13-يناير-2017

مراقبة الحوارات الحاصلة بخصوص ظروف الفلسطينيين في غزة، وظلم حماس وبطشها، تعطي إجابات عن أسئلة قديمة، متعلّقة بالموقف من بطش حركات المقاومة بشعوبها، أو بطش الجهات التي تعرَّف نفسها من خلال المقاومة، وترى أنّ العنف ضد الشعوب متسق مع هذا التعريف.

   تبرير ظلم المقاومين أو من يدّعون أنهم كذلك، ليس تبريرًا أخلاقيًا، ولكنّه دفاع مناصرين عن الجهات التي يناصرونها   

لا يمكن الدفاع عمّا تقوم به حماس، رغم أنها حركة مقاومة فعلًا، ومع أننا يمكن أن نجادل أنّ مثل هذا القمع، جاء من ظروف تُجبر حماس على التعامل معها، مثل الكهرباء والتلوث ونقص التموين، الخ. لكن بعض المهاجمين لحماس، الذين لم يقبلوا الدفاع عنها لأنّها حركة مقاومة، ومعهم حق، يدافعون عن جرائم أكبر من الجرائم التي تقوم بها حماس، بحجج المقاومة، مع أن مرتكبيها لم يحملوا المقاومة إلّا شعارًا في أحسن الأحوال، أو مشروعًا مؤجلًا يُحتفظ بحق القيام به في أيَّ وقت.

الأسئلة نفسها تقال حول النظام السوري، الذي لم نر من مقاومته شيئًا، وحول حزب الله بعد دخوله إلى سورية، وهي أسئلة مشروعة وضرورية.

الأهم في النقاش الذي يجري، أنّ المواقف راحت باتجاهين، كلاهما يكشف أن تبرير ظلم المقاومين أو من يدّعون أنهم كذلك، ليس تبريرًا أخلاقيًا، ولكنّه دفاع مناصرين عن الجهات التي يناصرونها، سواء أحزابًا أو طوائف أو أنظمة.

ليس غريبًا، أن تجد من اليسار الفلسطيني، أو من شبيبة فتح الذين أغواهم سلوك الشبيحة الذي يشبه سلوكهم، من يدافعون عن النظام السوري كما لو أنّه محور العالم، وأساس أمانه واستقراره، ويتهجمون على حماس، ولا يقبلون تبرير جرائمها بحجة أنّها حركة مقاومة، لكنّهم يفعلون ما لم يفعلوه مع حماس، مع النظام السوري والميليشيات التي تناصره، ويبررون لها جرائم أبشع بكثير ولا تقارن بجرائم حماس، بحجة المقاومة.

اقرأ/ي أيضًا: يسار فلسطيني.. متآمر على الفلسطينيين!

حماس التي تقاوم في كل لحظة، والتي لا تحتاج إلى شعارات كبرى يحتاج لها أنصار النظام السوري، والتي لا يمر شهر واحد إلا ونسمع عن عملية قامت بها، أو عن سلاح جديد طورته، أو استعدادات للمعركة القادمة. حماس مع كل ذلك، لا تستحق تبريرًا للحصار الذي تفرضه على مجتمع غزة بالنسبة لهؤلاء، وهي لا تستحق ذلك فعلًا، لكن أصحاب الشعارات الكبرى، الذين لم يضربوا رصاصة واحدة على إسرائيل، والذين يتحالفون مع أهم حلفاء وداعمي السلاح الإسرائيلي، يستحقون هذا التبرير، ولجرائم لا يمكن أن تقارن بنقص تموين أو انقطاع كهرباء.

لماذا ندافع عن جهة تدعي أنها تدعم المقاومة ونبرر لها؟ ولا ندافع عن المقاومة نفسها؟ هذا سؤال يكشف بوضوح أن مناصرة النظام السوري والتبرير له، من زبائن مقاهي اليسار – التي صارت تنوب عن أحزابهم – ليست لا مناصرة أخلاقية ولا وطنية، وإنما دفاع عن الديكتاتور لذاته لا لسلوكه، دفاع عمّن يدّعون أنهم يقاومون، لا دفاع عن المقاومة.

في الاتجاه الآخر، لا تختلف الأمور كثيرًا، بعض من دافعوا عن حماس ضد الانتقادات، واستخفوا بمعاناة المجتمع في غزة، والظلم الواقع عليه، لا يقتنعون بأن المقاومة تبرر لحزب الله جرائمه. صحيح أن السياق مختلف، وأنّ ما تفعله حماس لا يمكن أن يقارن بمجازر حزب الله، لكن الواقف مع الثورة السورية ومن يناصرها، أول من يجب أن يعرف أن المقاومة لا تبرر ظلمًا، وأنّ المقاوم يقاوم من أجل الناس لا على حسابهم.

ثمة من يستخدم المنطق نفسه مع جماعته، وينفيه ويستخف به مع جماعة أخرى، وكلاهما يتعامل مع الناس كمادة للمحاججة لا أكثر. من يقف مع قتل الناس في حلب وإدلب ووادي بردى، لا يمكن أن يقف مع حقوق الناس في غزة. ومن ينكر حقوق الناس في غزة، فإن انحيازه مع الناس في أي مكان آخر مشكوك به، وهو انحياز إلى أي شيء آخر سوى الشعوب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا اعترفت إسرائيل بـ"حسناوات حماس"؟

المفتول: طبخة النَّبي سليمان!

المواجهة بوصفها حتمية البقاء