الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير
كشف تحقيقٌ نشرته مجلّة عبرية عن أنّ السلطات الإسرائيلية تحقن النّساء البدويات في النقب بمانع الحمل "ديبو بروفيرا/ Depo-Provera" بنسب أعلى بكثير مقارنة بغيرهن من النساء في المجتمع الإسرائيليّ، وذلك دون تقديم إيّ إيضاحات لهنّ عن خطورة آثاره الجانبيّة.
يتم حقن النساء البدويات في النقب بهذه الإبر، بنسب أعلى مقارنة بنساء المجتمعات الأخرى في "إسرائيل"، ودون أي توضيح للآثار الجانبية الخطيرة
والتحقيق الذي نشرته "مجلة ليبرال" العبرية، يوم الأربعاء (21 أيلول/ سبتمبر) وأعدّته "عيدن سولومان" الصحفية والمحامية والناشطة النسوية، حمل عنوان: "التمييز الوقائي"، تناول كيف أن حقنة "Depo-Provera" التي تستخدم أيضًا للسيطرة على الولادة، جرى استخدامها في الماضي لمنع النساء الأثيوبيات من الحمل في "إسرائيل" دون علمهن، لكن ذلك توقّف قبل نحو عقد من الزمن بعد أن فضح تحقيق صحفي الأمر، غير أنه تبيّن أن هذه الحقنة تعطى لنساء البدو، وبمعدّل مرتفع بشكل ملحوظ، دون تفسير للعواقب، وذلك انطلاقًا من تصوّرات متعالية ومستخفة.
وجاء في تحقيق المجلة العبرية، أنه وقبل عشر سنوات، سادت "إسرائيل" حالة اضطراب، عندما أصبح من الواضح أن المؤسسة الطبية الإسرائيليّة تتبنى سياسة "تقييد الولادة" بين النساء اللواتي تم جلبهنّ من إثيوبيا، وذلك بوساطة حُقن "Depo-Provera" وسيلة منع الحمل التي تمنح الأطباء إمكانيّة السيطرة على خصوبة المرأة. وفي حينه نشرت الصحفية الإسرائيلية "غال غاباي" أن ضغوطًا تمارس على النساء في المخيمات المؤقتة في إثيوبيا قبل جلبهن لـ "إسرائيل" أو بعد وصولهن إليها، لتلقي الحقنة دون إعطائهن معلومات عن الآثار الجانبية، والتدابير البديلة، كما تم تهديدهن بعدم حصولهن على إذن بالهجرة إذا لم يوافقن على تلقي الحقنة.
وعقب التحقيق الذي نشر سابقًا، أمر مدير عام وزارة الصحة الإسرائيلية في حينه البروفيسور روني جامزو، الأطباء بتجديد الوصفات الطبية للحقن فقط، بعد محادثة يتم فيها شرح الآثار الجانبية للحقنة مقارنة بوسائل منع الحمل الأخرى. وفي أعقاب دعوى قضائية جماعية ضد ثلاثة من الصناديق الصحية التي تقدم الخدمات الطبية واستخدمت الحقن، أمر جمزو بالتوقّف عن تجديد وصفات "Depo-Provera" للنساء من أصل إثيوبي، أو للنساء اللواتي يشعرن بالقلق من أنهن لن يفهمن التفسيرات والعواقب.
أثبت التحقيق الذي نشرته المجلة الإسرائيليّة أن النساء البدويات هنَّ المستهدفات بهذه الحقنة، على الرغم من أن الأمر هُنا لا يتعلق بتنظيم الولادة، على مستوى الدولة أو بمعرفة وزارة الصحة
وبحسب ما أورده التحقيق الجديد لمجلة "ليبرال"، فإنّه وعلى الرغم من التحقيقات التي تطرّقت لما حدث قبل سنوات حول هذه الحقنة، إلا أن المدير العام لوزارة الصحة صرّح بأنه لن يتم استخدامها على السكان الذين لا يمكن شرح العواقب لهم، إلا أنه يتم إعطاء الدواء حاليًا، وبمعدل أعلى بكثير، للنساء البدويات مقارنة ببقية النساء في المجتمع الإسرائيلي، دون شرح العواقب لهنّ أو تقديم خيارات أخرى، وفي بعض الحالات أيضًا لأقليات أخرى في "إسرائيل" مثل العمالة المهاجرة.
