01-ديسمبر-2023
أب يذرف الدموع على طفله الشهيد. الحرب على غزة

الترا فلسطين | فريق التحرير 

كشف تحقيق أجرته مجلة +972 وموقع سيحا مكوميت العبري، أن التفويض الموسع لجيش الاحتلال بقصف الأهداف غير العسكرية وتخفيف القيود المتعلقة بالخسائر المدنية المتوقعة، واستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد أهداف محتملة، أدت إلى حجم دمار هائل وأعداد ضحايا كبيرة في أوساط المدنيين في قطاع غزة

واستند التحقيق إلى محادثات مع سبعة أعضاء حاليين وسابقين في جماعة الاستخبارات الإسرائيلية، بمن في ذلك المخابرات العسكرية وأفراد سلاح الجو الذين شاركوا في العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر، إضافة إلى شهادات وبيانات ووثائق فلسطينية من قطاع غزة، إلى جانب تصريحات رسمية من المتحدث باسم جيش الاحتلال ومؤسسات الاحتلال الحكومية.

استهدف الاحتلال منازل المدنيين، واستخدم نظام الذكاء الاصطناعي لإلحاق أكبر ضرر ممكن في أوساط الغزيين.

وقال التحقيق إن العدوان على قطاع غزة شهد قيام جيش الاحتلال بتوسيع قصفه بشكل كبير لأهداف ليست "ذات طبيعة عسكرية واضحة"، وشملت مساكن خاصة إلى جانب المباني العامة والبنية التحتية والأبراج الشاهقة، التي يعرّفها الجيش على أنها "أهداف تنطوي على قوة"، بحسب المصادر، ووفقًا لجهات استخباراتية كانت لديها خبرة مباشرة في تنفيذ هذا النوع من القصف على غزة في الماضي، فإن قصف "أهداف تنطوي على قوة" يهدف بشكل أساس إلى الإضرار بالمجتمع المدني الفلسطيني، و"خلق صدمة" من شأنها أن تقود إلى ظهور واقع جديد "يدفع المدنيين إلى الضغط على حماس".

وكشفت المصادر أن في إحدى الحالات وافقت قيادة الجيش الإسرائيلية، وعن علم مسبق، على قتل مئات المدنيين في محاولة لاغتيال قائد عسكري كبير واحد من حماس، وقالت المصادر إن أرقام عشرات القتلى المدنيين، المسموح بهم، كأضرار جانبية كجزء من هجوم على مسؤول كبير في عمليات سابقة، "ارتفعت لتصل إلى مئات القتلى المدنيين كأضرار جانبية"، وذكر مصدر آخر أن الصواريخ التي أطلقها الاحتلال ليست عشوائية، مضيفًا أن "كل شيء مقصود، ونحن نعرف بالضبط حجم الأضرار الجانبية الموجودة في كل منزل". 

ومن الأسباب الاخرى التي سبب هذا العدد الهائل للشهداء والأضرار، بحسب المصادر، هو الاستخدام الواسع لنظام يسمى "هبسورا"، وهو نظام مبني إلى حدّ كبير على الذكاء الاصطناعي، ويمكنه تحديد الأهداف تلقائيًا تقريبًا بمعدل يتجاوز بكثير ما كان ممكنًا في السابق، ووصفه ضابط مخابرات سابق، قائلًا: "النظام يعني أننا أمام مشروع للاغتيال الجماعي".

وبحسب المصادر، فإن الاستخدام المتزايد للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي يسمح للجيش بتنفيذ غارات على المنازل السكنية التي يعيش فيها عضو واحد من حماس على نطاق واسع، "حتى لو كان من مقاتلي حماس فقط"، ومع ذلك، هاجم جيش الاحتلال العديد من المساكن الخاصة التي لم يكن فيها عضو معروف أو بارز في حماس أو لم تكن تقيم فيه المقاومة، وأكد التحقيق أن هذه الهجمات من الممكن أن تقتل عائلات بأكملها عن عمد.

وقال مصدر آخر، لمجلة +972 وموقع سيحا مكوميت، إن ضابط مخابرات كبير قال لضباطه إن الهدف هو "قتل أكبر عدد ممكن من نشطاء حماس"، وهذا يعني عمليًا تخفيف المعايير المتعلقة بإيذاء المدنيين الفلسطينيين بشكل كبير. 

