15-يناير-2024
getty images

جندي إسرائيلي في غلاف غزة - Getty Images

الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير

كشف تحقيق نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن أنّ "حالة صدمة" سيطرت على مقرّ القيادة المركزية لجيش الاحتلال الإسرائيلي لحظة إدراكهم أن "فرقة غزة" المكلفة بحصار قطاع غزة هُزمت في السّاعات الأولى من عمليّة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب القسام يوم 7 أكتوبر.

تحقيق يكشف عن "مؤشرات مقلقة" تلقّتها أجهزة الأمن الإسرائيلية قبيل تنفيذ المقاومة الفلسطينية في غزة لهجوم 7 أكتوبر، والإجراءات التي جرى اتباعها، ولحظة إبلاغ نتنياهو، وعن الساعات التالية، حيث الارتباك والضبابية

وأكّد تحقيق الصحيفة العبرية صدور أوامر للجيش في 7 أكتوبر، تقضي بتوجيه "جميع الوحدات القتالية بأي ثمن" لاستخدام "إجراء هانيبال"، الذي يسمح لهم بالقضاء على الخلايا التي تحتجز أسرى إسرائيليين. وقد أدّى هذا الأمر إلى استهداف أكثر من 70 مركبة باستخدام المروحيات وقذائف الدبابات والغارات الجوية الإسرائيلية.

وجاء في تحقيق الصحيفة أنه في ليلة 7 أكتوبر، وعندما كانت حماس تضع اللمسات الأخيرة على الهجوم المخطط له في صباح اليوم التالي، قام كبار أعضاء الشاباك والجيش الإسرائيلي بإجراء محادثات، والسبب الرئيس لهذه المحادثات هو أنه وبعد منتصف الليل بقليل، تلقّت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بعض المؤشرات التي اعتبرت "مهمّة"، غير أن المشكلة في هذه المؤشّرات أنّ أيًا منها لم يُشكّل تحذيرًا واضحًا يؤكّد نيّة حماس شنّ حرب، الأمر الذي أحال لاعتبارها استعدادات لتنفيذ مناورة تحاكي انخراطًا مفاجئًا في معركة.

وأثار تراكم المؤشرات "قلق" قيادات أمنية وعسكرية إسرائيلية، ما دفع قادة الجيش والشاباك إلى التشاور، وبالفعل وصل رئيس الشاباك رونين بار بنفسه إلى مقرّ الجهاز، وقطع قائد القيادة الجنوبية إجازة نهاية الأسبوع وبدأ التوجّه جنوبًا، وفي حوالي الساعة 4:30 صباحًا، أمر رئيس "الشاباك" وحدة تيكيلا (القوة الخاصة بجهاز الشاباك) بالتوجّه جنوبًا، بهدف مواجهة سيناريو تسلل عدد قليل من الخلايا الفلسطينية عبر فتحة أو اثنتين بهدف قتل أو اختطاف مدنيين وجنود إسرائيليين. ومع ذلك، ورغم هذه المخاوف إلّا أن مسؤولًا استخباريًا كبيرًا صرّح في السّاعة 03:10: "ما زلنا هناك، ومن المُسلّم به أن وجهة يحيى السنوار ليست نحو التصعيد".

تراكمت الإشارات المقلقة القادمة من غزة، غير أن مسؤولين في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي طلبوا عدم اتخاذ خطوات "صاخبة"، وكان هناك تسليم بأن يحيى السنوار لا يعتزم التصعيد

وبحسب صحيفة "يديعوت" فإنّ "المؤشّرات" التي توفّرت حينها أثارت قلق قائد فرقة غزة، المسؤول عن الخط الأمامي على الحدود مع قطاع غزة. وقد قرر العميد آفي روزنفيلد، الذي كان القائد المناوب في قيادة كتيبة غزة نهاية ذلك الأسبوع، استدعاء كبار قادته، بما في ذلك قادة اللواءين الإقليميين الشماليين، وضابط هندسة الفرقة، وغيرهم إلى مقر قيادتهم، وبعد إبلاغهم بـ "الأنباء السيئة" بدأوا اتّخاذ خطوات "لزيادة اليقظة على الحدود."

ووفقًا لرواية العديد من كبار المسؤولين العسكريين في القيادة الجنوبية، خطط قائد الفرقة وضباطه لاتخاذ إجراءات إضافية لزيادة يقظة المواقع العسكرية التابعة لفرقة غزة المنتشرة على طول الحدود، وبالقرب من المستوطنات التي من المفترض أن تحميها. لكن بسبب المعلومات التي بفضلها نشأت حالة القلق في المقام الأول، طلب منهم مسؤولون في هيئة الأركان العامة عدم اتّخاذ خطوات "صاخبة".

في المقابل، تقول مصادر أخرى في الجيش إن قيادة أركان "فرقة غزة" كان بإمكانها اتخاذ خطوات لم يكن من الممكن أن يرصدها الجانب الآخر في قطاع غزة.

وبحسب ما أوردته الصحيفة العبرية، جرى استدعاء رئيس الساحة الجنوبية على وجه السرعة في شعبة العمليات بالجيش الإسرائيلي، وكان هناك ضابط كبير لديه سلطة إصدار أوامر مهمّة. وعند حوالي الساعة الرابعة صباحًا، أصدر هذا الضابط تعليماته إلى سلاح الجو بزيادة درجة استنفار الطائرات بدون طيار من طراز "زيك"، إلا أنها كانت غير مسلحة، وتعمل لأغراض المراقبة فقط، وهذه الخطوة أثارت أيضًا مخاوف بشأن عملية اجتياح وشيكة قد تنفذها حماس.

