12-يناير-2017

"السلاح السري لحماس: فتيات الإغراء"، و"حماس استخدمت فتيات الإغراء للتجسس على الجنود"، تصدر هذان العنوانان كبريات الصحف العبرية، بعد ساعاتٍ من الإعلان عن اختراق كتائب القسام هواتف جنود الاحتلال بواسطة انتحال شخصيات فتياتٍ "حسناوات".

وفي قواعد العمل الاستخباري، التي تحكم ما يعـــرف بـ"حرب الظلال" التي يظل أوارها متقدًا حتى لو صمتت حرب المدافع، تصنف عملية "حسناوات حماس" من جانب الطرفين كعمليةٍ سريةٍ يفترض أن تظل طي الكتمان من جانب طرفي الحرب. فالمهاجم ليس من مصلحته فضح إحدى حيله، والمستهدف ليس مضطرًا لإظهار نفسه بصورة الفريسة سهلة المنال، خصوصًا عندما تكون المواجهة بين جيشٍ نظاميٍ محترفٍ ومنظمةٍ محاصرةٍ محدودة الموارد. إذن لماذا وجدت استخبارات الاحتلال نفسها مضطرة لكشف القصة؟.

في قواعد العمل الاستخباري تصنف عملية "حسناوات حماس" كعمليةٍ سريةٍ ليس من مصلحة الطرفين كشفها

الاستخبارات العسكرية لديها ثلاث طرقٍ رئيسيةٍ لجمع معلوماتها، أولها الجواسيس والعملاء، ثم  استخدام أجهزة الاستطلاع وتحليل الصور الجويّة. أما الأسلوب الثالث فهو "سيغينت" وهي اختصار  (Signal intelligence)  ويعتمد على استخلاص المعلومات من التنّصت على الهواتف وشبكات الاتصال اللاسلكي والفاكس.

اقرأ/ي أيضًا: كيف اخترقت "حسناوات حماس" هواتف جنود الاحتلال؟

الخطوة الأولى بعد اكتشاف "وحدة مكافحة التجسس" قناةً استخباريةً للعدو، هي تسميم المعلومات بتحويل ولاء الجاسوس ودفعه لنقل معلوماتٍ مغلوطةٍ أعدت بعنايةٍ لمشغليه، وفي حال "سيغينت" تصبح المهمة أسهل، فقط تغذية القناة بمعلوماتٍ وصولاً لإغراق "العدو" بمعلوماتٍ مغلوطةٍ وصولاً إلى معلوماتٍ يبني عليها استنتاجاتٍ خاطئةٍ أثناء استعداده للمعارك المقبلة، وكذلك من أجل أن لا يضاعف "العدو" جهوده لإيجاد قنوات معلوماتٍ جديدةٍ قد لا يتم اكتشافها، وبذلك يظل تحت شعور أن القناة المفضوحة تروي نهمة للمعلومات التي لا يدرك أنه جرى تسميمها.

بعد ما تقدم يصير التساؤل لماذا اعترفت استخبارات جيش الاحتلال بـ"حسناوات حماس" أكثر  إلحاحًا، خصوصًا أن الاعتراف يحرم جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" فرصة "تسميم المعلومات"، ويلحق أذىً بسمعة إسرائيل التي تطرح نفسها أمام العالم على أنها قوةٌ عظمى في مجال الحرب الإلكترونية، ويهز تفوقها الاستخباري في عيون مجتمعها، كما يرفـــع معنويات الفلسطينيين ويعزز ثقتهم بالمقاومة، وهذا يرفد المقاومة بأجيالٍ جديدةٍ من مقاتلي الحرب الإلكترونية.

"أمان" اكتشف أن وحدة الحرب الإلكترونية في كتائب القسام نجحت بإنشاء حساباتٍ وهميةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي بانتحال صفة "إسرائيليات حسناوات" قبل عدة شهورٍ من أجل تحويل هواتف الجنود والضباط إلى جاسوس بعد السيطرة عليها، بعد زرع فايروس يشغل كاميرا الهاتف على مدار الساعة، كما أكدت صحيفة "معاريف" العبرية.

الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال والذي يعترف فيه الجندي الذي وقع في المصيدة  كيف تحول لجاسوسٍ لحماس دون أن يدري، بالإمكان بعد تحليله الحصول على إجابةٍ لتساؤلاتٍ عديدة. أولا "ضابط استخبارات حماس" انتحل صفة "حسناء" أدت خدمتها العسكرية في إدارة السجون ونجح بتنفيذ مهمته وفقًا لخطةٍ يبدو أنها معدةٌ بكل تفاصيلها.

لقد وقع الاختيار على مجندةٍ أدت خدمتها في إدارة السجون "شاباس"، وبذلك يكون الضابط الحمساوي قادرًا على تقديم إجابةٍ سليمةٍ عن بيئة "شاباس"، فقد قضى سنواتٍ طويلةٍ في السجن وتعلم العبرية هناك، وبمقدوره حتى الإجابة لو سأله الجندي الإسرائيلي عن شخصٍ معينٍ يعمل في "شاباس".

الحيلة انطلت على الجندي ونجحت "الحسناء" بتوثق علاقتها مع "الجندي"، وجاء أوان المحادثة عبر الكاميرا، فاقترحت عليه تحميل تطبيقٍ خاص، حمل التطبيق على الهاتف الذي تحول إلى جاسوسٍ في الجيب، واختفت "الحسناء" وانتقل "ضابط استخبارات حماس" بحثًا عن هدفٍ آخر، على هذا النحو يحلل أي ضابط استخباراتٍ إسرائيلي شهادة الجندي الغبي.

لم يكن باستطاعة إسرائيل حصر الحسابات الوهمية التي تديرها حماس فوجدت نفسها مضطرةً لكشف الأمر

 الذي دفع استخبارات الاحتلال إلى الكشف عن "مصيدة فتيات الإغراء" هو أن هذه القناة الاستخبارية المعادية فوق قدرته على السيطرة عليها عبر التسميم أو قطعها بصمت،  لأن من وقع في المصيدة ليس من السهل عليه الاعتراف لأسبابٍ كثيرة، ولصعوبة حصر الحسابات الوهمية التي تديرها حماس، و لو أن "أمان" نجحت بذلك، لما وجدت نفسها مضطرة لنشر النبأ وبث فيديو اعتراف الجندي الغبي. وما يؤكد ذلك هو ما كشفته "معاريف" التي أكدت "أمان" أطلق حملةً كبرى باسم "صيد في الشبكة"، بعد ماوصفته نجاح  العشرات من عناصر حماس من اختراق الهواتف الخليوية للجنود عبر فسبوك".

وقالت "معاريف"، إن "فتيات الإغراء" نجحن في  استدراج الجنود للحديث عن مواضيع سريةٍ، مضيفة، أن خلال عملية "صيد الشبكة" سيتم تشديد التعليمات الخاصة باستخدام الهواتف من قبل الجنود والضباط، وسيحظر على من يخدم في وحداتٍ سريةٍ نشر معلومات حول طبيعة عمله.

يوسي ملمان معلق الشؤون الاستخبارية والعسكرية في "معاريف" عقب على "فتيات الإغراء" بمقالٍ تحليليٍ عنونه بـ"ما الذي لا نعرفه"، أثنى فيه على ضباط حماس قائلا: "ضباط الاستخبارات في حماس يظهرون إبداعًا في اختراق مواقع التواصل الاجتماعي".

ورأى ملمان أن حماس تمتلك وحدة حربٍ إلكترونيةٍ "سايبر" لديها قدراتٍ لا يجب الاستهانة بها. وهذا ما اتضح من العملية المشتركة التي أطلقها جهاز المخابرات "الشاباك" وجهاز الاستخبارات  العسكرية.

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف بررت إسرائيل هروب جنودها في جبل المكبر؟

فادي قنبر سبق "الشاباك" بخطوة

بالصور.. أكبر مصنع للسلاح في الضفة؟