يقول باسل الأعرج في خطابه الأخير والوحيد، الذي كتبه وهو مطارد من جميع سفلة هذه الأرض -وإن كان قد كتبه في أيام مطاردته-، فإنه يصلح لأن يكون وثيقته التي تُنشر بعد موته أيضًا:
"أيُّها الناس لم تذوقوا شيئًا بعد، إن هذه ما زالت البداية.
أيها المغضوب عليهم، إن الآلهة رمتكم تحت بأسي، أيها الملعونون في السماء، وفي الجحيم، كل ما رأيتموه لا يعدو أن يكون مناورات تدريبية، إنّ قتالنا الحقيقيّ لم يبدأ بعد.
وقتالنا اسم آخر لموتنا، موتنا المؤجّل، ولكنه المنزّل.
لم نعرف معاني أخرى للقتال غير الانتصار، الانتصار بقتلكم، أو موتنا ونحن نشد على جمر مواقفنا.
إن انتصارنا دمار كامل، لكم أو لأنفسنا.
إن الأعداء هم وقودي، وهذه المصاعب هي ما تبقيني على قيد الحياة.
... أيها الأعداء أطمئن عليكم، قبل أن أطمئن على أصدقائي، أنتم وجودي وكينونتي.
أيها الأعداء حتى عندما أتخفف من غضبي عليكم، يظل حقدي كثيفًا.
أيها المحايدون، المتابعون بشغف ولكن بصمت، دوركم لن يتأخّر كثيرًا، إن السماء إذا ضربت لن تستثني منكم أحدًا، حتى أولئك الذين يتعاطفون معها في أنفسهم.
أيها المصليّون بالنار، إنّ الأيام التي ستنظرون فيها إلى السماء، ثم تصرخون في وجه الرب: ما هذه الصاعقة التي حلت بنا؟ لم تأتِ بعد.
إنّي وقد وهبت حياتي للشغف، سأنزع حيواتكم للسبب ذاته.
لم أعد أمدح أحدًا، إن الآلهة التي لعنتكم، ألعنها كل الوقت.
إنني لا أبجل أحدًا منكم أيها المثقفون، جميعكم ما زلتم تحتقرون الحقيقة.
إنني أحتقركم أيها الأتباع، أتباع الحقيقة والباطل، إنني أمقتكم يا أتباعي الموتى.
إن الطبيعة لم يوجد فيها إلا القادة أو الأتباع.
إن الحياة ظمأ، وأنا العطشان الأوّل، لن تستطيعوا مهما حاولتم أن ترووا شيئا من هذا العطش، إن عطشي ليس للخلود، وإنّما لتحطيمه.
إنني وأنا أحطّم حيواتكم، أؤجل تحطيم حياتي، إنّ حياتي مبنية على الوقت الذي أستغرقه في قتالكم.
إنني وقد بلغت في القلق مبلغًا لم يبلغه أحد قبلي، سأعطيكم إياه مغصوبين عليه.
ماذا تعني الحرية غير إرهاب الناس وقتلهم؟
إنني وأنا منعزل بين كتبي، سأرمي عليكم جميع حممي.
إن حياتكم مؤسسة على الخداع، إن الآلهة يروق لها هذا.
إنني تجسيد للتحطيم، وجدتْ هذه الكلمة من أجلي، أنا أوجدتها، وألبستها دلالتها..
أيُّها الأعداء إنني إذ أقتل أحدكم، فلست أنزع حريته، إنما أعطي الحرية معناها.
إنني أخلصكم من ثقل العبودية.
أيها الأقوام، ما فات مات، وما سيأتي سيفوتكم.
وإن أمرتكم بالسجود لفكرتي، فأنتم لا تسجدون سوى للانفلات من قيودكم، وخوفكم.
أيها المؤمنون بي، أنتم "مثقبون بما يكفي" لتدركوا أننا لا نخاف خسارة شيء، لأننا خسرنا الكثير حتّى بتنا لا نملك شيئًا، مثقبون بما يكفي، ليس ليخرج الضوء من هذه الثقوب، وإنما لنقاتل حتّى النفس الأخير.
وعندما ننتهي من النفس الأخير، سنقاتل أيضًا.
إننا نقاتلكم بأرواحنا، وإذا قتلناكم في روحنا، قتلناكم في الأرض.
أيتها الآلهة المبثوثة في كل مكان، إن وقتكم قد نفذ، إنّه زمان إرادتنا الحرّة.
يا أيها الجميع.. إن تاريخكم سيكتب بالدم والنار والقلق.
فتجهزوا..".
****
أما أنا فأقول لباسل: إن الحروب تكسب قدسيتها ممن يخوضها، لا العكس.
اقرأ/ي أيضًا: