24-يونيو-2017

(Photo credit should read HAZEM BADER/AFP/Getty Images)

جال محمد صيام (37 عامًا) في سوق غزة القديم برفقة اثنين من أطفاله، لإيهامهم بالبحث عن زوجين من الأحذية الجديدة، وبالكاد أقنعهم أنّ الأحذية المتوفرة في السوق رديئة لا تستحق الإنفاق عليها، وأنّ عليه رتق حذائيهما لاستقبال عيد الفطر.

صيام المتعطل عن العمل منذ أشهر، قال إنه لا مناص من زيارة الإسكافي، وإن آخر ما كان يفكر فيه هو أن "يقطّب" أحذية أطفاله في يوم العيد بدل شراء أحذية جديدة لهم، ولكن تردي وضعه المادي وافتقاده إلى مصدر دخلٍ، اضطره إلى هذا الأمر.

ازدحام عند الإسكافيين في قطاع غزة مع حلول عيد الفطر، بسبب عجز الأهالي عن شراء أحذية جديدة نتيجة الحصار

تعاظم الأعباء على كاهل سكان قطاع غزة المحاصر منذ 10 سنوات، يقود كثيرًا منهم، وخاصة من يعانون فقرًا مدقعًا، إلى رتق أحذية أبنائهم البالية أو إصلاحها، نظرًا لعجزهم عن اقتناء أحذية جديدة.

اقرأ/ي أيضًا: جولة في غزة.. سلامات يا رمضان ويا مرحبا بالعيد

وتفاجأ الإسكافي أمجد عبد الله، الذي يقيم ركنًا على أطراف سوق الزاوية وسط مدينة غزة، من ازدياد حجم زبائنه خلال فترة موسم عيد الفطر (أي فترة شراء الملبوسات والأحذية الجديدة)، معبرًا عن استغرابه من انضمام موظفين إلى فئة زبائنه بعد أن كانت مقتصرة على فئة الفقراء.

وقال عبد الله، وهو يحيك فردة حذاء صغيرة تحت وطأة حرارة الطقس، "من دواعي سروري أن تنضم فئات كبيرة من المواطنين إلى قائمة زبائننا، لكن ذلك يعكس واقع الناس البائس وعجزهم عن توفير حتى أبسط احتياجاتهم".

على الناحية المقابلة، كان الزبائن يتزاحمون على رتق أحذيتهم القديمة، عند إسكافي آخر يدعى محمد أبو خاطر. يتصبب الزبائن عرقًا وهم يتسابقون في تقديم أحذيتهم، حتى اختلط ترتيبهم على الراتق. ينادي أبو خاطر: "كل شخص يحفظ دوره".

ينهمك الرجل في إصلاح أعطاب الأحذية، وتتأرجح مهمته بين الطرق بالشاكوش على النعال، واستخدام ماكنة  الحياكة التي يزيد ارتفاعها عن متر ونصف تقريبًا. يقول أبو خاطر الذي يعمل في هذه المهنة مذ كان طفلًا: "مهنة رتق الأحذية كادت تندثر نتيجة غزارة استيراد الأحذية الصينية للسوق المحلي ورخص ثمنها، غير أن ازدياد الأوضاع الأقتصادية سوءًا، أبقت هذه المهنة واقفة على أقدامها حتى يومنا هذا".

ويعود تزايد الإقبال على رتق الأحذية، إلى تراجع دخل فئة الموظفين على نحو غير مسبوق، بفعل استقطاع السلطة الفلسطينية قبل ثلاثة أشهر ثلثي رواتب موظفيها البالغ عددهم (58 ألفًا) في قطاع غزة. هذا إضافة إلى أنّ نحو 45 ألف موظف آخرين يتبعون للحكومة التي تديرها حماس، يتقاضون ما نسبته 50% من رواتبهم، بفعل سياسة التقشف التي تعتمدها الحركة منذ ثلاثة أعوام.

تقول سيدة أربعينية، تقف بمحاذاة الراتق حاملة كيسًا أسودًا فيه ثلاثة أزواج من الأحذية، إنها زوجة موظف أمني، ولم يتبقّ لأسرتها من راتب الزوج سوى 200 شيكل فقط بعد الاستقطاع، وقد استثمرت المبلغ في شراء الخضروات واحتياجات أخرى ضرورية.

وفضلت السيدة عدم ذكر اسمها، "تلافيًا للحرج"، لكنّها قالت: "كسر الخاطر قاس جدًا بالنسبة لأطفال كانوا يحلمون بأن يرتدوا ملابس وأحذية جديدة خلال العيد أسوة بأقرانهم".

غير أن رجلاً خمسينيًا عرّف عن نفسه بأنه "أبو محمد عمر"، قال إنه لا يجد حرجًا في وقوفه بين جموع زبائن الإسكافي، "لأن الناس الآن أصبحوا سواسية"، لاسيما بعد تجاوز الفقر خط 65%، وفق إحصاءات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

موظفون يتبعون للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة جعلهم الاقتطاع من رواتبهم غير قادرين على شراء أحذية لأطفالهم في العيد

"أبو محمد" وهو من سكان مخيم دير البلح وسط قطاع غزة، قطع مسافة 4 كم تقريبًا للوصول إلى راتق الأحذية، أشار إلى أن معظم الأسر تراجع مستوى دخلها بما فيها أسر الموظفين، في مقابل الارتفاع المتواصل لأسعار السلع، الأمر الذي يجعلهم عاجزين عن توفير سلع أساسية، أضحت ثانوية.

وقال الرجل صاحب الرأس المغمور بالشيب: "من كان يتوقع أن نتخلى عن سلع أساسية كالأحذية؟ (..) في ذروة الحصار وأكثر الفترات شحًا (يقصد الفترة التي سبقت حفر الأنفاق قبل العام 2008) لم نكن قد بلغنا هذا الحد من الفقر والبطالة".

يرفع الإسكافي الأربعيني تيسير أبو الروس رأسه وهو ينظر إلى الزبون، ويقول: "نحن يا سيدي لم يعد لدينا طاقة على احتمال هذا الواقع، إذا كانت الناس ترتق أحذيتها البالية بالدين، فكيف يمكنها أن توفر قوت يومها؟".

ويجلس أبو الروس على كرسي جلدي بيدين معطوبتين تحت الشمس، وأمامه سندان يستخدمه عند عملية إصلاح النعال، ويتلقى مقابل عمله شواكل بسيطة. يشير الرجل الذي يستخدم أدوات تقليدية كالأبرة المدببة والخيط المتين لقطب الأحذية البالية، إلى أن زبائنه كانوا في فترات سابقة بعدد أصابع اليد، فيما أصبح لديه عددًا لا بأس به من الزبائن الآن، ومهنته تشهد نشاطًا ملحوظًا مع حلول عيد الفطر.

في المقابل، بُحّت حناجر أصحاب محلات تجارية وهم ينادون على الزبائن، فيما اتجه آخرون لاستخدام الإعلانات التجارية لاستقطاب أكبر عددٍ من الزبائن، لاسيما عبر فيسبوك. فريقٌ ثالث لجأ إلى العروض التي تحتوي على نسبة كبيرة من الخصم.

إعلانات تجارية وخصومات كبيرة في الأسعار لم تنجح في استقطاب الزبائن في قطاع غزة المحاصر

ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة معين رجب، أن الأساليب المستخدمة في استقطاب الزبائن، محاولة للتحايل على أزمة الكساد التي يعانيها السوق المحلي حتى في موسم عيد الفطر.

اقرأ/ي أيضًا: سردين غزة غذاءً لفقرائها.. ماذا عن الصيد الجائر؟ 

ويبين رجب لـ"ألترا فلسطين"، أنه ربما يكون الإسكافي أوفر حظًا من أصحاب محال بيع الأحذية، مضيفًا، "ركود الحالة الاقتصادية الناتجة عن استقطاع جزء كبير من رواتب الموظفين، دفعت التجار إلى التراجع عن استيراد بضائع إلى السوق المحلي".

ويشير رجب إلى إن انتعاش الإسكافي واتساع دائرة زبائنه، يعني أن الحركة التجارية في أسوأ حالاتها، "خاصة إذا ما أخذ بالاعتبار تدني ثمن الأحذية صينية الصنع التي كان الفقراء في أوقات سابقة لديهم القدرة على اقتنائها".


اقرأ/ي أيضًا: 

عن الفسح والسامري في سجون "فرعون إسرائيل"

شاليهات غزة.. سباق محموم لاصطياد المصطافين

كيف اجتمعت مصر وإسرائيل ضد بطيخ جنين؟