30-أبريل-2020

مقال رأي| 

جاء في القرار بقانون بشأن ديوان الرئاسة رقم (5) لسنة 2020، الصادر عن رئيس السلطة الفلسطينية بتاريخ 27/2/2020، والمنشور في عدد الوقائع الفلسطينية رقم 165، بتاريخ 19/3/2020، أن ديوان الرئاسة هو أحد مؤسسات الدولة، ويستطيع تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة دون قيد أو شرط، وفتح الحسابات المصرفية، بوصفه جهازًا مساندًا للرئيس، يقوم بتنظيم التواصل والتعاون مع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية المحلية والدولية كافة ومع القطاعين الخاص والأهلي، ويشرف على تنفيذ رؤية الرئيس وتوجيهاته، وسياساته في المجال الاجتماعي ورعاية الشعب. ويكون للديوان مركزٌ ماليٌ مستقلٌ ضمن الموازنة العامة للدولة. يعين رئيس الديوان بقرار من الرئيس، ويتقاضى راتبًا يعادل الراتب المخصص للوزير، ويتمتع بالامتيازات والحقوق التقاعدية الممنوحة للوزير. هذا بالإضافة إلى تعيين نائب لرئيس الديوان، وعدد كاف من الموظفين والمستشارين، ويتم تعيين مفوض بالإنفاق بقرار من رئيس السلطة. والرئيس أيضًا هو من يصادق على الأنظمة المالية والإدارية والتشريعية الخاصة بالديوان، وكذلك التشكيلات الوظيفية، ونظام مشتريات الديوان، والموازنة السنوية للديوان. كما يمكن للديوان فتح مقار فرعية ومكاتب في أي محافظة بقرار من الرئيس.

بمراجعة القواعد القانونية هذه في ضوء أحكام القانون الأساسي (الدستور المؤقت) وبقية القوانين السارية ذات الصلة، نجد أن هذا القرار بقانون قد اعتدى على صلاحيات لمجلس الوزراء، وصادر فكرة البرنامج الوزاري للحكومة التي تُشكل بناءً على برنامجها الانتخابي

بمراجعة القواعد القانونية هذه في ضوء أحكام القانون الأساسي (الدستور المؤقت) وبقية القوانين السارية ذات الصلة، نجد أن هذا القرار بقانون قد اعتدى على صلاحيات لمجلس الوزراء، وصادر فكرة البرنامج الوزاري للحكومة التي تُشكل بناء على برنامجها الانتخابي، ومنح سلطات جديدة للرئيس توازي السلطات الممنوحة للحكومة في كثير من المجالات، وأسقط رقابة البرلمان عليها من جميع الأوجه.

فبالرجوع إلى الباب الثالث من القانون الأساسي الذي حدد حصرًا صلاحيات رئيس السلطة، لا نجد فيها أي دور وظيفي لمؤسسة الرئاسة في تنفيذ الرؤى والبرامج والسياسات، وإنما هذه هي صلاحيات مقتصرة على الحكومة وفقا لما ورد في الباب الخامس من القانون الأساسي. فالمادة (63) من القانون الأساسي صريحة في أن صلاحيات رئيس السلطة محددة حصرًا كما وردت في الباب الثالث، وأن أي صلاحية لم ترد في هذا الباب تكون لمجلس الوزراء دون سواه. فالنظام السياسي لدينا ليس رئاسيًا، والرئيس لا يمتلك دستوريًا صلاحيات سياساتية أو إدارية في المجالات التنموية، والاجتماعية وغيرها، حتى يأتي القرار بقانون ليمنح مؤسسة الرئاسة سلطة العمل على تنفيذ رؤية وسياسات السيد الرئيس. وأيضًا هذه الصلاحيات المحصورة للرئيس يساعده في تنفيذها مجلس الوزراء وفقًا للمادة (46) من القانون الأساسي. وطالما أجاز القرار بقانون إمكانية فتح فروع ومكاتب لديوان الرئاسة في المحافظات، فإن ذلك يوازي دور مديريات الوزارات المختصة دستوريًا، وعندها ستتداخل الصلاحيات والمسؤوليات بين الحكومة الدستورية وديوان الرئاسة، وسيقتصر التنازع على الصلاحيات دون تحمل أي مسؤولية، نظرًا لكون الديوان ومكاتبه غير مسؤولة أمام البرلمان، وإنما فقط أمام رئيس السلطة الذي هو أيضًا غير مسؤول أمام المجلس التشريعي.

