15-ديسمبر-2016

مشهد من فيلم ببغاء

ماذا يمكن أن تجد عائلة يهودية مشرقية قادمة من تونس إلى فلسطين بهدف الهجرة والاستيطان؟ يمكن للعائلة أن تفكّر في كثير من الأمور السلبية والإيجابية وتتوقع أشياء كثيرة، لكن أن تجد ببغاء. فهذا ما لم يكن بالحسبان.

الفيلم يُقدّم الوجع الفلسطيني بطريقة سينمائية آخّاذة مع كوميديا ساخرة، فيطرح تهجير الفلسطينيين، ويفضح المستوطنين، ويُظهر عنصريّة المحتل

إنه فيلم "ببغاء" القصير للمخرجين الأردنيين دارين سلاّم وأمجد الرشيد، والذي يشارك في مسابقة المهر العربي في مهرجان دبي السينمائي في دورته الـ13، وفيه يطرحان قضية تهجير الفلسطينيين عام 1948، وإحلال اليهود من مختلف مناطق العالم مكانهم.

تلك القضية المرتبطة بوجع الفلسطينيين الأكبر يتم تقديمها في هذا الفيلم القصير (18 دقيقة) بطريقة سينمائية أخّاذة ويضاف عليها القليل من الكوميديا الساخرة التي فضحت المستوطنين الجدد، وأظهرت أيضًا عنصرية المحتلين حتى إزاء اليهود أنفسهم.

اقرأ/ي أيضًا: حكاية الشعب اليهودي في فلسطين

ويمكن القول إن فيلم "الببغاء" الحائز على جائزة مؤسسة "روبرت بوش" عن فئة الفيلم الروائي القصير عام 2015، نموذج تعبيري حديث، يذكرنا بفيلم المخرج الفلسطيني باسل خليل، الحائز على الجائزة الأولى في مهرجان دبي السينمائي في دورته الـ12 عن فيلمه "السلام عليك يا مريم".

ورغم أن المخرجان أردنيان، ويحمل الفيلم هوية أردنية/ ألمانية، إلّا أنّه فلسطيني بامتياز، يقوم بفضح الاحتلال وسياساته الإحلالية، كيف ذلك؟ وما علاقة الببغاء في الموضوع كله؟ إليكم الحكاية.

مشهد من فيلم ببغاء

يبدأ فيلم "ببغاء" بمشهد افتتاحي حيث أغنية للفنانة ليلى مراد على جهاز الفونوغراف، يغلق الباب في إشارة إلى رحيل الأسرة صاحبة البيت فتتوقف الأغنية وتتأرجح أيقونة العذراء على الباب، فيما كاميرا ذكية تتجول في منزل مسيحي جميل من إحدى أحياء مدينة حيفا الساحلية التي هجر سكانها عام 1948، ترصد الكاميرا التفاصيل الدقيقة، فطور صباحي ساخن، خزانة ملابس لم يسحب منها إلا القليل من القطع، صور شخصية كثيرة تُزيّن الجدران.

من دون كلام تضعنا الكاميرا في الحياة التي كانت في هذا البيت الوادع والدافئ أيضًا.

مباشرة يفتح جندي إسرائيلي الباب فتدخل العائلة التونسية، راشيل وموسى (هند صبري وأشرف برهوم) وطفلتهم الصغيرة، بالأمتعة البسيطة التي يحملانها، في محاولة لتأسيس حياة جديدة، ويذهلان بالبيت الذي منحهم إياه صديقهم اليهودي "داوود" الذي تغيّر اسمه ليكون "ديفييد"، مقابل مصاغ ذهبي.

ببغاء فلسطيني، تُشكّل كلماته العربيّة التي يرددها طوال الوقت، إزعاجًا مستمرًا للمستوطنين، يُذكّرهم دائمًا بأصحاب الدار الأصليين

ما لم يكن في الحسبان هو ببغاء فلسطيني (يعود لأصحاب البيت الأصليين) وكلماته العربية التي يرددها طوال الوقت ليشكل إزعاجًا مستمرًا لهم، يُذكّرهم دائمًا بأصحاب الدار الراحلين.

العائلة التونسية تقرر الإبقاء على الببغاء الأزرق ليكون وسيلة لإدخال الفرح على قلب طفلتهم "عزيزة"، لكن ما لم يتوقعاه هو أن يصبح كابوسهم اليومي بفعل كلماته العربية التي يرددها ليل نهار: "يا جماعة وينكم؟ نعيم... نعيم؟ "تلحسوا طيزي"، "بسرعة.. بسرعة.. بسرعة"، "يا تيتا.. اعطيني بوسه".

ولظروف التأقلم تقوم عائلة يهودية غربية بزيارة عائلة موسى، لكن نظرات العنصرية المقيته تجاه الطعام وطريقة الأكل والحديث لا تجعلان الأمر يبدو وديًا، تتصاعد المشكلة عندما يقوم الببغاء بعضِّ يد الطفل اليهودي الغربيّ لتسارع العائلة إلى مغادرة البيت بغضب شديد.

اقرأ/ي أيضًا: "فيلا توما".. الصراع في الفيلم وخارجه

يغضب موسى ويقرر رمي الببغاء الأزرق الكبير وقفصه في الشارع، عند الصباح تطل الطفلة "عزيزة" على الشارع لترى الطائر الذي لا يتوقف عن الحديث، وهو مرميٌّ في الشارع، وفي لحظة مرور مجموعة من الجنود اليهود ينطق كلمته الشعبية: "تلحسوا طيزي".

ينتهي الفيلم بالكوميديا التي تدفعك إلى الضحك كثيرًا، فيما يريك بمهارة أن محاولات المحو التام تفشل حتمًا، فمحاولات عائلة موسى وضع صورها مكان صور العائلة الفلسطينية تفشل، حيث تبقى على الحائط علامات البراويز الفلسطينية التي تدلل على أنها ليست الأصل، تحاول الزوجة مسح العلامات لكنّها تفشل.

كما أن الفيلم قدّم ببساطة، السلوك العنصري اليهودي الغربي، حيث اعترف "ديفيد" لصاحبه أن البيوت الجميلة في حيفا تُمنح للعائلات الغربية (إشكنازيم) القادمة من أوروبا.

وينتهي الفيلم البسيط في فكرته والعميق في دلالاته موضوعًا وإحالات بصرية، على إيقاع أغنية ليلى مراد "تبصلي كده ليه.. والمكر جوه عينيك". بخِفّة ومن دون وعظ أو مباشرة، يُقدّم فيلم ببغاء، الحكاية الأكثر وجعًا للفلسطيني منذ لحظة احتلال بلاده.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين والسينما المصرية.. حضور نادر

والمخرجة دارين سلام هي كاتبة ومخرجة أردنية، لها أربعة أفلام قصيرة حائزة على جوائز، من ضمنها الفيلمين القصيرين "لا زلت حيًا" و"الظلام في الخارج" اللذين عرضا في ركن الأفلام القصيرة في مهرجان كان في 2010 و2013.

أما أمجد الرشيد، مخرج ومنتج أردني، تم اختياره عام 2007 لحضور ملتقى برلين للمواهب، خلال الدورة الـ57 من مهرجان برلين السينمائي الدولي. أنتج خمسة أفلام قصيرة حصلت على جوائز. كما أخرج المسلسل الكوميدي الأردني «رانيا شو». 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الدراما الفلسطينية.. إخفاقاتها وآمالها

عن الأحلام التي تحفر لتحقق ذاتها

"رجل يعود".. عن المخيم المقبرة وانتحار البشر