: تصاعد الدخان من المباني بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية بعد انتهاء الهدنة الإنسانية في 01 ديسمبر/كانون الأول 2023 في رفح، غزة. (تصوير عبد الرحيم الخطيب
: تصاعد الدخان من المباني بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية بعد انتهاء الهدنة الإنسانية في 01 ديسمبر/كانون الأول 2023 في رفح، غزة. (تصوير عبد الرحيم الخطيب)>

أهداف الاحتلال

وفقاً للمصادر التي تحدثت إلى مجلة +972 وموقع سيحا مكوميت، تم تقسيم الأهداف التي قصفتها طائرات الاحتلال في غزة إلى أربع فئات؛ الأولى هي "الأهداف التكتيكية"، التي تشمل الأهداف العسكرية القياسية مثل الخلايا المسلحة، ومستودعات الأسلحة، وقاذفات الصواريخ، وقاذفات الصواريخ المضادة للدبابات، أنفاق الإطلاق، وقنابل الهاون، والمقرات العسكرية، ومراكز المراقبة، وغيرها.

والثانية هي "أهداف تحت الأرض"، وهي بشكل أساس الأنفاق التي حفرتها حماس تحت أحياء غزة، بما في ذلك تحت منازل المدنيين، حسب ادعائهم.

والثالثة هي "أهداف تنطوي على قوة"، والتي تشمل المباني الشاهقة والأبراج السكنية في قلب المدن، والمباني العامة مثل الجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية، ويهدف الاحتلال من ضربها أن تدفع بالفلسطينيين إلى "الضغط مدنيًا" على حماس.

والفئة الرابعة تتألف من "منازل العائلات" أو "منازل الناشطين"، والغرض المعلن من هذه الهجمات هو تدمير المساكن الخاصة من أجل اغتيال أحد السكان المشتبه به بأنه "ناشط في حماس أو الجهاد الإسلامي"، إلا أن شهادات المواطنين، بحسب ما نقله التحقيق أكدت أن بعض العائلات التي استشهدت لم يكن من بينها أي مقاومين مسلحين.

عشرات العائلات فقدت جميع أفرادها في عدوان الاحتلال على قطاع غزة.
عشرات العائلات فقدت جميع أفرادها في عدوان الاحتلال على قطاع غزة.

وبحسب التحقيق فإنه خلال المرحلة الأولى من الحرب على غزة أولى الاحتلال اهتمامه للفئتين الثالثة والرابعة، و أخبرت مصادر استخباراتية كلا من مجلة +972 وموقع سيحا مكوميت بأن الأهداف العسكرية التي كانت جزءًا من "أهداف تنطوي على قوة" قد استخدمت عدة مرات كذريعة لإيذاء المدنيين.

وبحسب أقوال ضباط سابقين في المخابرات الإسرائيلية، نقلها التحقيق، فإنه في كثير من الحالات التي يتم فيها تفجير مسكن خاص، يكون الهدف هو "اغتيال أفراد حماس أو الجهاد"، ويتم مهاجمة هذه الأهداف عندما يدخل المقاوم إلى المنزل، وتؤكد المصادر أن باحثي الاستخبارات  يعرفون ما إذا كان أفراد عائلة الهدف أو جيرانه قد يموتون أيضًا في الهجوم، وهي منازل خاصة لا يتم فيه القيام بأي عمل عسكري.

ووفقًا للمتحدث باسم جيش الاحتلال، فإنه خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، قصفت طائرات الاحتلال ما مجموعه 15,000 هدف في غزة، وهو رقم مرتفع مقارنة مع الحروب السابقة التي شنها الاحتلال على القطاع.

ويؤكد التحقيق أن هذا يعود لاستخدام نظام الذكاء الاصطناعي "هبسورا"، الذي يقدم توصيات تلقائية لمهاجمة المساكن الخاصة التي يعيش فيها أشخاص يشتبه في أنهم من حماس أو الجهاد الإسلامي، ثم ينفذ الاحتلال عمليات اغتيال واسعة النطاق من خلال القصف العنيف لهذه المنازل السكنية، التي تكون في معظمها بحسب التقرير إما لـ"مقاتلي حماس الصغار"، أو في كثير من الأحيان منازل ليس فيها أي "ناشط في المقاومة الفلسطينية المسلحة".