يطرح القرار تساؤلات عن معقولية توسيع نطاق صلاحيات الديوان ليشمل العمل مع القطاع الخاص والمجتمع المدني؟ وما طبيعة هذا العمل؟ وما الغاية المرجوة من هذا التعاون؟

أيضًا، يطرح القرار تساؤلات عن معقولية توسيع نطاق صلاحيات الديوان ليشمل العمل مع القطاع الخاص والمجتمع المدني؟ وما طبيعة هذا العمل؟ وما الغاية المرجوة من هذا التعاون؟ هل المسألة مرتبطة بتملك الديوان للأموال دون قيود أو شروط؟ عادة ما تتعاون الحكومة مع هذين القطاعين كون لديها صلاحيات واسعة وفقا للباب الخامس من القانون الأساسي. فهل سنشهد تنازعًا بين الحكومة وسلطة الرئيس الموازية لها، على أجندات العمل مع القطاع الخاص والأهلي؟ من جهة أخرى، لا يجوز منح الديوان صلاحية تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة دون تعليق الملكية على تنفيذ الأهداف التي أنشئ من أجلها، والتي هي أصلاً مخالفة للدستور كما سبق بيانه. وهذا الأمر خطير، حيث يمكن للديوان تملك أراض ومبان وغيرها دون أن يقتصر تملكه لهذه على مقاره فقط وفقًا لصياغة النص الحالي. وهذا التملك غير مسموح به أصلاً لأي جهة رسمية أخرى تتبع الخزينة العامة، حيث أن جميع املاك الدولة تسجل باسم الخزينة العامة فقط.

يمكن للديوان تملك أراض ومبان وغيرها دون أن يقتصر تملكه لهذه على مقاره فقط وفقًا لصياغة النص الحالي. وهذا التملك غير مسموح به أصلاً لأي جهة رسمية أخرى تتبع الخزينة العامة

من جانب آخر، وقع القرار بقانون في مخالفة دستورية أخرى لمّا منح سلطة إصدار الأنظمة للرئيس، في حين أنها لمجلس الوزراء. كما لا يجوز أن يكون هناك نظام خاص للمشتريات، أو أي نظام مالي مخالف لقانون الشراء العام وغيره من التشريعات النافذة، سيما وأن رئيس الديوان غير خاضع للمساءلة أمام المجلس التشريعي، بالإضافة إلى أن كلًا من رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية ورئيس هيئة مكافحة الفساد معينان من رئيس السلطة، وهو من يقيلهم طالما أن المجلس التشريعي غير موجود.

وفقًا للمادة رقم (5) من القرار بقانون، يتقاضى رئيس الديوان راتبًا يعادل الراتب المخصص للوزير ويتمتع بالامتيازات والحقوق التقاعدية الممنوحة له. هذا النص هو نفس ما ورد في القرارين بقانون اللذين ألغيا أمس، وهو ينطبق على رئيس الديوان الحالي، إذ أعاد له هذا القرار بقانون اشتراكاته التقاعدية بأثر رجعي عن جميع سنوات الخدمة، ومنحه راتب وزير فعلي، وفتح له سنوات الخدمة بشكل غير محدد، وزاد في راتبه 3000 آلاف شيكل. كل هذه المنح جاءت في آخر شهرين من عمر رئيس الديوان الوظيفي الافتراضي، بعد تمديد خدمته سنتين متتاليتين. ومن المرجح أنه تم صرف كل ذلك، سيما وأن القرار بقانون قضى بسريانه وقت صدوره لا نشره. وترك القرار بقانون أيضًا تحديد راتب ودرجة نائب رئيس الديوان الوظيفية لرئيس السلطة، وهذه مخالفة صريحة لقانون الخدمة المدنية ولوائحه.

