تعيش بلدات فلسطينية في الضفة الغربية حالة هبوط اقتصادي كبير، منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر، وما رافقه من إجراءات إسرائيلية مشددة، بعد أن ظلّت هذه البلدات ولسنوات طويلة مراكز تجارية تعتمد على حركة المارّين منها.
حالة شلل اقتصادي أصابت مناطق فلسطينية بالضفة الغربية جرّاء إجراءات الاحتلال العقابية بعد 7 أكتوبر
وبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن هناك 120 ألف منشأة اقتصادية في الضفة الغربية، 29 في المئة منها، تأثّرت بالتراجع أو توقفت عن العمل، بواقع 35 ألف منشأة.
حوارة
بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس، تشهد منذ أكثر من عامين اعتداءات ينفّذها المستوطنون، وأعقبها عمليّات إطلاق نار ومقاومة، ما ترك أثارًا اقتصادية صعبة على غالبيّة المحال التجارية وعددها نحو 360، تضاعفت هذه التأثيرات بعد السابع من أكتوبر. واليوم، وعلى جانبي الشارع الرئيس الذي يصل وسط الضفة الغربية بشمالها، تجد بعض المحال التي تفتح أبوابها، فيما أبواب أخرى مغلقة. أمّا بعد الثامنة مساءً فتصبح حوارة كأنها منطقة أشباح.
يقول فراس ضميدي مالك سوبرماركت "العيال مول" في حوارة، إن الحركة التجارية في بلدته تأثّرت بشكل كبير طوال العام الماضي، بسبب تكرار هجمات المستوطنين والاعتداءات على المركبات والمنازل والمحال التجارية، وهو ما جعل المواطنين عامًة، وأهالي جنوب نابلس خاصّة، يخشون القدوم إلى حوارة أو المرور منها.
ووصل الأمر بأن هاجم المستوطنون ولعدة مرات الزبائن المتواجدين داخل محل ضميدي أو على بابه. مضيفًا في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنّ الأمور باتت أكثر سوءًا على الصعيد التجاري بعد أن منع جيش الاحتلال التجوّل بشكل كامل على الشارع الرئيس في حوارة بعد 7 أكتوبر، وأغلق المحلات التجارية بشكل كامل لأكثر من شهرين، وبعد حوالي 90 يومًا، افتتحت المحلات بشكل كامل باستثناء بعض المطاعم الكبيرة.
وبالتوازي مع تشديدات أمنية في بلدة حوارة، أقام جيش الاحتلال بوابات حديدية على مداخل القرى والبلدات المحيطة بحوارة، مثل عقربا وبورين والمجدل وجماعين، وكل هذه القرى كانت حوارة وجهة رئيسة لهم، وبسبب هذه البوابات قلّت حركتهم تجاه حوارة، خشية إغلاق البوابات وهم خارجها.
سوبرماركت "أبو العيال" الذي يملكه فراس ضميدي، يعدّ واحدًا من أكبر المحلات التجارية في حوارة بل في منطقة جنوب نابلس. يقول ضميدي إن 40 موظّفًا كانوا يعملون لديه قبل الحرب، أمّا اليوم فتقلص عددهم إلى 15 فقط، فيما تراجعت المبيعات إلى النصف. ويشير ضميدي إلى أنّ الضرر لديه أقل من غيره؛ فهو يبيع سلعًا استهلاكية، أما بقيّة المحال التجارية فقد تأثرت بشكل أكبر، لدرجة أن أكثر من 30 منها أغلقت بشكل كامل وخرج أصحابها من حوارة.
فراس ضميدي: حوارة الآن منطقة أشباح؛ كنّا نعمل سابقًا حتى منتصف الليل، واليوم نغلق محلاتنا التجارية عند 8 مساء
وفي نهاية شباط/ فبراير2023 هاجم مئات المستوطنين بلدة حوارة وأحرقوا عددًا من المحالات التجارية والمنازل والمركبات، ما أسفر الهجوم الكبير يومها عن ارتقاء الشهيد سامح الأقطش من بلدة بيتا المجاورة.
ورغم الضجة الكبيرة وحجم الإدانة الدولية للجريمة وقتها، إلا أن اعتداءات المستوطنين ما تزال على حالها، وفق ضميدي بل وأشدّ قسوة، إذ كانوا في البداية يهاجمون حوارة بالحجارة، ومن ثم بالنار والحرق، والآن بإطلاق النار على أقلّ الأسباب.
