01-مارس-2024
حرب التجويع في غزة

أطفال في غزة يتدافعون للحصول على الطعام بعد أشهر من المجاعة التي فرضها الاحتلال على غزة.

الترا فلسطين | فريق التحرير 

"كم كيلو فقدت من وزنك؟"، هذا هو السؤال الأبرز الذي يتبادله سكان محافظة غزة وشمال القطاع حينما يلتقون، وذلك مع ازدياد مشاهد المجاعة في شمال قطاع غزة بعد حرمان الاحتلال لأكثر من نصف مليون فلسطيني من المساعدات الإنسانية ممن رفضوا التهجير القسري منذ السابع من أكتوبر، ودفع الاحتلال المواطنين إلى استخدام أعلاف الحيوانات لتزويد أطفالهم بالغذاء، فيما استشهد 13 طفلًا بسبب سوء التغذية.  

وقالت الصحفية أمنية أبو الخير، التي تتواجد عائلتها في شمال غزة وهُجّرت مع نصف عائلتها الآخر إلى الجنوب، لـ"الترا فلسطين"، إن عائلات كاملة شمال غزة لم تتناول الخبز منذ أكثر من شهرين، واستهلك المواطنون جميع المواد الغذائية التي يمكن تناولها سواء كانت تصلح للاستهلاك البشري أم لا، مثل أعلاف الحيوانات، والأعشاب الربيعية، الذي أدى إلى إصابتهم بأمراض معوية، وأضافت أن المواطنين يتناولون الآن فقط عشبة الخبيزة كوجبة واحدة فقط باليوم، وهي لا تغني من جوع. 

 طفل واحد من كل ستة رضع، يعانون من سوء التغذية الحاد أو الهزال في شمال غزة

وبدأت تظهر تفاصيل المجاعة والمعاناة في شمالي وجنوبي القطاع بعد عودة الاتصال بين الجهتين جزئيًا خلال الأيام السابقة، وأكدت أبو الخير أن مع عودة الاتصالات مع أقاربها في الشمال، فقد تبين أن العديد من المواطنين في محافظات الشمال ينامون جياعًا مع نقص حاد في الطعام، وفقدوا الكثير من وزنهم، وذلك في سياسة تجويع متعمدة، ترقى لأن تكون جريمة حرب. وكانت مصادر خاصة من حركة حماس قد كشفت، أمس الخميس، لـ"الترا فلسطين" أن حماس تدرس تعليق المفاوضات بسبب المجاعة في محافظة غزة ومناطق شمال غزة. 

واستشهد طفل يبلغ من العمر شهرين، الأحد الماضي، بسبب الجوع، وأفادت وسائل إعلام محلية أن الطفل محمود فتوح استشهد في مستشفى الشفاء في غزة بسبب الجوع، بعد أن هزل جسمه وعانى من سوء التغذية الحاد. 

فيما أكد مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، اليوم الخميس، أن 13 طفلًا استشهدوا نتيجة لسوء التغذية والجفاف المتقدم. 

ووجدت فحوصات التغذية في المراكز الصحية والملاجئ في شهر يناير أن ما يقرب من 16% من الأطفال دون سن الثانية، أي ما يعادل طفل واحد من كل ستة رضع، يعانون من سوء التغذية الحاد أو الهزال في شمال غزة، حيث يوجد نحو نصف مليون شخص محاصرون دون السماح بأي مساعدات غذائية تقريبًا. ومن بين هؤلاء، يعاني ما يقرب من 3% من الهزال الشديد، ويواجهون خطر الإصابة بمضاعفات طبية أو الوفاة دون مساعدة عاجلة، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن الأمم المتحدة. وظهرت تقارير عن قيام الآباء بإطعام أطفالهم العلف الحيواني على أمل إبقائهم على قيد الحياة. وفي رفح في الجنوب، يعاني 5% من الأطفال دون العامين من سوء التغذية الحاد. 

وفي جميع أنحاء غزة، أُجبرت 95% من الأسر على تقليل وجبات الطعام وحجم الحصص بسبب ندرة المساعدات والغذاء القابل للأكل في القطاع، ويفتقر الطعام الذي يتناوله المواطنون الآن إلى العناصر الغذائية الأساسية اللازمة لنموهم وازدهارهم جسديًا ومعرفيًا. ولدى الأسر أقل من لتر واحد من المياه الصالحة للشرب للشخص الواحد في اليوم.

