مقال رأي |
حدد الباب الثالث من القانون الأساسي المعدّل لسنة 2003 صلاحيات رئيس السلطة بشكل حصري، في حين نظّم الباب الخامس صلاحيات مجلس الوزراء ورئيسه دون تقييد.
وتتلخص صلاحيات رئيس السلطة في الشؤون السيادية غير المتصلة بإدارة أمور البلاد الاعتيادية، ويساعده في أدائها مجلس الوزراء وفقًا للقانون. وعلى الرغم من صراحة النصوص الدستورية بتقييد صلاحيات الرئيس الدستورية، إلا أن الأخير قام بممارسة صلاحيات تشريعية وتنظيمية خارج إطار الدستور لمنح ذاته صلاحيات أكبر في إدارة شؤون البلاد، والتدخل بعمل مؤسسات السلطة الفلسطينية الدستورية من منطلق الهيمنة وبسط النفوذ السياسي لشخصه ولحزبه الحاكم على خلاف مقتضيات مبدأ سيادة القانون. ومن هذه التدخلات إصدار المرسوم الرئاسي رقم (22) لسنة 2003 بشأن اختصاصات المحافظين، الذي منح المحافظ أعلى سلطة تنفيذية في محافظته، ونصّبه رئيسًا للإدارة العامة فيها، ليمثّل رئيس السلطة، وليشرف على تنفيذ السياسة العامة للسلطة.
وحدد المرسوم صلاحيات عدة للمحافظ تتقاطع مع صلاحيات الهيئات المحلية والشرطة، ومديريات الوزارات في المحافظات. وبهذا، يكون المرسوم قد أعطى المحافظ سلطة في الإدارة جنبًا إلى جنب مع هيئات الحكم المحلي، المنتخبة انتخابًا مباشرًا، ومجلس الوزراء.
تتقاطع صلاحيات المحافظ مع صلاحيات الهيئات المحلية ما يؤدي إلى حالة من فوضى الإدارة والتخطيط، وتعقّد الأداء
وفقًا للمادة (5) من المرسوم، يمارس المحافظ صلاحيات الحفاظ على الأمن العام، والأخلاق، والنظام والآداب العامة، والصحة العامة، وحماية الحريات العامة وحقوق المواطنين، وحماية الأملاك العامة والخاصة وتحقيق الأمن في المحافظة، والعمل على الرقيّ الاقتصادي، والعمراني، والاجتماعي في المحافظة، وتحقيق المساواة والعدالة وضمان سيادة القانون، وتنفيذ التعليمات والأوامر الصادرة من رئيس السلطة الوطنية. وهذه مفردات عامة وفضفاضة تعتدي على صلاحيات المجالس البلدية المنتخبة ديمقراطيًا، وعلى صلاحيات الدوائر والأجهزة الحكومية، ما يؤدي إلى حالة من فوضى الإدارة والتخطيط، وتعقّد الأداء الوظيفي للجهات المعنية، الأمر الذي سيفضي إلى صراع على الصلاحيات دون تحمّل للمسؤوليات.
من الناحية العملية، شكّل هذا المرسوم تقويضًا لمبدأ اللا مركزية الإدارية، وصادر إرادة ناخبي الهيئات المحلية من خلال منح المحافظ -المعيّن من الرئيس- صلاحيات موازية لتلك الممنوحة للبلديات المنتخبة ديمقراطيًا.
أثبتت الممارسات السابقة قيام رئيس السلطة بتعيين جميع المحافظين من أفراد حركة فتح التي يرأسه
وقد أثبتت الممارسات السابقة قيام رئيس السلطة بتعيين جميع المحافظين من أفراد حركة فتح التي يرأسها، وأيضًا شكّل تعيينهم في قطاع غزة بعد عام 2007 -العام الذي سيطرت فيه حركة حماس المعارضة على السلطة في جميع مناطق غزة بالقوة- سلطة موازية للرئيس لتلك التي يقوم بها رؤساء الهيئات المحلية الذين ينتمون إلى حركة حماس.
