أصدر الرئيس محمود عباس في آخر عددين من الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) قرارين بقانون، أثارت حفيظة جهات حقوقية وقانونية ومواطنين لمنحها "امتيازات مالية وغير مالية" إضافية لفئة من كبار موظفي الدولة، في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة العامة من أزمة خانقة استدعت تفعيل "موازنة طوارئ" حسب إعلان الحكومة.
قراران بقانون من الرئيس يمنحان كبار الموظفين في السلطة امتيازات مالية وغير مالية إضافية
وأصدر الرئيس محمود عباس، وفق ما نشر يوم 20 نيسان/إبريل الجاري، في العدد رقم 166 من الجريدة الرسمية، قرارًا بقانون رقم 12 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون التقاعد العام رقم 7 لسنة 2005 وتعديلاته.
وكان قد صدر عن الرئيس عباس أيضًا في العدد السابق رقم 165 من الجريدة الرسمية قرارٌ بقانون رقم 4 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي، وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 م وتعديلاته.
ولقي القراران احتجاجات وانتقادات واسعة من جهات حقوقية، من بينها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التي توجهت، اليوم الثلاثاء، بخطاب إلى الرئيس عباس ورئيس الوزراء محمد اشتيه بضرورة التدخل لوقف هذين القرارين بقانون، وإخضاعهما للمزيد من الدراسة والمشاورات مع جميع الأطراف ذات العلاقة.
مزيدًا من الأعباء للخزينة العامة
وترى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) أن هذين القرارين بقانون، بما يتضمنانه من منح امتيازات مالية (وغير مالية) إضافية لفئة من كبار موظفي الدولة، تحديدًا من هم بدرجة وزير من رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة ومن في حكمهم، من شأنها تحميل الموازنة مزيدًا من الأعباء، والمساس بالوضع المالي لهيئة التقاعد الفلسطينية.
ويأتي ذلك وفق الهيئة المستقلة، "في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة العامة من أزمة مالية خانقة وعجز خطير نتيجة لإجراءات القرصنة الإسرائيلية وأيضا نتيجة للآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا".
ديوان المظالم: تمرير القرارين من شأنه زعزعة الثقة بالتوجهات والجهود الرسمية
وأكدت الهيئة، في مخاطبتها للرئيس ورئيس الوزراء، أن تمرير هذين القرارين بقانون دون مشاورات مجتمعية مع الأطراف ذات العلاقة، وتوقيت صدورهما في ظل الحاجة إلى مزيد من التقشف وتخفيض النفقات وتعزيز قيم التكافل وتحمل أعباء المرحلة بشكل عادل، "من شأنه زعزعة الثقة بالتوجهات والجهود الرسمية الداعية التعاضد وحشد الدعم من القطاع الخاص والعام ومن المواطنين لمواجهة الآثار الاقتصادية للجائحة".
وأشارت إلى ما أثير من نقاش في وقت سابق حول زيادة رواتب الوزراء، واستمرار المطالبة بإعادة المبالغ التي صرفت لهم، محذرةً من أن "صدور هذين القرارين في ظل وجود فئات واسعة من الموظفين العموميين تعاني شظف العيش، والشكوك حول قدرة السلطة الوطنية على الالتزام برواتب موظفيها، والقرصنة الإسرائيلية لتحويلات الضرائب وانخفاض الجباية المحلية، وتوقع تداعيات قرارات الضم والتوسع، سيلحق الضرر بتلاحم المجتمع وقدرته على الصمود والمواجهة".
عابدين: تشريعات بالمقاس لخدمة تحالف قائم
يوضح المختص في الشؤون القانونية والحقوقية عصام عابدين، أن القرار بقانون ينص، من بين أمور أخرى، على أن كل من عين بدرجة وزير، ومن في حكمهم، سيحصلون على الامتيازات التقاعدية للوزراء، ولن يدفعوا قرشًا واحدًا للتقاعد، وستعاد لهم اشتراكاتهم المالية على مدار سنوات من الخزينة العامة وبأثر رجعي.
وأضاف عابدين، أن هذا القرار بقانون يشمل رؤساء مؤسسات وهيئات عامة وأعضاء في منظمة التحرير وغيرهم، ويأتي في ظل انشغال الناس بجائحة كورونا وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الخطيرة المرشحة للمزيد من التدهور والبؤس.
عابدين: القرار بقانون يشمل رؤساء مؤسسات وهيئات عامة وأعضاء في منظمة التحرير وغيرهم
ورأى، في حديث مع الترا فلسطين، أننا أمام قرارات بقانون مفصلة لخدمة تحالف قائم ومستمر بين رأس المال ومتنفذين في السلطة، وأننا أمام تشريعات بالمقاس، على حساب ألم ومعاناة الناس، وفي غياب الشفافية والمصداقية في الأداء الرسمي.
وأكد، أن هذا النهج "مستمر منذ زمن، وليس جديد، وقد شهدناه في عهد الحكومات السابقة ومستمر في عهد حكومة اشتية، ويغذيه التصدع الحاصل في النظام السياسي بفعل غياب البرلمان والتدهور في القضاء، والتفرد بالسلطة، وغياب الانتخابات".
ووفق عابدين، فإنه بمجرد مراجعة القرارات بقوانين المتعلقة برواتب وامتيازات وتقاعد الوزراء والنواب والمحافظين وقضاة المحكمة الدستورية العليا وهيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة المالية والإدارية وغيرها من الهيئات والمؤسسات، "تكتشف حجم التمييز والانهيار الحاصل في مفهوم ومرتكزات العدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية ومنظومة القيم وحقوق الإنسان".
وأشار إلى أن صناديق التقاعد العام "مفلسة أساسًا، ومهددة بالانهيار، لأن الاشتراكات التي يدفعها الموظفون العموميون لا ترحل إلى صناديق التقاعد العام منذ سنوات، والمتقاعدون يأخذوا تقاعدهم مباشرة من الخزينة العامة خلافاً للقانون، لأنه لا يوجد أموال في صناديق التقاعد، فما بالك إذا كان هناك أعباء مالية إضافية على هذه الصناديق والخزينة العامة وفي ظل الجائحة".
عابدين: يجب محاسبة كل من شارك في وضع القرار بقانون باعتبارها شكل من أشكال الفساد المغلف بالتشريع
وطالب عابدين، رئيس الوزراء، بتفسير كل ما صدر عنه بشأن التقشف الحكومي خلال الجائحة، قائلاً "إن كانت الحكومة تعرف بتلك القرارات بقانون فهذه مصيبة وإن كانت لا تعرف فالمصيبة أعظم". وأكد على وجوب إلغاء تلك القرارات بقانون "ومحاسبة كل من شارك فيها باعتبارها شكل من أشكال الفساد المغلف بالتشريع".
محامي: هدر للمال العام
يقول المحامي محمد الهريني في مقال نُشر على موقع "فيسبوك"، إن هذين القرارين بقانون "يشكلان سابقة خطيرة في هدر المال العام وأموال صندوق التقاعد الفلسطيني (..) ولهما آثار وخيمة على إهدار أموال صندوق التقاعد، حيث جاء في التعديل إعادة الاشتراكات المالية للموظفين ممن يحملون درجة وزير، والمقدرة بملايين الشواقل، وإعفاء هيئة التقاعد من دفع رواتبهم التقاعدية".
هذا ما يؤدي، وفق الهريني، إلى "فقدان صندوق التقاعد لملايين الشواقل، وتوقف تدفق المال عليه بنسب كبيرة من الاقتطاعات التي كانت تدفع من هذه الفئه والتي قرر التعديل القانوني تمديد خدمتهم لخمسة سنوات إضافية بعد الستين".
ويرى الهريني، أن هذه الأموال هي "حق للموظفين والمتقاعدين ولا يجوز إهدارها لصالح فئة معينة بذاتها، وأن ذلك يشكل إهدارًا للمال العام وزيادة العبء على الخزينة العامة بحيث تدفع وزارة المالية تقاعدًا لهؤلاء الموظفين ممن يحمل درجة وزير من المال العام، وتستمر الوزارة بدفع رواتبهم بدون اقتطاع لغايات التقاعد، بحيث يزيد راتب كل منهم أكثر من ثلاثة ألاف شيقل، وتمديد عملهم لخمسة سنوات قادمة، مع احتفاظ تلك الفئة بتقاعد بنسبة ثمانين بالمئة من راتب الوزير، ويشكل ذلك القرار زيادة ضخمة على راتب كل من يحمل درجة وزير".
محامي: التعديل سيزيد من راتب كل من يحمل درجة وزير حوالي 3 آلاف شيكل
وأوضح، أن التعديل المذكور سيزيد من راتب كل من يحمل درجة وزير حوالي 3 آلاف شيكل، كونه لن يتم اقتطاع أي اشتراكات لغايات التقاعد الذي ستتكفل الحكومة بدفع كامل مستحقات التقاعد، وسيضاف بدل الاشتراك لراتب كل موظف يحمل درجة وزير".
ويقدر الهريني عدد المستفيدين من هذا التعديل بالمئات، "مما سيهدد بإفلاس صندوق التقاعد، وسيزيد فاتورة الرواتب بشكل مهول"، بخاصة أن القانون نُشر وبدأ نفاذه، وكل ذلك على حساب الخزينة العامة وعلى حساب قطاعات الموظفين المهمشة.
الحكومة: الموضوع أمام الرئيس
هذا الموضوع والتفاعل معه تم طرحه على الناطق باسم الحكومة إبراهيم ملحم خلال الإيجاز الصحافي، اليوم، فأجاب عليه قائلاً: "الموضوع يجري دراسته من قبل سيادة الرئيس بعد ما نقل له كل ما يعرض، ورئيس الوزراء يتواصل معه والرئيس سيتصرف بحكمته وبالشجاعة والقوة، وهو صادق بالقول ولديه من الحكمة ما يستيطع تجاوز كل هذا الموضوع".
وردًا على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة تعلم بالقرار قبل إصداره، قال ملحم: "ليس من الحكمة أن تقول حكومة دولة إنها غير مسؤولة، فنحن مسؤولون عن كل شيء ما ظهر منه وما بطن".
حديث السوشال ميديا
فور الكشف عن هذا القرار، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود فعل جاء قسمٌ منها غاضبًا، وقسمٌ آخر ساخرًا من القرار. الترا فلسطين رصد لكم جانبًا من ردود الفعل.