فوجئ عددٌ من طلبة جامعة بيرزيت شمال رام الله؛ الذين كان أغلبهم يهمّ بمغادرة الجامعة مع اقتراب نهاية دوامهم، يوم الأربعاء بتاريخ 7 آذار/مارس 2017، بالصراخ المفاجئ الذي سمعوه فجأةً داخل حرم جامعتهم، ليكتشفوا أن الصحفيين الذين رافقوا عُمر كسواني رئيس مجلس اتحاد الطلبة ليسوا إلا مستعربين، وقد انهالوا عليه ضربًا مُبرحًا بدا كانتقامٍ لفشل محاولات اعتقاله السابقة، فيما كانوا يوجّهون مسدساتهم نحو الطلبة الآخرين الذين وقفوا مكتوفي الأيدي من هول المفاجأة.
تُبعت عملية الاعتقال بسيلٍ من الانتقادات التساؤلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، عبّرت عن مدى الاستنكار الشعبي والمؤسساتي لانتهاك حرمة الجامعات الفلسطينية بعمليةٍ عسكريةٍ في وضح النهار، مع تعريض حياة طلبتها وموظفيها للخطر، وتبادلت عددٌ من الأطراف الاتهامات بالتقصير، إذ نشر الناطق باسم حركة فتح جمال نزّال تساؤلاً على صفحته في "فيسبوك" يتهم طلبة الجامعة الذين ينتمي أغلبهم لحركة حماس - على حدّ تعبيره - بأنهم وقفوا متفرجين دون أن يحركوا ساكنًا، فيما تساءلت جهاتٌ كثيرةٌ عن دور السلطة الفلسطينية في حماية المؤسسات التعليمية، ودور الجامعة وأمنها المعروف بصرامته ورقابته الشديدة على الحرم الجامعي وبواباته.
هل يعطي القانون حرمةً للتعليم الجامعي؟
بحسب المادّة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في باريس عام 1948، فإن لكل شخص الحقّ في التعليم الذي يجب أن يكون متاحاً للجميع، وقد خصصت منظمة "اليونسكو" العديد من الاتفاقيات لحماية التعليم والمؤسسات التعليمية، مثل اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم عام 1960، حيث نصّت المادّة الأولى منها على عدم حرمان أي شخص أو جماعة من الالتحاق بأي نوع من أنواع التعليم في كلّ مرحلة، ومنع فرض أيّ وضع لا يتفق وكرامة الإنسان على جماعة أو أشخاص، وهذا ما جرى انتهاكه مرارًا وتكرارًا من خلال الإجراءات والاعتداءات الإسرائيلية المختلفة ضدّ الطلبة والمؤسسات الأكاديمية الفلسطينية.
إسرائيل انسحبت من "اليونسكو" نهاية العام الماضي، لكن تعدياتها ضد الجامعات الفلسطينية منذ سنوات طويلة قبل ذلك
ورغم قرار الاحتلال الانسحاب من "اليونسكو" نهاية العام الجاري، إلا أن التعديات الإسرائيلية كانت بانتظام ضدّ الجامعات الفلسطينية منذ سنواتٍ طويلة قبل الانسحاب منها، وحتى القانون الإسرائيلي الذي يضمن الحقّ في التعليم، ويحمي المؤسسات التعليمية لا يتم تطبيقه على الجامعات الفلسطينية بشكلٍ تمييزيٍ واضح.
تاريخٌ طويل من الانتهاكات
نشأت وتأسست الجامعات الفلسطينية منذ بداية سبعينات القرن الماضي تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، وكانت جامعات الضفة الغربية وقطاع غزة حاضنةً للأنشطة النضالية والوطنية، مما وضعها دائمًا في مرمى دائرة أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، ولم يكن طلبة الجامعات الفلسطينيين وحدهم من يتعرّض للتنكيل والاعتقال والمطاردة، حيث تعرضت الجامعات نفسها للعديد من الاعتداءات والتضييقات التي لازالت مستمرةً حتى يومنا هذا.
