يرقد الطفل محمد ربيع سمحان على سرير في قسم العناية الفائقة بمجمع ناصر الطبي، في مدينة خانيونس، ووالدته لا تفارق باب غرفته، وتعيش حالة متأرجحة بين الخوف والرجاء، قلقًا على ابنها الكبير.
هناك ارتفاع ملحوظ وغير مسبوق في حالات الإصابة بالالتهابات الرئوية، وغالبًا يحتاج المرضى لعمليات جراحية من أجل تنظيف الصديد من الرئتين عبر أنبوب خاص لتنظيفه
محمد (4 أعوام)، واحدٌ من عشرات الأطفال في قطاع غزة الذين أصيبوا بحالة مرضية صعبة جراء استنشاق انبعاثات صادرة عن الصواريخ والقنابل التي تلقيها آلة الحرب الإسرائيلية، وفاقمها ضعف مناعتهم بسبب الحصار الإسرائيلي وسياسة التجويع.
أصيب محمد سمحان بهذه الحالة المرضية في شهر آب/أغسطس الماضي، وبدأت أعراضها بارتفاع شديد في الحرارة، وسعال حاد. وتقول والدته آلاء أبو جامع، إنها عرضته على عدة مستشفيات ميدانية ونقاط طبية في مدينة خانيونس لكن من دون جدوى، واستمرت حالته الصحية في التدهور.
في ذلك اليوم من شهر آب/أغسطس كانت أسرة الطفل محمد سمحان على موعد مع نزوح جديد، إثر إنذارات إسرائيلية لسكان بلدة بني سهيلا شرق مدينة خانيونس، ترافقت مع غارات جوية وإطلاق نار من مسيرات ومروحيات حربية إسرائيلية، بحسب حديث والدته.
وتضيف آلاء: "خرجنا مسرعين وسط حمم النيران وأصوات الانفجارات، ومنذ ذلك الحين شعرت بتغير كبير على صحة ابني، فقد كانت رائحة البارود والذخيرة المنبعثة من الصواريخ والقنابل تغطي الأجواء، والغبار يتطاير نتيجة قوة الانفجارات، وكلنا أصبنا بحالة من الاختناق".
وتابعت آلاء أبو جامع: "نجونا من الموت بأعجوبة" بعد وقوع أحد الانفجارات بالقرب من أسرتها. بينما روح محمد لا تزال معلقة بهذه الأجهزة الطبية للشهر الثاني، و"كل ما أرجوه من الله أن يكتب له السلامة ويعود لي سالمًا معافى".
وتوضح آلاء أن التشخيص الأولى لحالة طفلها محمد كان عدوى جراء فايروس منتشر ويصيب الأطفال نتيجة تداعيات الحرب والحصار. لكن، لم يستجب محمد للأدوية التي وُصفت له، فقررت أسرته عرضه على الأطباء في مستشفى الأطفال بمجمع ناصر الطبي، الذين قرروا إدخاله لقسم العناية الفائقة، إثر تشخيص إصابته بالتهابات رئوية حادة.
وتًبين، أن الأطباء جربوا مع طفلها علاجات ومضادات حيوية قوية ومتنوعة لكن لم يطرأ تحسن على حالته الصحية، وحينها قرر الأطباء إجراء عمليات جراحية له.
يقول الطبيب راغب ورش آغا، رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي، وهو مشرف على حالة الطفل محمد، إن الكثير من الأطفال من أمثال محمد يعانون من حالات التهاب رئوي شديد، الذي يؤدي إلى تراكم صديد على الرئتين، وهي حالات كانت موجودة بنسب ظئيلة قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، وزادت خلال الشهور الماضية بسبب تداعيات هذه الحرب.
ويوضح الطبيب راغب ورش آغا لـ "الترا فلسطين"، أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا وغير مسبوق في حالات الإصابة بالالتهابات الرئوية، وغالبًا يحتاج المرضى لعمليات جراحية من أجل تنظيف الصديد من الرئتين عبر أنبوب خاص لتنظيفه.
ويضيف، أن أعراض هذه الحالات المرضية تبدأ بالارتفاع الشديد في الحرارة والسعال الحاد، وفي بعض الحالات يعاني المريض أيضًا من ضيق أو صعوبة في التنفس، والكثير من الحالات لا تستجيب للعلاج والمضادات الحيوية.
من جانبه، يؤكد الطبيب أحمد الفرا، مدير مبنى التحرير للنساء والولادة والأطفال، أن هناك الكثير من الأمراض التي رصدها الأطباء وتعاملوا معها وترتبط بشكل مباشر بالحرب الإسرائيلية وتداعياتها، ومن هذه الأمراض الالتهابات الرئوية، التي تصيب الأطفال على نحو كبير وملحوظ.
ويوضح الطبيب أحمد الفرار لـ "الترا فلسطين"، أن مجمع ناصر الطبي استقبل خلال الشهرين الماضيين 30 حالة مشابهة لحالة الطفل محمد، رغم أن في فترات طبيعية قبل الحرب، لم يكن الأطباء يتعاملون سوى مع حالة أو حالتين فقط شهريًا تحتاج لتدخل جراحي.
وبحسب الفرا، فإن الملاحظ في حالات إصابة الأطفال بالالتهابات الرئوية عدم استجابتها للعلاجات والمضادات الحيوية، وبعض الحالات التي تحتاج إلى الجراحة استدعت استئصال الجزء التالف من الرئة، وتقشير الرئة وإزالة الأنسجة الليفية التالفة الناجمة عن هذه الالتهابات.
ويشير إلى أنه في حالة الطفل محمد سمحان كان الخوف الشديد وسوء التغذية عاملًا في تدهور حالته، إذ أدى ذلك لضعف جهاز المناعة، إضافة إلى القصف الإسرائيلي على مقربة منه واستنشاقه كمية من الغازات والانبعاثات الملوثة والسامة الناجمة عن القصف.
وبين الطبيب أحمد الفرا، أن الأطفال في قطاع غزة هم الأكثر عرضة من بقية الفئات للإصابة بهذه الحالات المرضية؛ لأن مناعتهم، بعد عام من الحرب، في أدنى مستوياتها، بسبب الخوف، والنزوح، وسوء التغذية، ونقص الوارد الغذائي من البرويتانات والفيتامينات، جراء شح الأغذية الطازجة والفواكه واللحوم وارتفاع أسعارها في الأسواق، وعدم قدرة غالبية المواطنين على شرائها.
الأطفال في قطاع غزة هم الأكثر عرضة من بقية الفئات للإصابة بهذه الحالات المرضية، لأن مناعتهم، بعد عام من الحرب، في أدنى مستوياتها، بسبب الخوف، والنزوح، وسوء التغذية، ونقص الوارد الغذائي من البرويتانات والفيتامينات
وأضاف الفرا، أن مخلفات الصواريخ والقذائف التي تلقيها قوات الاحتلال على القطاع هي التي رفعت معدل الإصابة بهذه الحالات المرضية بعد الحرب، فهي تحتوي على مواد سامة، وعلى اليورانيوم المنضب، وتصيب جسم الإنسان بإشعاعات تؤثر على جهاز المناعة بشكل سلبي، كما تشكل عبئًا على الرئتين وكفاءة الجهاز التنفسي عمومًا.
ويؤكد الطبيب الفرا، أن تلوث مياه الشرب والمياه المستخدمة في النظافة الشخصية والعامة، ومنع الاحتلال إدخال مواد التنظيف والمعقمات، ساهم أيضًا في انتشار الأمراض وصعوبة السيطرة عليها.