25-يوليو-2017

صورة من أحد مقاهي البلدة القديمة في الخليل.

تجسست "الهاغاناة" على مقاهي عربية في مدينة حيفا، قبل النكبة، وكان الهدف تحديد هويات أشخاص يمكن ابتزازهم، وجمع معلومات هامة عن القرى الفلسطينية، وطبيعة النشاطات في هذه المقاهي. هذا جزءٌ مما ورد في تقرير نشرته مدونة "المكتبة القومية الإسرائيلية"، بعنوان: "هكذا تجسست الهاغاناة على مقاهي عربية في حيفا"، وتضمن معلومات استخبارية تعود إلى عام 1941.

معد التقرير أليشة بسكين يقول، إنه خلال زيارته الأخيرة في أرشيف "الهاغاناة" بحثًا عن وثائق ومعطيات حول القرى الفلسطينية في منطقة قيساريا قبل عام 1948، عثر بين مئات ملفات القرى التي أعدها رجال "شاي" (جهاز مخابرات الهاغاناة) خلال عقد الأربعينات من القرن الماضي، على وثائق تتضمن معلومات جغرافية وديمغرافية حول كل قرية.

الجوالة خلال تنفيذ مهمة في قرية القبب، 1947. أرشيف الهاجاناة

شارك في إعداد "ملفات القرى" جوالة من "البلماخ"، وهي قوة الصاعقة التابعة لـ"الهاغاناة" وشرطة المستوطنات العبرية، التي أسسها الاحتلال البريطاني، وكان معظم عناصرها أعضاء في "الهاغاناة".

عصابات "الهاغاناة" المنظمة تجسست على المقاهي الفلسطينية قبل النكبة، وكان الهدف ابتزاز ملّاك بعضها، ورصد نشاطات أخرى

وتضمنت "ملفات القرى" الكثير من المعلومات الاستخبارية ذات الاستخدام العملياتي. يقول التقرير، إن 30 قرية من بين القرى التي جرى إعداد ملفات لها ظلت قائمة بعد تطهير فلسطين عرقيًا عام 1948، وقد تم إعداد خرائط لهيكليات القرى، وتحديد أماكن العبادة وعقد الاجتماعات، وحتى أصناف المزروعات أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: السفاحون: هكذا نفذنا مجزرة دير ياسين

ويبين معد التقرير، أنه لم يتوقع العثور على كلمة مقاهي في ملفات التجسس، لأنه لم يتوقع أن يكون المقهى بؤرة لجمع المعلومات الاستخبارية، مضيفًا "لم يكن بمقدوري تجاهل القائمة الطويلة التي وقعت تحت ناظري تحت عنوان: المقاهي العربية في حيفا وملاكها عام 1941".

وتتضمن القائمة 70 مقهى، وهو رقم غير معقول بالنسبة لمدينة صغيرة في تلك الحقبة. وصنف عملاء مخابرات "الهاغاناة" مقاهي حيفا إلى ثلاثة أنواع:

- مقاهي "أ"، وهي التي تشكل مكان تجمع نشطاء سياسيين في الحاضر أو المستقبل القريب.

- مقاهي "ب"،  يتجمع فيها نشطاء مستواهم أقل من الذي يلتقون في مقاهي "أ".

- مقاهي "ج"، يتجمع فيها رجال نشطوا خلال الثورات السابقة، وسينشطون في حال سادت أجواء متوترة مجددًا.

في هذه القائمة، تم تدوين أسماء المقاهي، وملاكها، وأديانهم، وعناوينهم، والنشاطات التي تُعقد في المقاهي. وتضمنت الملفات إشارات من قبيل: "مقهى يضم أيضًا بيت دعارة"، "مقهى يجتمع فيه سكان وادي الصليب غير الهادئة"، "مقهى يرتاده الكثير من رجال الشرطة الانتدابية"، "مقهى  يتحول في المساء إلى منتدى تلقى فيه المواعظ، ويُعزف فيه الكمان والغناء للتمويه". كما أوضحت التقارير أيضًا إن كانت هذه المقاهي تبيع الكحول أو لا تبيعها.

