06-أكتوبر-2024
تفجير البيجر في لبنان

(Getty)

كشفت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية عن تفاصيل عمل جهاز الموساد الإسرائيلي، على تفجير أجهزة "البيجر"، يوم 17 أيلول/سبتمبر الماضي في لبنان، في عملية صارت نقطة تحول في العدوان الإسرائيلي على لبنان.

وانطلقت الصحيفة الأميركية، في الإشارة إلى أن حزب الله "حصل على أجهزة نداء/بيجر أبولو، بعد عرض قبل عامين"، مشيرةً إلى أن الأجهزة كانت "ضخمة بعض الشيء ولكنها قوية، ومصممة لتحمل ظروف ساحة المعركة. وكان يتميز بتصميم تايواني مقاوم للماء وبطارية كبيرة الحجم يمكن أن تعمل لشهور دون شحن".

الواشنطن بوست: هجوم البيجر "لم يترك أثرًا على صفوف حزب الله فقط بالنسبة لإسرائيل، ولكنه شجعها على عملية اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله".

وأشارت الصحيفة إلى أن الخطة الإسرائيلية كانت تهدف إلى تفجير أجهزة البيجر في "أيادي المستخدمين، بعد تفعيل عملية فك التشفير التي تتألف من خطوتين والتي تضمن أن يحمل أغلب المستخدمين جهاز النداء بكلتا يديه عندما ينفجر".

وأوضحت الصحيفة أن هجوم البيجر "لم يترك أثرًا على صفوف حزب الله فقط بالنسبة لإسرائيل، ولكنه شجعها على عملية اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله".

وبحسب مسؤولين إسرائيليي وأميركيين مطلعين على الأحداث، فإن فكرة تفجير أجهزة البيجر/النداء نشأت في عام 2022. وبدأت أجزاء من الخطة تتبلور قبل أكثر من عام من السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

وبينما كان حزب الله، قادرًا على مواجهة الاختراقات الإسرائيلية، أوضحت "الواشنطن بوست": "ولدت فكرة إنشاء نوع من حصان طروادة للاتصالات. كان حزب الله يبحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنقل الرسائل، وتوصل الموساد إلى حيلتين من شأنهما أن يدفعا حزب الله إلى شراء أجهزة تبدو مثالية لهذه المهمة، وهي المعدات التي صممها الموساد وقام بتجميعها في إسرائيل".

وتابعت الصحيفة الأميركية: "بدأ إدخال الجزء الأول من الخطة، وهو أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان من قبل الموساد منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في عام 2015. وكانت أجهزة الاتصال اللاسلكية المحمولة ثنائية الاتجاه تحتوي على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات مخفية ونظام إرسال أعطى إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله".

وقالت الصحيفة الأميركية: "على مدى تسع سنوات، اكتفى الإسرائيليون بالتنصت على حزب الله، كما قال المسؤولون، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في حالة حدوث أمر مستقبلي. ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة: جهاز اتصال لاسلكي صغير مزود بمتفجرات قوية". 

وعلى هذا الأساس، أوضحت الصحيفة: "في عام 2023، بدأت المجموعة تتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة النداء التي تحمل العلامة التجارية التايوانية "أبولو"، وهي علامة تجارية معروفة وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم ولا توجد روابط واضحة بينه وبين المصالح الإسرائيلية". وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

وأشارت الصحيفة الأميركية، إلى أن العروض جاءت عن مسؤولة تسويق لديها صلة في حزب الله والشركة التايوانية. وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: "كانت هي من تواصلت مع حزب الله، وأوضحت لهم لماذا كان جهاز النداء الأكبر حجمًا والمزود ببطارية أكبر أفضل من الطراز الأصلي". وأضاف المسؤول أن "إحدى نقاط التفضيل الرئيسية لجهاز AR924 كانت أنه من الممكن شحنه باستخدام كابل. وكانت البطاريات تدوم لفترة أطول".

وتابعت الصحيفة الأميركية: "كما اتضح، فقد تم التعاقد مع جهة خارجية لإنتاج هذه الأجهزة، ولم يكن المسؤول التسويقي على علم بالعملية ولم يكن على علم بأن أجهزة النداء تم تجميعها فعليًا في إسرائيل تحت إشراف الموساد. وكانت أجهزة النداء التي يمتلكها الموساد، والتي يزن كل منها أقل من ثلاث أونصات، تتضمن حزمة بطارية تخفي كمية ضئيلة من المتفجرات القوية".

