17-فبراير-2017

لا يُساعدك محرك البحث (Google) في الحصول على نتائج دقيقة حول تاريخ استخدام كلمة "شهيد"، فمعظم نتائج البحث تتمحور إمّا حول المعنى اللغوي للكلمة أو الدلالة الدينية لها في الديانات المختلفة. ورغم أنّك تعرف أنّ هذا ما قد تحصل عليه، إلّا أنّك كنت تطمع بأن تكون النتائج أكثر عمقًا، وتمنحك إجابات مختلفة، ويبدو هذا جزءًا من المشكلة بحد ذاتها، ليس لأننا لا نقرأ ونكتفي بالبحث على الانترنت فقط، بل لأننا نبدأ بالبحث عن الإجابات التي نودُّ أن نسمعها، والحلول التي نريدها أن تكون صحيحة.

كيف استطاعت كلمة  أن تحظى بهذه السيطرة علينا؟ ومن أين أتت بكل هذه القوة لتحدد مسارات تفكيرنا وحياتنا؟ هذا السحر للكلمة ليس معجزة!

عندما تستعين بـ (Google) فأنت على الأغلب لا تبحث عن المعلومة، بل تبحث عن فهم الناس للمعلومات الشائعة عن المعلومة التي تبحث عنها. وقد تكون هذه المعلومات عبارة عن شائعات ونميمة معلوماتية لا تمت للمعلومة نفسها بِصلة، المهم هو أن تكون يقظًا لطرق تداول هذه المعلومات، والنقاش القائم عليها. لأنّ هذا بحدِّ ذاته هو الموضوع.

اقرأ/ي أيضًا: سلامٌ وطنيٌ جديد!

عودةً إلى كلمة الشهيد، فإنّ متابعة استخدام الناس للكلمة هو بمثابة تفكيك لهذه الكلمة لفهم كيف استطاعت أن تحظى بهذه السيطرة علينا؟ ومن أين أتت بكل هذه القوة لتحدد مسارات تفكيرنا وحياتنا؟ هذا السحر لكلمة شهيد ليس معجزة، فنحن نمارس كل حياتنا ونتخذ قرارات كبيرة ومكلفة أحيانًا في محاولة لجذب كلمات صغيرة حتى تلتصق بنا، أو في طرد أخرى وإبعادها عنّا، فقد تتزوج الفتاة من رجل لا تُحبه لتطرد عنها كلمة "عانس" مثلًا. وقد يُنجب الرجل أطفالًا لطرد كلمة عقيم، وأخر لجذب كلمة أب، وقد يدرس أحدهم المحاسبة لأنّه يحب أن يُعرّفه الجميع بموظف بنك وهكذا، أمّا كلمة شهيد فقد يختارها شعب بأكمله لجذب كلمات مثل: وطن/ حرية/ مقاومة/ حق، وكلمات أخرى لها ذات الوزن والقيمة.

 نحن نمارس كل حياتنا ونتخذ قرارات كبيرة ومكلفة أحيانًا في محاولة لجذب كلمات صغيرة حتى تلتصق بنا، أو في طرد أخرى وإبعادها عنّا 

يبدو أنّ مهمة كلمة شهيد تكمن في تخفيف وطأة الموت على القلوب، وفي تحويل حدث انتهاء حياة شخص ما إلى خطوة يتقدم فيها الوطن درجة أخرى نحو الحرية. وعلى الجانب الأخر فإن تمجيد الكلمة حوّلها من حالة موت إلى لقب يرغبه الكثير من الشباب ويسعون إليه، رغم تكلفته المرتفعة. هذه الكلمة بات ذكرها مخيفًا لما تحمله من محفّزات على الموت. ورغم خوفك من الكلمة وإدراكك أنها من أكثر الكلمات التي تُجر بها عبر التاريخ، وأنها كانت طُعمًا استخدمه الكثير من رجال السياسة والدين حول العالم لاستغلال الشباب وتجنيدهم وإرسالهم إلى حتفهم مبتسمين، إلّا أنّك تدرك نُبلها كفكرة بشكلها الأولي النقيّ قبل أن تلوّثها الرغبات وكثرة الاستخدامات، وأيضًا عندما كانت تأتي بعد نزال طويل من أجل الحياة.

اقرأ/ي أيضًا: كفّوا عن استباحة الشهداء

إذا كنت فلسطينيًا، فإنّك حتمًا رأيت أطفالًا يلعبون لعبة الشهيد في حارة ما، أو على الأقل شاهدت صورهم على الانترنت. حول اللعبة ينقسم الناس بين سعيد فخور بهذا الجيل الذي سيُجيد حتمًا حمل قضيته، ولن ينسى كما تقول الحكاية، وبين خائف قلق من التحوّل اللطيف لصورة الموت في ذهن الأطفال من كائن مخيف يرافق العتمة أو صوت الرصاص، إلى لعبة يحمل فيها خمسة منهم سادسهم ويسيرون في جنازته. وآخرون يجدون في هذه السلوكيات حدثًا عاديًا. فالأطفال يتأثرون بالبيئة التي يعيشون، ويسعون دومًا لتقليد الكبار. ولكن هل سيختلط الواقع باللعبة وسيسعى هؤلاء الأطفال إلى الموت مبكرًا؟

اقرأ/ي أيضًا: وشهد شهيدٌ من أهله

يمنحك الفيسبوك خانة جانبية بجوار اسمك، يمكنك أن تضع فيها تعريفًا إضافيًا لنفسك، البعض يختار وضع اسمه ابنه المستقبلي، وأخر اسمه بالعربية إذا كان اسمه الأساسي بالانجليزية أو العكس. في عام 2015 وتحديدًا مع موجة المواجهات التي شهدتها فلسطين في تشرين أول/ اكتوبر مع قوات الاحتلال، خصص الكثير من الفلسطينيون هذه الخانة  لكتابة (مشروع شهيد) بل إن الكثيرين تحققت تنبؤاتهم واستشهدوا وانتشر ما كتبوه محاطًا بكثير من الدهشة والذهول. وقد تغيب الدهشة ليبدو هذا أمرًا عاديًا عندما نتذكر أن الحديث عن الرغبة بالاستشهاد بات حديثًا مألوفًا ومنتشرًا بين الفلسطينيين، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي  تزايد استخدامها في السنوات الماضية.

قد يصعب عليك التصديق أن اللهاث وراء الموت هو إشارة تحذيرية للحياة حتى تلتفت إلينا وتمنحنا حقّنا. ولكن هذه الإشارات التحذيرية لم تأت بنتيجة حتى الأن، بل على العكس فقد اعتدنا الموت، وبات لعبة لا تكلفنا الكثير، وقد توقفنا ومنذ زمن عن عدِّ الشهداء وحفظ أسمائهم، وقد تركنا أيضًا عادة الحداد وتنكيس الأعلام  والبكاء الطويل على من ماتوا من أجل هذا الوطن، بل إنّ عدّ الشهداء التبس علينا، فعند العدّ لا نعلم هل نحزن عليهم أم نفرح بهم؟ هل نعُدّهم أبطالًا أم ضحايا؟ وهل هذا الموت دليل خسارة أم ربح؟ وهل هذا السعي وراء الموت أمرٌ طبيعي لا يجب أن نقلق حياله؟

كلمة شهيد تُخفف وطأة الموت على القلوب، وتحوّل  حدث انتهاء حياة شخص ما إلى خطوة يتقدم فيها الوطن درجة أخرى نحو الحرية

يقول الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي: "حقًا يا رفاق! لماذا نبقى هنا؟ ماذا نفعل هنا؟ إننا نحيا بلا حياة، إننا أموات بغير موت"، فهل هذا ما يحصل معنا؟ حسنًا، إذا كان هذا هو ما حصل فسنضع خطة مُحكمة نُعلّم فيها أنفسنا أننا أشخاص جيدون نستحق الحياة والحب والاحترام، بينما نقف على أرجلنا ودون أن تقام لنا جنازات مهيبة. سنجلس ونفكر في المرحلة التالية، ماذا نريد أن نفعل؟

حسنًا، سنخطط لكيفية مواجهة الاستيطان وسنكتب خطة لدعم أهل القدس والمنتجات المحلية، وخطة أخرى لا تخطر على بال الشيطان تمكنُنا من زيارة بحر يافا كل يوم دون الشعور بالاستعلاء، أو الدونية أمام الفلسطينيين الذي يعيشون هناك. والأهم من ذلك، خطة تجعل الشعب كله وفي ذات اللحظة يجلس ويفكر: ماذا يمكننا أن نفعل إذًا قبل أن نذهب إلى الموت؟  

 

 اقرأ/ي أيضًا: 

عن شهيد بيت ريما الذي ترك "الحصان وحيدًا"

البحث عن شهيد

في يوم ميلاده استشهد