ورغم استكمال سلطات الاحتلال إقامة الشارع الالتفافي الذي يتجاوز حوارة، لكن ضميدي يقول إنه و"حتى بعد افتتاحه أمام المستوطنين، ما يزال المستوطنون يرفضون المرور عبر الشارع الجديد، ويصرّون على المرور من حوارة".
دير شرف
الوضع في بلدة دير شرف شمال غرب نابلس لا يقل سوءًا عن حوارة. فالبلدة المشهورة بمحلات الشواء، لطالما اعتمدت على الحركة النشطة من أهالي الداخل الفلسطيني الذين لم يعودوا يصلون إلى البلدة بعد السابع من أكتوبر.
يقول رئيس بلدية دير شرف شادي أبو حلاوة إن الحركة التجارية لديهم انخفضت بنسبة 70 في المئة، بسبب تراجع حركة أهالي الداخل، إذ إن المنطقة تعتمد بشكل أساسي على مطاعم المشاوي ومحلات الأثاث المنزلي، وتعتمد هذه المحلات بنسبة كبيرة على فلسطيني الداخل.
أوضح أبو حلاوة لـ "الترا فلسطين" أن الدخول إلى نابلس أمر ممكن بالرغم من حواجز الاحتلال، ولكن الخروج منها صعبٌ للغاية ويحتاج نحو 4 ساعات من الوقوف على الحواجز، ومنها حاجز دوار دير شرف، لذا قلّت الحركة عندهم بشكل كبير. وأشار إلى أنّ الأمر لا يقتصر على دخول نابلس والخروج منها، بل إن أهالي الضفة الغربية صاروا يتجنبون المرور من دير شرف أثناء تنقلهم إلى طولكرم وقلقيلية وجنين، كما أنّ العمال يضطرون للذهاب للمنطقة الصناعية الواقعة خلف الحاجز مشيًا على الأقدام ليتجنبوا الحاجز.
ويلخص أبو حلاوة المشهد في دير شرف بالقول إن عندهم نحو 70 محل تجاري، وبعضها أغلقت أبوابها، ومنها أكبر محل أثاث منزلي، وبقيّة المحلات تعمل بالحد الأدنى، وهذا يعني أن ما لا يقل عن 200 عامل على الأقل باتوا عاطلين عن العمل.
سيلة الظهر
خلف بؤرة "حومش" الاستيطانية التي يقطنها مستوطنون من الأكثر تطرّفًا في شمال الضفة الغربية، تقع بلدة سيلة الظهر، التي كانت ممرًا رئيسًا في الوصول إلى مدينة جنين، وشهدت حركة تجارية نشطة ومتنامية خلال السنوات الأخيرة.
ولكن منذ السابع من أكتوبر، تراجعت حركة المركبات التي تمر من الشارع المحاذي للبؤرة الاستيطانية "حومش" تجنّبًا لاعتداءات المستوطنين المتكررة، وإغلاقات جيش الاحتلال للمنطقة، ما أدى لتراجع حركة المركبات المارّة سيلة الظهر.
في "السيلة" كما تسمى محليًا، عشرات المحلات التجارية والبقالات والمخابز وعدد كبير من الملاحم التي اشتهرت بعروضها، ومحلات أدوات منزلية، ومعارض سيارات، وكلها تأثرت جرّاء تراجع حركة المرور.
أمير شلبي صاحب معرض للأدوات المنزلية في سيلة الظهر قال لـ "الترا فلسطين"، إن الحركة على الشارع هذه الأيام لا تقارن بما كانت عليه في السابق. الناس تخاف المرور من هُنا، وصاروا يبحثون عن طرق بديلة.
وأكد أن سيلة الظهر تعتمد بنسبة 90 في المئة على السيارات المارّة من الشارع، وكانت تعتمد في أيام السبت على أهالي الداخل الفلسطيني الذين يأتون للتسوّق من البلدة، غير أن حركة المبيعات تراجعت عندهم خلال الأشهر الخمسة الماضية، ووصلت لمستويات غير مسبوقة، لدرجة أنه اضطر لبيع بعض السلع بخسارة.