ولا يجوز أن تستقل مؤسسة رسمية في وضع نظام خاص لتعيين الموظفين العموميين، كون ذلك يشكل مخالفة لقانون الخدمة المدنية ولوائحه، ولمبدأ العلانية والشفافية وتكافؤ الفرص في تولي الوظيفة العامة، خصوصًا وأن المادة (8) من القرار بقانون قررت ميزة مالية خاصة لموظفي وشاغلي الديوان وهي استحقاقهم لعلاوة مالية خاصة يتم تحديدها بنظام خاص، في الوقت الذي تمارس فيه الحكومة سياسة التقشف المالي نظرًا للعجر الكبير في الموازنة العامة. فلا يقبل قانونًا أن يتم تخفيض نسبة صرف رواتب بعض الموظفين بسبب محدودية الإيرادات في حين يتم منح آخرين مزايا وبدلات إضافية لرواتبهم ليس لسبب سوى أنهم يخدمون في هذه المؤسسة الرسمية.

فلا يقبل قانونًا أن يتم تخفيض نسبة صرف رواتب بعض الموظفين بسبب محدودية الإيرادات في حين يتم منح آخرين مزايا وبدلات إضافية لرواتبهم ليس لسبب سوى أنهم يخدمون في هذه المؤسسة الرسمية

أيضًا، حجب القرار بقانون على المجلس التشريعي والحكومة أيضًا سلطة إقرار ومراجعة موازنة الديوان والمصادقة عليها، مع التأكيد مرة أخرى أن كل من رئيس السلطة ورئيس الديوان غير خاضعين دستوريًا لمساءلة البرلمان. وألغت المادة (14) أي نص يتعارض مع هذا القرار بقانون، ما يعني أن لهذا الأخير سموًا في التطبيق على أي نص مخالف، سواءً تعلق بالرواتب والمكافآت والعلاوات، أو المشتريات، أو حتى قواعد الاختصاص الوظيفي، ما يعيدنا للإشكالات سالفة الذكر بشأن العلاقة مع أجهزة الحكومة. وهذا الاستنتاج يدعمه حقيقة نص المادة (17) من قانون موازنة الطوارئ 2020، وهو نص خطير، حيث يستثني ديوان الرئاسة من النظام المالي المعمول به، ومنحه الصرف وفقًا للنظام المالي والمحاسبي الخاص به، وهو غير موجود أصلاً، على حد علمنا (غير منشورة).

وأخيرًا، نرى أن هذا القرار بقانون يعزز من حضور وسلطة رئيس السلطة الفلسطينية الشخصي في المحافظات المختلفة، وقد يشكل مصادرة لإرادة الناخب، سواءً لأعضاء المجلس التشريعي، أو للبلديات والمجالس المحلية، حيث تكون مؤسسة الرئاسة من خلال الديوان ومكاتبه، بالإضافة إلى المحافظين المعينين من الرئيس، وبما يملكونه من صلاحيات واسعة كذلك، قد بسطت نفوذها على جميع الأراضي الفلسطينية بسلطات واسعة مدعومة بموازنات خاصة، الأمر الذي يحد من فعالية أي برنامج انتخابي، ويقلل من فلسفة قانون انتخاب الهيئات المحلية وقانون الانتخابات العامة بالنسبة للمجلس التشريعي، ويعزز من حظوظ الرئيس لوجود ما يمكن تسميته بـ"الحكومة الثالثة" وسلطة المحافظين، ما يعني خلق سلطتين تنفيذيتين متوازيتين بموازنتين مستقلتين. وهذا بطبيعة الحال يضاف إلى الحكومة الفعلية العاملة في قطاع غزة، بعد سيطرة حركة حماس على القطاع بالقوة في صيف سنة 2007. بهذا، تكون دولة فلسطين خلاقة وسباقة في تشكيل ثلاث حكومات لكنتونات صغيرة محتلة وغير مترابطة!


اقرأ/ي أيضًا: 

ممالك الطوائف الفلسطينية

هيئات الدولة أم الفيسبوك؟

لا تكسروا شوكة مؤسسات المجتمع المدني