وأثبت التحقيق الذي نشرته المجلة الإسرائيليّة أن النساء البدويات هنَّ المستهدفات بهذه الحقنة، على الرغم من أن الأمر هُنا لا يتعلق بتنظيم الولادة، على مستوى الدولة أو بمعرفة وزارة الصحة. والبيانات التي حصل عليها معد التحقيق بالتعاون مع المحامي، إيلاد مان، من جمعية هتسلاحا، استنادًا لحرية الوصول للمعلومات، وكخلاصة للعديد من المقابلات التي تم إجراؤها، تُظهر أن ما يحدث ليس من قبيل المصادفة؛ فبشكل دائم، تتلقى النساء من المجتمع البدوي الحقنة بمعدل أكثر من أي مجموعة سكانية أخرى في "إسرائيل".
"آثار جانبيّة خطيرة"
وتحت هذا العنوان الفرعيّ كما جاء في تحقيق المجلة العبرية "ليبرال"، تبيّن أن دواء منع الحمل عن طريق الحقن "Depo-Provera" مخصصٌ للاستخدام بشكل أساسي في المواقف التي يتوفّر فيها مبرر طبي مناسب، ويكون من المستحيل استخدام وسائل منع حمل أخرى، خاصة مثل حبوب منع الحمل، وأيضًا الأجهزة التي تم وضعها داخل الرحم بمختلف أنواعها.
دواء منع الحمل عن طريق الحقن "Depo-Provera" مخصصٌ للاستخدام بشكل أساسي في المواقف التي يتوفّر فيها مبرر طبي مناسب، ويكون من المستحيل استخدام وسائل منع حمل أخرى، خاصة مثل حبوب منع الحمل، وأيضًا الأجهزة التي تم وضعها داخل الرحم بمختلف أنواعها
و"Depo-Provera" هو علاج هرمونيّ يعتمد على مادة "بروجيستين: Progestin" التي يتم حقنها في العضلات ويتم إطلاقها ببطء، ما يؤخر التبويض في الرحم لمدة ثلاثة أشهر، وتعتبر فعالية الدواء في منع الحمل عالية (99 في المئة)، ولكن بالطبع ليس في الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا، ويُعطى الدواء فقط بوصفة طبيب، ولكن يمكن حقنه بوساطة ممرضة في أي عيادة.
ومضت معدّة التحقيق في سرد الآثار الجانبية للحقنة بالقول إنه في مرحلة التجربة السريرية للحقنة، تم اختبارها على حوالي 13 ألف امرأة فقيرة في الولايات المتحدة، نصفهن من السود، ولم يقدمن موافقة واعية على المشاركة في التجربة كما هو مطلوب ولم يتم إبلاغهن بالآثار الجانبية. ونتيجة لمشاركتهن في التجربة أصيب بعضهن بالمرض وسُجلت بعض الوفيات، كما أن مدراء الدراسة لم يبلغوا عن الآثار الجانبية الشديدة التي عانى منها بعض المشاركين، ولم يتم اكتشاف المعلومات إلا بعد أن تمكنت منظمة صحة النساء السود (BWHR) من تحديد موقع بعضهن واكتشفت بأنهن مصابات بأنواع مختلفة من السرطان والاكتئاب السريري وأكثر من ذلك.
"بالكاد نظر إليّ"
واختارت معدة التحقيق جملة "بالكاد نظر إليّ" التي اقتبستها من شهادة إحدى النساء البدويات لتصوير عنصرية طبيب إسرائيلي وصف الحقنة لها.
وأشارت في تحقيقها إلى أنه ومنذ أن تم تسويق الحقنة رسميًا عام 1992، تم استخدامها على نطاق واسع في مختلف بؤر الضائقة في العالم الثالث. وفي كانون ثان/ يناير 2008، كشف الصحفي "داني أدينو أبابا" من صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن انخفاض كبير في عدد المواليد بين المهاجرين الإثيوبيين، وأن هذا مرتبط بزيادة استخدام "Depo-Provera".