بهذا التشريع، تمكّن الرئيس من إيجاد مناطق نفوذ له في كل الأراضي الفلسطيني المحتلة دون تدخل من السلطة التشريعية أو حتى مجلس الوزراء، فهو الذي يعيّنهم ويعزلهم، دون رقابة أو محاسبة من أي سطلة دستورية، سوى رقابة القضاء الإداري على القرارات المصنّفة على أنها إدارية. ويشكّل هذا خروجًا على أحكام الدستور الذي لم يقر فكرة المحافظين، واكتفى بالهيئات المحلية التي أخضع تنظيمها إلى قانون خاص يصدر من البرلمان (المادة 85)، بالإضافة إلى إلغاء القانون الأساسي للتشريعات السابقة عليه والتي تتعارض مع أحكامه (المادة 119) ومنها الأنظمة والتشريعات المعنية بالتقسيمات الإدارية التي تخالفه.
لم تكتف السلطة التنفيذية بما سبق، وإنما تمسّكت بنفاذ نظام التشكيلات الإدارية رقم (1) لسنة 1966 الصادر إبان الحكم الأردني للضفة الغربية، على الرغم من كونه ملغى ضمنًا بموجب أحكام القانون الأساسي لسنة 2003 وقانون الهيئات المحلية لسنة 1997؛ لتعارض أحكامه مع التنظيم الإداري الذي جاء به هذان القانونان. وتهدف السلطة التنفيذية من التمسك بهذا النظام إلى التأكيد على دور المحافظ والأجهزة الأمنية المعينين من رئيس السلطة في المشاركة بإدارة الشؤون العامة للمحافظات كسلطة موازية للهيئات المحلية، ما يضمن إيجاد قاعدة جماهيرية للسلطة التنفيذية على الدوام.
وقد كرّس المرسوم الرئاسي رقم (15) لسنة 2005 بشأن اجتماعات المحافظين هذا الاستنتاج من خلال منح دائرة شؤون المحافظين بالرئاسة مهام توازي في كثير من مجالاتها مهام الحكومة.
بهذا، يكون رئيس السلطة قد كفل لنفسه نفوذًا واسعًا في البلاد بغض النظر عن نتيجة أي انتخابات
لقد نتج عمّا سبق حالة من عدم الوضوح والتداخل في الصلاحيات والمسؤوليات بين المرسوم الرئاسي الخاص باختصاصات المحافظين، ونظام التشكيلات الإدارية لسنة 1966 من جهة، وهذين التشريعين وأنظمة الحكم المحلي من جهة ثانية. كما تعتبر الصلاحيات الممنوحة للمحافظ بموجب المادة (5) من المرسوم واسعة ومطلقة، وتغتصب اختصاص جهات أخرى دستورية، كما سبقت الإشارة، ما يعزز دور السلطة التنفيذية في التدخل لتفسير وحسم المسألة لمصلحتها بما تملكه من أدوات وإمكانيات غير متوفرة لدى الجهات الأخرى. وهذا الوضع القائم يؤدي إلى تقزيم مبادئ النظام الديمقراطي ومفعول قوانين الانتخابات، والالتفاف على أحكامها، وتقويض سيادة القانون.
وبناء على ما سبق، يكون رئيس السلطة قد كفل لنفسه نفوذًا واسعًا في البلاد بغض النظر عن نتيجة أي انتخابات محلية أو برلمانية قادمة، وكأن المحافظين أصبحوا بيضة القبان في اختلالات النظام السياسي الفلسطيني، لتكون الكفة الراجحة عند أي خلاف مستقبلي بين الأحزاب المختلفة، إن وجدت، المشاركة في الحكم والإدارة، دون اعتداد بسيادة الشعب وحكم القانون.
اقرأ/ي أيضًا:
استقالات في بلدية نابلس احتجاجًا على تدخلات المحافظ