"الهاغاناة" تجسست على ملاك المقاهي في حيفا وحياتهم الخاصة، وبحثت عن وسائل لابتزازهم، وقسّمت المقاهي إلى ثلاثة أصناف

وتجيب التقارير على تساؤلات خاصة حول ملاّك المقاهي، مثل علاقاتهم الشخصية، وحالاتهم الاجتماعية. ومن الأمثلة على ذلك: "مالك أحد المقاهي تزوج من يهودية تنصرت". وتبحث أيضًا هذه التقارير فيما إذا كان لمالكي المقاهي سجل جنائي، وتكشف عن أن مالك أحد هذه المقاهي كان يستغل علاقاته لشراء السلاح.

ويعلق بسكين معد التقرير قائلًا: "من الغريب والمثير أن يكرس رجال الهاغاناة المشغولين جدًا وقتهم للتجسس على المقاهي". ويتساءل: "كيف اقترب أعضاء الهاغاناة اليهود من الشارع العربي في حيفا لحد مكنهم من جمع معلومات مفصلة؟".

ويشير بسكين إلى أن المعلومات التي جمعتها المنظمات الصهيونية حول السكان العرب في البلاد بهدف فرض السيطرة والاحتلال؛ صارت في أحيان كثيرة هي  الشظايا الوحيدة التي تشير إلى الحياة هنا قبل النكبة.

 مقطع من وثيقة وصفت وضع أحد ملاك المقاهي الاقتصادي بأنّه غير جيد، ومستعد أن يفعل أي شيء في سبيل المال

قائمة أسماء المقاهي أعدها نشطاء وجواسيس القسم العربي في "شاي"،  وقد عمل لصالحهم عملاء عرب خضعوا للابتزاز، وفق كاتب التقرير، الذي أشار إلى أن ملف كل مقهى كان يتضمن إن كان يملك تصريحًا ببيع الخمور أم لا، وفي حال بيع المقهى للخمور دون تصريح، فإن ذلك كان يشكل منطلقًا لابتزاز مالك المقهى.

مقهى في حيفا بين عامي 1900 - 1920

وأورد التقرير أسماء بعض المقاهي التي رصدتها قائمة "الهاغاناة" في حيفا، ومنها: 

- مقهى في شارع البوابة الشرقية، بيت حسن الدين: صاحب المقهى، نايف جلياني، مسلم، ومن أوائل المؤيدين للشيخ القسام، يشكل المقهى مركزًا لوعظ العرب. لا يوجد فيه مشروبات روحية.

- مقهى في شارع الجرينة، بيت مجدلاني: صاحب المقهى، نايف صفدي، مسلم. كان المقهى أثناء فترات الاضطرابات مقرًا للاختباء، وملاذًا للمسلحين. لا يقدم المقهى مشروبات روحية.

​- مقهى ومطعم في ساحة الحمرا، مبنى الكنيسة المارونية: صاحب المقهى: أندراوس حنا أيوب، مسيحي. في فترة الاضطرابات كان المقهى ملتقى دائمًا للإرهابيين في النهار. لا يقدم المقهى مشروبات كحولية.

- مقهى في شارع الأنبياء، بيت أبو فيصل: صاحب المقهى، طنوس الياس زاهر، مسيحي. المكان يستخدم لتهريب الحشيش، الأفيون وأيضًا السلاح. لا يوجد في المقهى (ولا في المطعم) مشروبات روحية.


اقرأ/ي أيضًا: 

كيف اخترقت "حسناوات حماس" هواتف جنود الاحتلال؟

"الجواسيس داخلنا".. كيف تجسس السوفييت على إسرائيل؟

لماذا فشلت استخبارات إسرائيل في كشف منفذ حلميش؟