حرَّقت وزارة التربية والتعليم أعصاب طلاب وطالبات "التوجيهي"، وقلوب عوائلهم، في الوقت الذي غيّرت فيه نظام التوجيهي لتخفيف التوتر الذي يحدث على مدى العام. بدت الوزارة كأنها جمّعت توتر العام بأكمله من أجل توزيعه في يوم النتائج!
في العام الدراسي الماضي (2015 – 2016) أعلنت وزارة التربية نتائج التوجيهي على أساس أرقام الجلوس بدون أسماء، قالت إن الأمر هدفه الحفاظ على خصوصية الطلاب. وفي هذا العام، منعت الوزارة نشر النتائج كليًا في الجرائد، ومنحتها لشركة "جوال" بشكل حصري، حتى كانت هذه الأخيرة صاحبة "الإنجاز" الأكبر في امتحان "الإنجاز" لهذا العام.
سقط موقع الوزارة الخاص بنتائج "التوجيهي" منذ اللحظة الأولى، وأخذت جوال تحسب أرباحها من احتكار النتائج
كنا في "ألترا فلسطين" قد اتصلنا بوزارة التربية للحصول على تعقيب حول احتكار "جوال" لحق الطلاب في الحصول على النتائج، فكان الرد بأن للوزارة موقعًا إلكترونيًا ستُعلن من خلاله النتائج، وهذا يكسر الاحتكار. في يوم النتائج، سقط موقع الوزارة منذ اللحظة الأولى، وتُرك لـ"جوال" الاستفراد بالطلاب، ومن لم يسجلوا منهم في خدمة جوال، لأنهم رفضوا منح "جوال" حق الوصول إلى جيوبهم لتسجيل أرباحٍ خيالية، ظلوا لساعات معلّقين بين الرسوب والنجاح.
اقرأ/ي أيضًا: بالتل والحكومة تديران ظهرهما للمحتجين.. التصعيد قادم
حددت "جوال" سعر الرسالة للحصول على نتيجة "التوجيهي" بـ0.19 شيكل، غير شامل لضريبة القيمة المضافة. هذا بالنسبة لمشتركيها، أما في حالة التجوال، فقد بلغت قيمة الرسالة 5 شواكل دون ضريبة القيمة المضافة، وعدد المتقدمين للامتحان، حسب وزارة التربية والتعليم، بلغ 71.237 طالب وطالبة. وبالتأكيد لن نستطيع معرفة المبلغ الدقيق، كوننا لا نعرف عدد المسجلين في هذه (الخدمة)، لكنه بالتأكيد لن يقل عن الثلثين، في أسوأ الأحوال، خاصة بعد سقوط الموقع.
وعلى أي حال، ليست مشكلتنا الوحيدة في هذه المناسبة مع تحقيق "جوال" وأمها "بالتل" أرباحًا خيالية من حاجاتنا الأساسية، فهي تفعل ذلك دائمًا وفي كل الظروف، وتحصل على مباركة السلطة الفلسطينية؛ بل وحمايتها لها من أي احتجاجات. فهناك مشكلة أخرى تتمثل في مبدأ الاحتكار، أن تحتكر "جوال" حق 71.237 ألف طالب وطالبة في الحصول على نتائجهم، وبالتنسيق مع الحكومة.
لقد بدا الأمر ملعوبًا بشطارة! تعرض جوال إرسال النتائج باكرًا للطلاب، حتى لا يُضطروا لانتظار وصول شهاداتهم بعد الساعة الـ11 ظهرًا لمدارسهم، ثم يسقط موقع الوزارة، والمبرر هنا جاهز طبعًا، وهو أن الموقع تعرض لضغط شديد بسبب عدد الزيارات الهائل، فيدفع الطلاب الذين أرادوا حماية جيوبهم من "جوال" ثمن قراراتهم، ولا يحصلوا على نتائجهم.
الآن حُق لنا أن نسأل: مادامت وزارة التربية لا تثق بقدرتها على تقديم النتائج في موقع قادر على تحمل عدد الزيارات الهائلة، فلماذا منحت "جوال" احتكار حق الطلاب بالحصول على نتائجهم في هذا اليوم العصيب؟
لم يكن حدثًا سعيدًا أن يخرج صبري صيدم لإعلان نتائج "الإنجاز"، ومن خلفه لافتة كبيرة تحمل شعار "جوال"، وعليها ُكتب "مؤتمر إعلان امتحان الثانوية العامة الإنجاز". لقد بدا الأمر احتفالاً للشركة، دُعي إليه الوزير كضيف شرف، وطلاب الثانوية العامة لدفع ثمن "البوفيه المفتوح" الذي ستأكله جوال وحدها.
ليست كذبة أن طالبة في إحدى قرى رام الله هذا العام، بكت بسبب رسوبها، ثم علمت أنها ناجحة ومعدلها في "الستينات"! ما حدث أن إحدى الصفحات على موقع "فيسبوك" نشرت ملف "إكسل" الخاص بنتائج العام الدراسي 2016 – 2017، على أنه ملف العام الجاري، وعندما بحثت عن رقم الجلوس الخاص بها لم تظهر أي نتائج، فظنّت أنها رسبت.
لقد تبيّن فشل جانب هام من التجربة يا "معاليك". فراحة البال التي أردتموها للطلاب تبددت في يوم النتائج، والسرية التي تحدثتم عنها؛ لم تكن إلا مبررًا لتضمن "جوال" أن تأكل حلوان الناجحين والراسبين على حد سواء، فأنا أكتب لك الآن بعد أن قرأت نتائج التوجيهي في أكثر من مدرسة في ملف إكسل بالأسماء، كُتب فيها أسماء الراسبين وغير المستكملين أيضًا.
بقي علينا الآن أن نهنئ "جوال" ونتمنى لها مزيدًا من النجاحات الاحتكارية، بمباركة السلطة الفلسطينية.
اقرأ/ي أيضًا:
قانون الجرائم الإلكترونية: السلطة تشرعن قمع الحريات