حرب التجويع
أطفال ينتظرون ليحصلون على حصة طعام في غزة.

مجازر بحق من ينتظر المساعدات الإنسانية

لم يقتصر الاحتلال على تجويع المواطنين، بل أطلق الرصاص المباشر ضد آلاف المواطنين الذين ينتظرون المساعدات غرب مدينة غزة في أكثر من واقعة ومكان خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى استشهاد عشرات المواطنين وإصابة المئات. 

وأطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على فلسطينيين ينتظرون المساعدات الإنسانية في مدينة غزة أمس الخميس في مجزرة الرشيد. وبيّنت تقارير أن قوافل المساعدات الإنسانية لا تزال تتعرض لإطلاق النار، فيما تمنع قوات الاحتلال الوصول إليها. 

ويعيش ما لا يقل عن ربع عدد سكان قطاع غزة على بعد خطوة واحدة من المجاعة، فيما يواجه العاملون بالمجال الإنساني عقبات هائلة لمجرد إيصال الحد الأدنى من الإمدادات.

ومن المتوقع أن تزداد الأوضاع في القطاع سوءًا، وذلك مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية والقيود واسعة النطاق على دخول وتسليم السلع الأساسية، وكذلك تدمير إنتاج الغذاء والزراعة. 

فيما حذر المدير العام للأونروا فيليب لازاريني من "مجاعة تلوح في الأفق، وكارثة من صنع الإنسان".

وانخفضت المساعدات الإنسانية الداخلة إلى قطاع غزة في فبراير، إلى 50٪ مقارنة بما كانت عليه في يناير الماضي. وأعلنت الأونروا في تقرير أنها "غير قادرة على الوصول بأمان إلى شمال غزة وأجزاء من جنوب غزة".

يتناول سكان شمال قطاع غزة أعلاف الحيوانات منذ أكثر من شهر، ولكنها لم تعد متوفرة أيضًا

ويستخدم الاحتلال تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب في قطاع غزة، الذي اعتبرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" جريمة حرب. وتتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي منع توصيل المياه والغذاء والوقود، وتعيق عمدًا المساعدات الإنسانية، وتدمير المناطق الزراعية، وحرمت السكان المدنيين من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة طوال فترة الحرب، وقالت الصحفية أبو الخير لـ"الترا فلسطين" إن الاحتلال جرف المناطق الزراعية في شمال غزة التي كانت أملًا للسكان في الحصول على الطعام، وأضافت: "كنا نتوقع أن تتمكن عائلتي وغيرهم الاستفادة مما تنتجه المناطق الزراعية، ولكن حينما تواصلنا معهم، أكدوا لنا أن هذا أيضًا لم يعد خيارًا".

ويتناول سكان شمال قطاع غزة أعلاف الحيوانات منذ أكثر من شهر، ولكنها لم تعد متوفرة أيضًا،  كما صرح إسماعيل الثوابته، مدير الإعلام الحكومي في قطاع غزة، الأسبوع الماضي، محذرًا من كارثة إنسانية حقيقية سيذهب ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين، إذا لم يتدخل العالم لـ"إجبار إسرائيل"، على إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

ويواجه ما لا يقل عن 500 ألف شخص المجاعة، بينما يعاني جميع سكان غزة تقريبًا، البالغ عددهم 2.3 مليون شخص، من نقص حاد في الغذاء، بحسب الأرقام الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). 

وهدد الاحتلال أكثر من مرة على لسان سياسييه بتجويع أهل القطاع، وكان مسؤولون إسرائيليون بمن فيهم وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، ووزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير الطاقة يسرائيل كاتس، قد أدلوا بتصريحات علنية أعربوا فيها عن هدفهم المتمثل في حرمان المدنيين في غزة الغذاء والماء والوقود، وهي تصريحات تعكس سياسة ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر، وقد صرح مسؤولون إسرائيليون آخرون علنًا بأن المساعدات الإنسانية لغزة ستكون مشروطة إما بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين أو بتدمير حماس.

ويتوقع أن يزداد الوضع سوءًا، خاصة بعد تعليق أكثر من اثنتي عشرة دولة، من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا وكندا، تمويل وكالة الأونروا.