ومن أبرز هذه الاعتداءات مجزرة جامعة الخليل التي وقعت في شهر تموز/يوليو عام 1983، عندما أقدم مستوطنون على اقتحام حرم الجامعة، وفتحوا نيران رشاشاتهم على طلبتها وموظفيها، وألقوا القنابل اليدوية داخل إحدى قاعات المحاضرات، مما أدى لاستشهاد ثلاثةٍ وجرح ما يقارب الخمسين طالبًا وموظفًا من الجامعة.
قتل مستوطنون ثلاثة طلاب وجرحوا 50 موظفًا وطالبًا بعد هجوم داخل جامعة الخليل في ثمانينات القرن العشرين
تموزٌ آخر كاد أن يصبح دمويًا في جامعة النجاح بمدينة نابلس عام 1992، عندما باغت جيش الاحتلال طلابها خلال عملية الاقتراع لانتخابات مجلس الطلبة، حيث فوجئوا بالجنود يحاصرون الجامعة بحجة وجود مطلوبين داخل أسوارها، واستمرّ الحصار مدّة 72 ساعةً متواصلة، دون السماح لأحدٍ بالدخول أو الخروج، إضافةً إلى منع وصول الطعام والمواد الغذائية للطلبة المحاصرين داخلها، قبل أن يتدخل الصليب الأحمر ويحول دون حصول كارثة.
اقرأ/ي أيضًا: فضائيات الجامعات: حداثية التجربة وإشكالياتها
كما عانت جميع الجامعات والمعاهد الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى من إغلاق قسريّ استمر لمدّة أربع سنوات منذ العام 1987 حتى العام 1991 بأوامر عسكرية، على خلفية النشاط الوطني والنضالي الفاعل الذي بذله طلبتها مع بداية الانتفاضة الأولى، حيث كانت الحركة الطلابية الفلسطينية آنذاك إحدى أهم ركائز الانتفاضة والعمل الوطني، فيما كان إغلاق الجامعات سياسةً اعتاد الاحتلال الإسرائيلي على القيام بها نتيجةً لإخفاقاته الأمنية في كبح جماح الحركة الطلابية.
توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، ودخول منظمة التحرير إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تأسيس السلطة الفلسطينية ومفاوضات السلام، لم يكن شفيعًا للجامعات وطلبتها. خلال الاجتياحات الإسرائيلية في انتفاضة الأقصى، تعرّضت جامعة بيت لحم للقصف بالقذائف الإسرائيلية عام 2001، وطال جامعتي الخليل والبولتكنيك إغلاقًا استمرّ لسبعة أشهر، قبل أن يتهافت عليها آلافٌ من طلبتها ويكسروا الأقفال ويفتحوا البوابات لانتظام الدراسة في الجامعة من جديد.
طلبة الجامعات كان لهم نصيبٌ كبير من الاعتداءات والانتهاكات التي يَصعب حصرها أو ذكرها، فضريبة نضالهم ومقاومتهم ضدّ الاحتلال كانت عاليةً؛ ابتداءً من إعاقة الحركة بالحواجز والإغلاقات ومنع التجوّل، وانتهاءً بالنفيّ والأسر والاستشهاد، ويوميًا لازال الطلبة الفلسطينيون يتعرّضون للقمع والتنكيل المستمرّ على الحواجز الإسرائيلية.
والاقتحام الأخير لجامعة بيرزيت التي اعتادت على الاعتداءات والإغلاقات الإسرائيلية لم يكن جديدًا أو نوعيًا، ففي السنوات الأربع الأخيرة؛ اقتحم جنود الاحتلال أسوار الجامعة ليلاً عدّة مرّات، تم خلالها اعتقال طلبة ومصادرة مقتنياتٍ للحركات الطلابية، إضافةً إلى تخريب عددٍ من مرافقها، إذ أصبح اقتحام الجامعات الليلي عُرفًا عسكريًا إسرائيليًا تكرّر ولازال يتكرّر في عددٍ من الجامعات الفلسطينية، فيما وصل عدد الطلبة الفلسطينيين المعتقلين إلى يومنا هذا في سجون الاحتلال إلى 340 طالبًا.
اقرأ/ي أيضًا:
فيديو | ماذا يقول طلبة القدس المفتوحة عن جامعتهم؟