أراد الفلسطينيّ أحمد حوراني أن يحكي لطفليه قصصًا عن بلدهم فلسطين، ليتعلّقوا بها، بحثَ في المكتبات حيث مكان إقامته في السويد، فلم يجد، ومن هُنا كان الدافع لتأليف قصّة تروي بطولة "حرّاس الجبل".
يقول كاتب القصّة إن تفرّد المقاومة الشعبية على جبل صبيح، واستمراريتها هو شكل من أشكال المقاومة الجميلة التي يجب حفظها ونقلها للأطفال، بالتالي الأحداث واقعية، ومستمدة من فعاليّات الجبل
القصّة المصوّرة تقع في 74 صفحة، وتحكي تفاصيل المقاومة الشّعبية على "جبل صبيح" في بلدة بيتا جنوب نابلس، من خلال ثلاثة أطفال، عمّار هو الشخصية الرئيسة، ابن بيتا الذي يعيش الولايات المتحدة، ويعود لبلدته لقضاء العطلة الصيفية، ويكون في انتظاره أبناء عمّه؛ محمّد (صاحب القدرة والموهبة على مواجهة الاحتلال بذكاء وحنكة) وشقيقته مها (الأنيقة والجريئة والقوية).
اقرأ/ي أيضًا: أدب الأطفال.. الأسئلة والسياق
قسّم الكاتب حكاية "حرّاس الجبل" إلى 9 عناوين متسلسلة، تبدأ مع وصول عمّار عن طريق جسر الملك حسين إلى بلدته، ثم استقباله، وتعرّفه على خريطة البلدة، و"البالون الحارق"، و"حجر ومقلاع"، و"صخرة تقاوم"، و"احتفالات على الجبل"، و"عمّار في القدس"، و"على أبواب بيتا" حيث يقرر عمّار البقاء، ومن وجهة نظر كاتب القصّة فإنّ "من زار بيتا رح يضل فيها، ورح يحبها".
تبدأ أحداث القصة بوصول الطفل عمّار إلى فلسطين، مرورًا باطلاعه على ما يجري على جبل صبيح، ومشاركته في الأحداث، وزيارته مدينة القدس، وبعد ذلك يقرر البقاء في البلاد
لا يعرف عمّار الكثير عمّا يحدث في الضفة الغربية، ومن على سطح البيت الريفيّ في بلدته، يواكب ما يحدث حوله على "جبل صبيح". تتضح الصورة له أكثر من خلال محمّد ومها. يشاهد النيران المشتعلة على الجبل وحوله أثناء فعاليّات الإرباك الليليّ، يشتمّ دخان الكوشوك، يسمع أصوات القنابل والهتافات.
بعد ذلك، يجد نفسه وقد انخرط في الأحداث؛ يخطط مع أصدقائه لتطيير بالونات لإرباك الجنود والمستوطنين، ثم يتعلّم صناعة "المقلاع" ويتدرّب على استعماله، ويكمن لجيب عسكريّ بهدف إسقاط صخرة في طريق مروره لإعاقة تقدّمه، وشيئًا فشيئًا يتعمّق أكثر في قلب الأحداث التي تتواصل إلى أن يقرر أن لا يعود لـ "أمريكا".
كاتب القصّة أحمد حوراني (38 عامًا)، فلسطينيّ تعود أصوله إلى مدينة جنين، عاش حياته سابقًا في مخيّم اليرموك بسوريا، قبل أن ينتقل إلى السويد ليعيش مع عائلته وطفليه الذين تتراوح أعمارهما بين عشر وخمس سنوات، يقول في حديثه لـ "الترا فلسطين" إنّ تفرّد المقاومة الشعبية على جبل صبيح، واستمراريتها هو شكل من أشكال المقاومة الجميلة التي يجب حفظها ونقلها للأطفال.
كاتب القصّة فلسطينيّ تعود أصوله إلى مدينة جنين، عاش حياته سابقًا في مخيّم اليرموك بسوريا، ثم انتقل للعيش في السويد
ويشير حوراني إلى إنّ تفاصيل قصّته واقعية ومستمدة من الأحداث اليومية على الجبل، من تلاحم الأهالي، من شيخ الجبل؛ أبو خالد، من الشهداء التّسعة، ومن كل ما شهدته البلدة على مدار الأشهر التسعة الماضية في مواجهتها المستمرة، إذ بدأ الكتابة في آب/ اغسطس الماضي، وانتهى في منتصف أيلول/ سبتمبر، ما يعني أنّ الأحداث فيها ليست من نسج الخيال، بالتالي فإنّ القصّة تقول إن الأمل موجود، والحجر قد يحدث فرقًا، وله أثر، وذا جدوى، والأطفال الثلاثة في القصة يواجهون العقبات، ويخططون معا لتجاوزها، وينجحون.
اقرأ/ي أيضًا: "طفولة حزيران".. مطاردة سوسيولوجية للهزيمة في أدب الطفل العربي
تتناول القصة الإسهام الشعبيّ في فعاليّات المقاومة، فالطفل محمد يشارك في إيصال الحجارة الصغيرة للمتظاهرين، ويمدّهم بالطعام والشراب بعد أن يخبّئه في جذع شجرة قريبة، ويتشارك الثلاثة في التخطيط للتحايل على أبو عيسى البائع في الدّكان القريب لشراء بالون معبّأ بالهيليوم، ويساعدون بعضهم في توفير أداة تمكنهم من رفع صخرة ضخمة لدحرجتها لإغلاق طريق يستعمله الجنود.