واستمرت "العلامات المثيرة للقلق" بحسب الصحيفة، في التراكم، ووفي النهاية، وقبل دقائق قليلة من السادسة والنصف صباحًا، تقرر في المحادثات الهاتفية بين "الشاباك" والجيش الإسرائيلي الاتصال بالهاتف المشفّر للسكرتير العسكري لرئيس الوزراء، اللواء آفي غيل، لاطلاعه على التطورات واقتراح إيقاظ رئيس الوزراء.

وقال غيل لمسؤول المخابرات الذي كان يتحدث معه، إنه سيتصل بنتنياهو على الفور، ولكن بينما كان الاثنان يتحدّثان، بدأت صافرات الإنذار تدوي في جميع أنحاء "إسرائيل". وكانت الساعة في الجيش تشير حينها إلى 6:26. وقدّر غيل ورئيس المخابرات "الشاباك" أنه في مثل هذا الوقت، وفي ضوء مثل هذا الهجوم، فإن من المناسب إبلاغ نتنياهو.

في تلك اللحظات، لم يكن أحد يعرف إلى أي مدى هذا الهجوم مختلف، لكن إطلاق حماس آلاف الصواريخ، يعني أنّها تتوقع ردًا إسرائيليًا، وقد جرى إبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما يحدث أثناء انطلاق صفارات الإنذار، وتقرر أن يحضُر إلى مركز القيادة المركزية للجيش على الفور.

عندما لا تعرف بالضبط ماذا يحدث.. ستدفع ثمنًا باهظًا

أحد ضبّاط هيئة الأركان في جيش الاحتلال وصف تلك المرحلة بالقول: "كانت الساعات التالية الأكثر أهمية، مرتبكة للغاية، ومحاطة بضباب المعركة ونقص المعلومات". وتنقل الصحيفة العبرية عن مسؤول كبير يتعامل مع المعلومات الاستخبارية المتدفقة إلى مقرّ قيادة الجيش الإسرائيلي الذي أصدر أمرًا فوريًا تقريبًا للعديد من القوات بالانطلاق: "عندما لا تعرف بالضبط إلى أين ترسلهم وبأي معدات، وأين، وماذا يريدون، وحجم العدو الذي سيواجهون، محكومٌ عليك أن تدفع ثمنًا باهظًا مقابل حالة العمى التي أصابتك".

وأضاف الضابط الإسرائيلي الحقيقة أنه لم يكن أحد في مقرّ قيادة الجيش المركزية يعرف شيئًا. ولهذا السبب سادت صدمة تامة عندما قال ضابط كبير ثلاث كلمات لم يُسمع مثلها هنا منذ يوم الغفران: "لقد هزمت فرقة غزة". وحينها خيّم الصمت على الغرفة المليئة بالتكنولوجيا والشاشات الوامضة العملاقة.

ويقول أحد من سمعوا هذه الكلمات: "لا تزال هذه الكلمات تصيبني بالقشعريرة؛ إنه أمر لا يمكن تصوّره، إنها مثل وقع كلمة سقوط البلدة القديمة من القدس بيد الجيش الأردني في حرب التحرير أو المواقع العسكرية في قناة السويس في يوم الغفران. كُنّا نظن أنه لا يمكن أن يحدث مثل هذا مرة أخرى. وسيبقى كالحروق على لحمنا إلى الأبد".

وكشف التحقيق الذي أجرته الصحيفة العبرية أن هذه الأحداث كانت أكثر مراحل الحرب صعوبة، وأكثرها إحراجًا وإثارة للغضب في الجيش. خصوصا عند العلم بأن نظام المراقبة والضبط والسيطرة في مقر قيادة الجيش المركزية في هيئة الأركان في تل أبيب فشل تمامًا، وأصيب بحالة عمى، وانهارت منظومة التواصل، الأمر الذي دفع لإصدار تعليمات بفتح النار على سيارات المقاومين المنسحبين من مستوطنات غلاف غزة باتجاه القطاع، وهو ما عنى نسخة جديدة من إجراء "هانيبال" الذي يطبّقه جيش الاحتلال لحظة اكتشاف وقوع جندي في الأسر من قبل قوات معادية.

يسمح إجراء "هانيبال" باستخدام الأسلحة الثقيلة في حالة أسر أي جندي إسرائيلي لمنع الآسرين من الانسحاب حاملين معهم الجندي الأسير، حتى ولو شكّل ذلك خطرًا على حياة الجندي 

ووفق تحقيق "يديعوت" فإنه وبسبب غياب الاتصالات اضطر ضبّاط الجيش لاستدعاء وتوجيه الدعم الجوي بواسطة استخدام الهواتف الخلوية التابعة للمدنيين، وأرسلت وحدة الطوارئ الجنود إلى الميدان حاملين بنادق بدون مناظير التوجيه، ودون ارتداء السترات الواقية من الرصاص، وقد حملوا معهم تعليمات عسكرية، كما أن الطائرات المقاتلة كانت تتجول في الهواء لهجوم دون توجيه، وحتى أن من يُشغّلون الطائرات المسيرة اضطروا للدخول إلى مجموعات واتساب خاصة بـ "كيبوتسات" محيطة بغلاف غزة، للحصول على أهداف من المعلومات التي يتداولها الإسرائيليون الذين حاصرهم مقاتلو كتائب القسام.

وخلص التحقيق إلى أنّ دورة من الفوضى والجنون والارتجال والإهمال، سادت السّاعات الأولى من هجوم 7 أكتوبر، وعلى هذا النحو تمّت إدارة الأمور.