئاسة الهيئة. فالمحامي والناشط الحقوقي المصري جمال عيد قال عبر حسابه على توتير:

 

 بينما رأى آخرون أن انتخاب السعودية لرئاسة اللجنة ما هي إلا خطوة من الأمم المتحدة لإنقاذ النساء السعوديات.

وبالتأكيد تعامل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الخبر الصادم بالكثير من التهكم والسخرية:

قد يعتبر البعض أن انتخاب السعودية لرئاسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة ليست بالحدث الخطير كما يراه النشطاء والحقوقيون،  حيث أن الكثير من هذه الإجراءات هي مجرد إجراءات شكلية لا قيمة لها. بل إنهم لا يؤمنون أصلاً بأن قرارات الكثير من المنظمات الدولية ذات وزن حقيقي، فهذه المنظمات ليست فاعلاً قويًا يمكن الاعتماد عليه في إحداث تغييراتٍ إيجابيةٍ في العالم، بحكم عدم استقلاليتها وارتباطها الدائم بالدول الكبرى؛ التي تجر العالم نحو حروب جديدة، وفقًا لما تقتضيه مصالحها الذاتية، ودون الكثير من المراعاة للقرارات والقوانين الدولية.

الكثير من التعليقات الساخرة التي تلمح إلى أن المال السعودي يشتري كل شيء ويحقق المعجزات، تضعنا أمام تساؤل جدي عن مصير القضايا الإنسانية الكبرى التي تدفع ثمنها الشعوب الفقيرة التي لا ظهر لها.

ورغم كثرة التأويلات حول ما حدث مع السعودية، إلا أن الدرس واضح: لا يمكنك أن تثق بالمنظمات الدولية كثيرًا، ولا يمكن الاعتماد عليها دائمًا.

وبينما يبدو مرعبًا أن ترى النموذج السعودي يترأس منبرًا دوليًا أُعد بالأساس للدفاع عن حرية الإنسان وحماية حقوقه فإنه من المهم أن نعود لأصل الحكاية وهي الإنسان نفسه، المواطن الذي قد تعزز خياراته الفردية البسيطة من جبروت السلطات الحاكمة، أو قد تسحب منها قوتها وسيطرتها شيئًا فشيئًا، حيث سيسهل على الديكتاتور دائمًا ممارسة المزيد من التجبر على شعب موالي له. ومن أجل ذلك نحتاج إلى مراجعة الكثير من الأفكار الدينية والسياسية التي يتكئ عليها الطغاة ويستخدمونها ضد شعوبهم.

"الله الذي لا يحب النساء" فكرة يتكئ عليها الطغاة، هي فكرة لا تُقال بشكل واضح ولكنها تعاش من خلال التمييز بين النساء والرجال باسم الله

أما "الله الذي لا يحب النساء" فهي فكرة يتكئ عليها الطغاة، هي فكرة لا تُقال بشكل واضح ولكنها تعاش من خلال التمييز بين النساء والرجال باسم الله، لدرجة أن القارئ للقوانين التي تسنها المملكة حول النساء يشك بأن الله حقًا لا يحب النساء، وإلا لما كل هذا الحرمان مكتوبًا باسمه وبناءً على أوامره!  ولعله واضح من خلال الواقع الذي نعيشه، أن الدولة التي تفرق بين مواطنيها بحكم جنسهم لن تكون عادلة عندما يتعلق الأمر بالاختلافات الأخرى من لون وعرق ودين، ومن أجل ذلك فإن محاربة أي شكل من أشكال العنصرية، هي محاربة للعنصرية ككل، وأي دعوة لحرية إنسان واحد، فهي إيمانٌ بالحرية ضمن مفهوم أوسع. 

لا يمكن أن ينتهي هذا المقال دون ذكر ما كتبه الشاعر السعودي حمزة الكاشغري في وصفه حياة بعض النساء في العالم العربي، حيث قال إنّهن "لا يدخلن جهنم، لأن الانسان لا يدخل جهنم مرتين". 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قتل مباح.. قتل محظور

المرأة الغزية والوجه الآخر لتحدى أزمة الكهرباء

سيدات الكرة الفلسطينية في صور