09-مايو-2018

مظاهرة داعمة لفلسطين في تونس (نوفمبر 2014)

وسط موجة كبرى من التحولات الخطيرة التي ألمّت بالقضية الفلسطينية وغيّرت من تشكيل حضورها على المستوى الرسمي عربيًا خلال الأشهر الأخيرة، ما بين تصاعد مساع التطبيع العلني في مختلف المستويات العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية بين عواصم عربية بعينها، الرياض وأبو ظبي والمنامة وطبعًا القاهرة. ورفقة الاستعداء المفتوح لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقضايا العربية المصيرية وفي جوهرها المسألة الفلسطينية، تأتي نسخة 2017/2018 من نتائج المؤشر العربي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، سابرة لآراء وتوجهات الرأي العام العربي حيال عديد القضايا التي تشكّل واقعه وتتفاعل ضمنه.

وبشكل مركزي أولى المؤشر الاهتمام، كعادته، لمواقف الشارع العربي من القضية الفلسطينية، بل بالأحرى نظرة العرب تجاه إسرائيل والاعتراف بها والصلح/التطبيع معها.

   السواد الأعظم من العرب، أي نسبة 87% يرفضون العلاقة بإسرائيل بشكل واضح لا لبس فيه   

وبعد موجة الثورات العربية، الربيع العربي 2011، ومع تعمّق المشكلات الأمنية والاقتصادية التي تعود بشكل أساسي لدور الثورات المضادة وإعادة إنتاج الاستبداد، وتفاقم الإرهاب في غير قطر عربي، بدا وكأنّ الصورة التي يعمد الإعلام بمعظمه إلى تصديرها أقرب إلى تعميم وجهة نظر أنظمة الاستبداد حيال المسألة الفلسطينية، ملبسًا الجمهور العربي ثوب مواقف لا يتبناها تجاه إسرائيل، بل يرفضها ويتبنى نقيضها. هذا على الأقل من بين الاستنتاجات الأولية التي تثبتها النتائج البحثية العلمية التي قدّمها المؤشر العربي في حصيلته لتقصّي الرأي العام العربي لعامي 2017/2018.  

اقرأ/ي أيضًا: المركز العربي يعلن نتائج استطلاع المؤشر العربي 2017/ 2018

إذ أظهرت النتائج التي عبّر عنها المؤشر العربي بناءً على عيّناته الاستطلاعية أنّ 87% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل، وفسّر الذين يعارضون الاعتراف بإسرائيل موقفهم بعددٍ من العوامل والأسباب، معظمها مرتبطٌ بالطبيعة الاستعمارية والعنصرية والتوسعيّة لها. وتُظهر النتائج أنّ آراء المواطنين الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل لا تنطلق من مواقف ثقافية أو دينية بالأساس، بل هي في صميمها تعبير سياسي ينطلق من إسنادات إمّا قومية وإمّا حقوقية. خاصة أنّ من بين النتائج التي قدّمها المؤشر العربي إشارته إلى أن 77% من المستطلعين يرون أن العرب أمة واحدة، بمصير ومصالح مشتركة.

ويتضح من مخرجات المؤشر العربي الأخيرة بشأن فلسطين وعلاقة الشارع العربي بإسرائيل، أن نسبة معارضة إسرائيل شبه ثابتة خلال الأعوام الخمس الأخيرة من عمل المؤشر؛ إذ لم تنحرف آراء الشارع العربي ومواقفه تجاه إسرائيل كما فعلت عديد من أنظمته.

ويعزو 31% من العرب رفضهم للاعتراف بإسرائيل والعلاقة معها إلى كون إسرائيل تعبير استعماري واستيطاني وتمارس الاحتلال في فلسطين. بينما يرى قرابة 10% أن إسرائيل دولة توسعية تسعى للهيمنة واحتلال بلدان في العالم العربي وثرواته، بالتالي لا متّسع لقبول أي شكل من الاعتراف بها أو التطبيع معها.

في حين يعود 7% من العرب في موقفهم إلى كون إسرائيل دولة إرهابية في نظرهم، مستندين إلى سجّلها الشاسع من الجرائم بحق العرب وفلسطين والفلسطينيين. بينما ينظر 6% من العرب إلى انعدام إمكانية الاعتراف بإسرائيل ورفض أي علاقة معها استنادًا لكونها كيان عنصري كاره للعرب. في الوقت الذي يستند 8% من العرب في رفضهم الاعتراف بإسرائيل والعلاقة معها إلى طبيعتها ككيان شتت الفلسطينيين واستمرّ في اضطهادهم منذ 7 عقود.

   نسبة معارضة إسرائيل شبه ثابتة، إذ لم تنحرف آراء الشارع العربي ومواقفه تجاه إسرائيل كما فعلت عديد من أنظمته  

أمّا إلغاء الفلسطينيين وحقوقهم واعتبار التطبيع والاعتراف بإسرائيل تسليمًا بشرعية ما فعلته بالفلسطينيين فكان سبب الرفض للصلح والاعتراف بإسرائيل الذي انتهجه 5% من الجمهور العربي. الذي يرى 4% منه في الوقت عينه عداء إسرائيل للعرب سببًا وجاهيًا لعدم قبول أي شكل من الاعتراف بإسرائيل أو العلاقة معها. بينما تحميل إسرائيل وزر زعزعة أمن المنطقة وتهديد استقرارها فكان سببًا لرفض 4% من الجمهور العربي للتطبيع مع إسرائيل و/أو الاعتراف بها.

حضرت أسباب أخرى كثيرة، مبررة ومفهومة، لرفض العرب، غير الرسمي، التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بها، بين 7% انطلاقًا من أسباب دينية، و1% كونها لا تلتزم بالاتفاقيات ولا تحترمها، بينما قال 1% من المستطلعين أن لا وجود لإسرائيل أساسًا. 

في الوقت الذي لم يعبر 7% من الجمهور المستطلعة آراؤهم، رافضين الإجابة لسبب أو لأخر. فيما وافق 7% على الاعتراف بإسرائيل، متأثرين بمواقف الأنظمة وخطاب إعلامها الرسميّ.

اللافت في هذه النتائج البحثية الاستقصائية للرأي العام العربي بشأن الاعتراف بإسرائيل، أنّ مجمل العرب قادرين على توضيح أسبابهم ومبرراتهم في رفض إسرائيل والتطبيع معها. ما يذهب بالحديث نحو تأكيد الاعتراف بأن الشارع العربي ملتزم بالقضايا المصيرية التي تجمعه كأمة واحدة بمصير مشترك وعلى رأسها تناقضه الأساسي مع مشروع إسرائيل في فلسطين بمكوناته الثلاث الأساسية، الاستعمار الكلاسيكي، الاحتلال الاستيطاني، والفصل العنصري.


اقرأ/ي أيضًا:

المؤشر العربي.. العرب والقضية الفلسطينية

اتجاهات الرأي العام الفلسطيني في المؤشر العربي

تونس.. جدل تجريم التطبيع يتجدد