وقال المسؤولون إن "مكون القنبلة كان مخفيًا بعناية شديدة لدرجة أنه لم يكن من الممكن اكتشافه تقريباً، حتى لو تم تفكيك الجهاز". ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله قام بتفكيك بعض أجهزة البيجر/النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

وأشارت الصحيفة الأميركية: "كان من الممكن لإشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات أن تؤدي إلى انفجار آلاف الأجهزة دفعة واحدة. ولكن كان من الممكن أيضًا أن يتم إحداث الانفجار من خلال إجراء خاص من خطوتين، يطلب خلالها فتح الرسائل الآمنة التي تم تشفيرها".

ولم يكن معظم كبار المسؤولين في إسرائيل على علم بهذه القدرة حتى الثاني عشر من أيلول/سبتمبر. وقال مسؤولون إسرائيليون إن هذا هو اليوم الذي استدعى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة التحرك المحتمل ضد حزب الله.

وبحسب ملخص للاجتماع عقد بعد أسابيع من قبل مسؤولين مطلعين على الحدث، قدم مسؤولو الموساد لمحة أولى عن واحدة من أكثر عمليات الوكالة سرية. كما تحدث مسؤولون استخباراتيون عن قلق مستمر منذ فترة طويلة "مع تصاعد الأزمة في جنوب لبنان، تزايدت المخاطر من اكتشاف المتفجرات".

وقال مسؤولون إن نقاشًا حادًا اندلع في مختلف أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. فقد أدرك الجميع، بما في ذلك نتنياهو، أن الآلاف من أجهزة النداء المتفجرة قد تلحق أضرارًا لا توصف بحزب الله، ولكنها قد تؤدي أيضًا إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك شن هجوم صاروخي انتقامي ضخم.

وقال مسؤول إسرائيلي: "كان من الواضح أن هناك بعض المخاطر". وحذر البعض، بما في ذلك كبار المسؤولين في قوات الاحتلال الإسرائيلية، من احتمال حدوث تصعيد كامل مع حزب الله، مع استمرار الحرب على غزة. لكن آخرين، وعلى رأسهم الموساد، رأوا فرصة لزعزعة الوضع الراهن "بشيء أكثر كثافة".

وقال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل، لم يتم إبلاغها في عملية تفجير أجهزة البيجر المفخخة أو النقاش الداخلي حول ما إذا كان ينبغي تفجيرها.

وفي نهاية المطاف، وافق نتنياهو على تشغيل انفجارات الأجهزة. وعلى مدى الأسبوع التالي، بدأ الموساد الاستعدادات لتفجير أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية التي كانت متداولة بالفعل.

وأوضحت الصحيفة الأميركية: "في الوقت نفسه، اتسع نطاق النقاش تل أبيب بشأن هجوم على حزب الله ليشمل هدفًا آخر بالغ الأهمية: نصر الله نفسه".

واستمرت في القول: "لقد كان الموساد على علم بمكان تواجد حسن نصر الله في لبنان منذ سنوات وكان يتتبع تحركاته عن كثب. ومع ذلك، امتنع الإسرائيليون عن إطلاق النار، على يقين من أن اغتياله سوف يؤدي إلى حرب شاملة مع حزب الله، وربما مع إيران أيضًا. وكان الدبلوماسيون الأميركيون يضغطون على نصر الله للموافقة على وقف إطلاق نار منفصل مع إسرائيل، دون أن يكون له أي صلة بالقتال في غزة، على أمل التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى انسحاب مقاتلي حزب الله من القواعد اللبنانية الجنوبية".

في السابع عشر من أيلول/سبتمبر، وبينما كان النقاش محتدمًا في أعلى دوائر الأمن في إسرائيل حول ما إذا كان ينبغي اغتيال أمين عام حزب الله، كانت آلاف أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو تدق أو تهتز في آن واحد. وظهرت على الشاشة جملة قصيرة باللغة العربية: "لقد تلقيت رسالة مشفرة"، مما يعني الحاجة إلى فتحها. مضيفةً: "بعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة النداء عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا". وفي اليوم التالي، أي في 18 أيلول/سبتمبر، انفجرت مئات من أجهزة اللاسلكي بنفس الطريقة.

وختمت الصحيفة الأميركية، بالقول: "كانت هذه أولى سلسلة من الضربات التي استهدفت حزب الله. فيما وقعت أكبر سلسلة من الغارات الجوية في السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر، أي بعد عشرة أيام من انفجار أجهزة البيجر/النداء. وقد أمر نتنياهو بتنفيذ الهجوم الذي استهدف مركز قيادة في بيروت أثناء سفره إلى نيويورك لإلقاء خطاب في الأمم المتحدة، مما أدى إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله".