24-يونيو-2017

رحلة بهيّة، تبدأ حيث الفوانيس المُعلّقة في سوق الزاوية العتيق، ولا تنتهي بمسحراتي الليالي العشر الأخيرة من الشهر الكريم، فإن كنت من غزة؛ فهذه فرصةٌ لنراجع سويّة كيف مرّ رمضانها، وإن لم تكن من سكّانها فهذه جولة كاملة ترصد بالتفصيل كيف قضت "غزة" شهرها وكيف تستقبل عيد الفطر لهذا العام.

أسواق غزة بدأت تحزم بضائعها من الحُمص والفلافل والخضروات والمقبلات والمخللات والقطايف، لتستبدلها بحلويات العيد ومستلزماته

فقبل السابع والعشرين من آيار/مايو بنحو أسبوع، بدأت الطرق والمحال التجارية تعرض بضاعتها الرمضانية، وتعلق أحبال الزينة وفوانيس رمضان التي لم تغب هذا العام، كما حال المدينة في السنوات السابقة، فيما يبدو وكأنّه طقس رمضاني معتاد لم يعرف تاريخ بدايته.

وإن كنت تريد التبضع لأغراض العيد في هذه الأيام، فإن الخيارات أمامك مفتوحة جدًا، ولا تظن أن غزة المحاصرة ستكون عاجزة عن تلبية ما يخطر ببالك، فالتي تدبرت أصعب القضايا متغلبة على سنوات حصارها لن تقف أمام حاجات سحورك وفطورك ومستلزمات العيد.

البهجة والعَبق!

سوق الزاوية الذي يبدو وكأنه بُني خصيصًا ليكون ملائمًا للأجواء الموسمية المبهجة، فهذا العبق الذي يسكنه لا مجال فيه للمصادفة، وسط مدينة غزة إلى الشرق منها قليلًا يقع هذا السوق الذي تتخلله شوارع فرعية مطلة على أسواق أخرى، يكون بدايته عدد كبير من الفوانيس التي كانت قبلة المصورين والصحفيين أكثر مما كانت في متناول الأهالي والأطفال.

واشتهر سوق "الزاوية" تاريخيًا لوقوعه بجوار "سوق القيسارية" الأثري في البلدة القديمة والذي أصبح امتدادًا له، في ظل التوسع العمراني في المنطقة، ويسجّل كأحد المناطق الأثرية التي أقيمت في البلدة القديمة بغزة.

وتُرصد على جوانبه العديد من المنشآت التجارية والأسواق، إلى جانب أكبر الجوامع في البلدات القديمة شرقًا وهو الجامع العمري الكبير، والذي أنشأه السلطان محمد بن قلاوون عام 1329، ويفتح باب منه على وسط سوق "الزاوية"، وتلك فلسفة عمرانية تجارية.

اقرأ/ي أيضًا: رمضان يعيد "الحردانات" لبيوتهن

ويتألف سوق الزاوية من 18 دكانًا، ويقابله على الناحية الأخرى حوالي 16 دكانًا، وجميعها ذات سقف موصول بعقود متقاطعة، ويصل عمق الحانوت أو الدكان الواحد أقلّ من ثلاثة أمتار.

في رمضان تحديدًا، تتبدل هيئة السوق، وتتغيّر ألوانه، يتلوّن بكل ألوان الحياة التي تشتيها النفس، انطلاقًا من ألوان الفوانيس المختلفة، وأحبال الزينة والألوان ومظاهر الاستقبال المميزة، وصولًا إلى البضائع المنوّعة التي تلقى حظها ورواجها في رمضان فقط، دونًا عن غيره من شهور العام.

حالة السوق بموسمي "رمضان والعيد"

لكن الأسواق القديمة ورغم خصوصيّتها التراثية، إلّا أنها باتت تواجه خطرًا تنافسيًا في استحواذها على مظاهر رمضان والأعياد، بعدما ظهرت المولات التجارية الحديثة والتي نالت رضا عدد كبير من الناس.

وبرزت في رمضان العديد من البضائع التي يكثر الطلب عليها، وتعتبر سلعًا موسمية يتزايد عرضها في الأسواق بشكلٍ كبير، وبيعها كالتمور وقمر الدين والخروب والتمر هندي وعرق السوس، إضافة إلى الأجبان والألبان والمخللات والقطايف، وهي ما يحتاجه كل بيت على سفرتي السحور أو الإفطار، وهي ما تحدد حركة السوق استنادًا إلى تصريحٍ لوزارة الاقتصاد حول السوق والبضائع المستهلكة في رمضان.

فانوس وفلس!

منذ بداية رمضان وهو "يزنّ على والده" لشراء فانوس كبير يتباهى به أمام أقرانه، لكنّ والده يتعمد التسويف نظرًا لقلة ما في اليد، في الوقت الذي تغري الأسواق العيون بما فيها من أشكال وأنواع مختلفة من الفوانيس الصينية المبهجة، فمنها من يضيء ومنها من تصدح بالأغنيات الرمضانية المصرية والدينية.

الطفل محمود لم يتعب من ملاحقة والده رفعت قندس (41 عامًا) والطلب منه، ولا حيلة أمام الأخير للهروب، حتى توصل إلى حلٍ أخير يعيده إلى الماضي بشكلٍ مميز، حيث قرر صناعة الفانوس بنفسه من خلال علبة حديدة كبيرة وضع بها شمعة وأخذ يصنع بها ثقوبًا لتوزيع الضوء وربطها من الأعلى بقطعة حديديّة لتسهيل حملها كفانوس، لوّنها ونقشها وكتب عليها "رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير"، وجاب بها طفله الحارة، بفرحٍ غامر.

 يُعتقد أن الحضارة السومرية هي أول من استخدمت الفانوس بشكل عام كوسيلة إضاءة 

ويعتقد أن الحضارة السومرية هي أول من استخدمت الفانوس بشكل عام كوسيلة إضاءة من قبل المجتمع، وبقي الفانوس يتطور بشكل بطيء عبر التاريخ حتى جاء اختراع أرغاند "سويسري فرنسي" عام 1780 ميلادي والذي كان أقوى إضافة وأكثر أمنًا ليكون خطوة مهمة على طريق التحول بعد ذلك إلى عالم الكهرباء.

المصريون أيضًا ينسبون صناعة الفوانيس إلى أنفسهم وفق روايات تاريخية متناقلة، كان أبرزها أنه في يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادمًا من الغرب، وكان ذلك في يوم الخامس من رمضان عام 358بالتاريخ الهجريّ. خرج المصريون في موكب كبير جدًا على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلًا وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة وذلك لإضاءة الطريق إليه.

وهكذا بقيت الفوانيس تضيء الشوارع حتى آخر شهر رمضان، لتصبح عادة يلتزم بها كل سنة، ويتحول الفانوس رمزًا للفرحة وتقليدًا محببًا في شهر رمضان.

أما الروايات الأخرى، فذكرت مثلًا أن الخليفة الفاطمي كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق، وكان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معًا بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيرًا عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.

وهناك قصة أخرى عن أحد الخلفاء الفاطميين أنه أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس يتم إضاءتها عن طريق شموع توضع داخلها.

اقرأ/ي أيضًا: السوق نازل.. عن رمضان الزمن الجميل

شارع فهمي بيك وسط مدينة غزة، الذي كان يتزين بالمأكولات والمشروبات خلال منتصف رمضان، بدأ يحزم بضائعه من الحُمص والفلافل والخضروات والمقبلات والمخللات وحتى القطايف، ليستبدلها بحلويات العيد ومستلزماته من الأدوات المنزلية والمأكولات والتحضيرات.

الأسواق مليئة بالناس في الأيام الأخيرة، البضاعة التركية تملأ المحال التجارية حسب أقوال التجار، و"شوكلاتة العيد" على المفترقات، المفرحات والزينة، والألعاب تُنصب استعدادًا للعيد على نهايات الشوارع في الحارات وأطراف الأحياء، كلعبة "الشقاليبو" والدوار اليدوي، والحيطان مكتوب عليها "كل عام وأنتم بخير أعاده الله عليكم وقد تحرر أسرانا ومسرانا".


اقرأ/ي أيضًا:

أعياد الأسرى.. قطايف و"بوظة" وشوق لـ"تفاصيل صغيرة"

عيدنا يوم حريتنا

طلبة غزة.. تجمعهم أرجوحة العيد!