وزعم وزير الصحة الإسرائيلي آنذاك، يعقوب بن يزاري، ردًا على سؤال عضو الكنيست أوفير باينز باز، بأن استخدام هذا الدواء شائع جدًا في إثيوبيا، وترغب النساء بمواصلة استخدامه في "إسرائيل".
وعمليًا تبيّن أن مزاعم الوزير الإسرائيلي غير صحيحة. وأظهر فحص أجراه مركز المعلومات ودراسة الكنيست أن حقن "Depo-Provera" ليست أكثر وسائل منع الحمل شيوعًا بين النساء في إثيوبيا.
قالت سيدة من تجمع بدوي في النقب، تلقّت الحقنة مؤخرًا، إنها "ذهبت إلى طبيب أمراض النساء، الذي بالكاد نظر إليّ. لقد راجع سجلي الطبي، وقال إنه يعتقد أنني بحاجة إلى الراحة قليلًا من حالات الحمل، وكتب لي وصفة طبية للحصول على الحقنة. ولم يقل أي شيء عن الأخطار وعاملني بهذا الازدراء وكأن حملي كان عدوًا"
ورغم ذلك، كشف تحقيق "ليبرال" الذي نشر هذا الأسبوع، أن الوصفات الطبية للحقن ما تزال تُعطى للنساء اللواتي لا يفهمن تمامًا العواقب، ولا يتلقين معلومات حول العواقب. وقالت سيدة من تجمع بدوي في النقب، تلقّت الحقنة مؤخرًا، إنها "ذهبت إلى طبيب أمراض النساء، الذي بالكاد نظر إليّ. لقد راجع سجلي الطبي، وقال إنه يعتقد أنني بحاجة إلى الراحة قليلًا من حالات الحمل، وكتب لي وصفة طبية للحصول على الحقنة. ولم يقل أي شيء عن الأخطار وعاملني بهذا الازدراء وكأن حملي كان عدوًا". مضيفة "أنّ أحدًا لم يخبرها بأي شيء عن الآثار الجانبية".
قصة مماثلة ترويها أسماء، وهي أيضًا من سكان التجمعات البدوية. تقول إنها ذهبت إلى طبيب أمراض النساء الذي ضغط عليها للحصول على الحقنة، وصارت تأخذها كل ثلاثة أشهر، وتشير إلى أنها لم تكن تعلم "ما يمكن أن يفعله بها العقار، وكانت هناك آثار جانبية غير سارة. اعتقدت أنني كنت مخطئًة، والآن أفهم أنه بسبب الدواء، الذي لم أفكر حتى في تناوله من تلقاء نفسي".
وتوجهت معدّة التحقيق للطبيبة النسائية لبنى الزعبي التي درست في إيطاليا، وأكملت فترة تدريب في مستشفى سوروكا ببئر السبع، وتعمل في صندوق "كلاليت" الصحي في المنطقة الجنوبية منذ 2007، بسؤالها: تحقن النساء البدويات بـ Dafo-Provera أكثر من أي مجموعة سكانية أخرى في "إسرائيل"، هل يمكنك أن تشرحي لماذا؟ فأجابت: "أنا أعمل مع الوسط البدوي منذ سنوات عديدة. ومما رأيته، معظم الأطباء في الوسط البدوي لا يشرحون ماهية حقن "Depo-Provera" وما هي الآثار الجانبية، لأن الأسهل إعطاء الحقنة بدل بدء الشرح حول الحبوب والملصقات والجهاز وما إلى ذلك من موانع الحمل. هذا ما أراه في الميدان".
وبحسب معدّة التحقيق، فإنه وقبل أربع سنوات، ناقشت لجنة القضاء على العنصرية والتمييز التي أنشأتها الحكومة الإسرائيلية، ملف حقن النساء الاثيوبيات بـ "Depo-Provera". وقالت نيهيا داود، أستاذة الصحة العامة في جامعة "بن غوريون" التي كانت عضوة في اللجنة، "إنه كانت هناك تصريحات داخل اللجنة بشأن إعطاء الحقن لنساء فلسطينيات في إسرائيل، لكن لم يكن هناك دليل".