ونرى في التفاصيل مشهدًا يقول عنه عمّار (الذي يعيش في الغربة) إنه "الفطور الرسمي لأهل القرية" حين رأى الجميع يأكلون تحت شجر الزيتون أكلًا متشابهًا (الزعتر والزيتون والزيت والجبن والخبز والبندورة الحمراء والخيار)، وبالطبع يمنع الجنود الأهالي من إكمال فطورهم، ويمطرونهم بوابل من قنابل الغاز.
وفي أحد فصول القصة يُصاب محمد بالرصاص بعد أن رفع علم فلسطين على صخرة قريبة، وحين يستفيق من غيبوبته داخل المستشفى أوّل ما يسأل عنه العلم "هل سقط؟".
تعرّج القصة أيضًا على قلق الأمّهات وخوفهن على أبنائهن أثناء ذهابهم للمواجهات، وبالطبع يحاول الأطفال التحايل على الأهل للذهاب للجبل، ويترافق ذلك مع "أجواء من السرية" تغلّف عملهم المقاوم، يتهامسون غالبًا، ويرتدون الكوفية كي لا يعرفهم الجنود.
اقرأ/ي أيضًا: صورة العربي في أدب الأطفال الإسرائيلي
يبيّن حوراني الذي نشر "حرّاس الجبل" عبر الانترنت وبشكل مجانيّ، إنه تواصل مع أكثر من 30 دار نشر (محليّة وعربية) بخصوص قصّته إلّا أنّ أيًا من هذه الدور لم تبد حماسًا لنشرها. يوضح في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنّه تذرعوا بأن سياستهم لا تتيح نشرها، ما دفعه لتوفيرها على منصّة "أمازون".
ويشير حوراني الذي درس الشريعة والقانون، ويعمل الآن في مجال تدريب الأفراد والمؤسسات، إلى أنّ حسابه على موقع "جوجل" تعرّض لإلغاء التفعيل بعد تحميل قصّته "حراس الجبل" وهذا مؤشّر آخر على انحيازهم للاحتلال ومحاربة الرواية الفلسطينية مثلما يحدث على منصّات التواصل الاجتماعي.
وتربط القصّة بين ما يحدث في بيتا وما يحدث في القدس وحي الشيخ جراح، حيث ينتقل عمّار إلى المدينة المقدسّة في زيارة لا يمكن لمحمد ومها مرافقته فيها لأن "جواز سفره الأمريكي" يوصله إلى المريخ وليس فقط القدس، وخلال الطريق يرح الجنود في كل مكان، وتشرح له والدته عن المستوطنات، وكيف أن سكانها من المستوطنين قدموا من دول العالم المختلفة ليسرقوا أرض الفلسطيني وماءه ويقتلعوا زيتونه.
وبعد أن تأكل العائلة الحمص والفلافل في البلدة القديمة، وتصلي داخل الأقصى وتتجوّل في باحاته ومصلياته، يستاء عمّار حين يرى تجمّعًا للمستوطنين أمام باب العامود، فيفكر برشقهم بالحجارة كما يفعل في بيتا، لكنه يشعر بالعجز، وفجأة يقفز محمد ومها من على سور الأقصى، ومعهم عدد من أبناء بلدتهم، وتدور مواجهات، غير أن ذلك كان ذلك حلمًا راوده بعد أن أخذ غفوة داخل المسجد.
يقرر "عمار" أن لا يبقى صامتًا، يطلب من والده أن يُشغّل البث المباشر على "فيسبوك" ثم يصعد إلى حجر قديم عال في منطقة باب العامود، ويخاطب المستوطنين معلنًا عن مسابقة الرابح فيها سيحصل على تذاكر لأمريكا لمدة أسبوع. وبعد أن يتجمّع المستوطنون حوله، وتبدأ الكاميرات بنقل ما يقول، يباغتهم بالقول إن من يُثبت أن جدّ جدّه وُلد في القدس سيكون هو الرابح. الأمر الذي يثير استياء المستوطنين، ثم يتطوّر الأمر لمساءلتهم عن أصلهم، وسبب وجودهم في القدس، وإن كانوا اشتروا المنزل الذي يقيمون فيه أو استولوا عليه، وتتدخل شرطة الاحتلال وتطرد عمّار من باب العامود، في الوقت الذي تبث منصّات الأخبار ما يحدث.
تربط القصّة بين ما يحدث في بيتا وما يحدث في القدس وحي الشيخ جراح
في طريق عودة العائلة من القدس إلى بيتا، يعود عمّار إلى نقاش مع والدته حول سبب سفرهم إلى أمريكا، ويسأل هل المال أهم من الأرض؟ فتقول الأم إن الهدف من المال إعمار الأرض، فيرد عليها "إذا كان المال ليس أهم من الأرض، فلماذا نتركها ونسافر إلى أمريكا؟".
حاججته الأم بأن المال مهم ليزيد الإنسان قوته، كما أن السفر يمكّن الإنسان من تلقي تعليمًا جيّدًا ليعود لعمارة بلده، وخدمة أهلها، وتقرر بأنه مهما ابتعدنا تبقى جذورنا هنا.
اقرأ/ي أيضًا:
"عيني".. عن الأطفال الحالمين بالحياة
هل تقرأ الحرب على أطفالك قبل النوم؟