11-أبريل-2017

صورة علاء بدارنة

بشعائر وترانيم فرح بالحُريّة، احتفل السامريّون في جيل جرزيم بنابلس ليلة الثلاثاء (10 نيسان/ابريل)، بعيد الفسح، شُكرًا لله أو "شيما" كما يُنطق في عباداتهم، بعد أنّ نجّا "بني إسرائيل" من عبوديّة فرعون مصر، وأمرهم بالخروج منها. لكنّ نادر صدقة "السامريّ" ومنذ 15 سنة، ينتظرّ الخلاص من سجن فرعون الإسرائيليّ، ليحتفل بهذ العيد.

يصف السامريون أنفسهم بـ "حُراس التوراة الحقيقية"، ويبلغ عددهم نحو 796، نصفهم يعيش في نابلس، وعيد الفسح يرمز للحرية والانعتاق من الظلم

في هذا العيد، الذي يأتي في الـ14 من أوّل شهور السنة العبرية، بموجب التقويم السامريّ، يُقدّم السامريون الأضاحي من ماشيتهم تخليدًا للذكرى، فتُنحر بعد الغروب، وتُحَضَّر شواءً دون تقطيعها، لتُؤكل عند منتصف الليل. و"التوقيت والهيئة، فهما تمامًا كهيئة وميقات خروج بني إسرائيل من مصر"، كما يقول الكاهن عزيز يعقوب.

اقرأ/ ي أيضًا: أبناء "الديانة الرابعة" في فلسطين يحتفلون بالعرش

يُعتبر الفسح، أكثر أعياد السامريين فرحًا بالحرية والانعتاق من الظلم، لكنّه يحلّ حزينًا على عائلة الأسير نادر صدقة المحكوم بالسجن المؤبد ستّ مرّات، والمعتقل في سجون شقٍّ آخر من "بني إسرائيل" منذ 13 سنة.

"نادر السامري" كما هو معروف في نابلس وفي سجون الاحتلال التي تنقّل بين الكثير منها طيلة سنوات اعتقاله، والحاصل على بكالوريوس في علم الآثار من جامعة النجّاح، أمضى سنتين من حياته قبل الاعتقال مطاردًا، بعيدًا عن عائلته، متخفيًّا، الأمر الذي يعني أنه ظلّ بعيدًا عن "جبل جرزيم"، وعائلته، وأهله؛ بعيدًا عن الاحتفال معهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم منذ 15 سنة.

نادر صدقة "السامريّ"

السيّدة سلام، والدة نادر حدثتنا عن مفهوم الحرية بالنسبة له فيما صوره تحيط بنا، وتملأ جدران منزلها. فتقول إنّ ابنها كان ومنذ طفولته، لم يكن يحب أن يفرض أحد سيطرته عليه، ولم يكن يستجيب لآراء ورغبات الغير دون أن يقتنع هو بذلك، سواء في لعبه، أو دراسته، أو حتّى في مساعدته لإخوانه، مشيرةً إلى أنّ بعض كبار العائلة كانوا يُطلقون عليه لقب "النمرود"، وهذا ما دفعه لمقاومة الاحتلال، رغبة بانتزاع حريّته، وحرية شعبه.

عائلة الأسير صدقة، لا يفارقها الشعور بالنقص في أجواء هذا العيد، فوجود أحد الأبناء في سجون الاحتلال يخلق شعورًا مغايرًا عمّا هو عند باقي العائلات السامريّة، خاصّة وأنّ عائلة نادر، العائلة السامريّة الوحيدة التي تعاني من اعتقال "إسرائيل" أحد أبنائها.

اقرأ/ي أيضًا: السامريون: لا ذِكرَ للقدس في التوراة وجرزيم قبلتنا

يأتي الفسح، ويأتي معه شريط الذكريات، فتقول والدته إنّه كان يساعد في تحضير الخبز الخاص لهذا العيد والذي يُطلق عليه "الفطير". وهو، كما أخبرنا "الكاهن عزيز" الشراك غير المختمر، الذي يُحضّره السامري ذاتيًا في منزله، يأكل منه طيلة أيام العيد السبعة، مُمتنعًا عن تناول أي شراب أو طعام لم يُعدّه في منزله، بعيدًا عن المُخَمِّرات.

غياب نادر يبدو أكثر وضوحًا وقسوة في هذا العيد بالنسبة لعائلته، ففي هذه الأيّام، يجتمع السامريّون من مدينة نابلس، وسكّان مدينة "حولون" في الداخل الفلسطيني المُحتل، فهو العيد الوحيد الذي تجتمع الطائفة كلها في "جبل جرزيم"، وما يحمله هذا الاجتماع من تقارب وتزاور بين الأقارب وغيرهم. فتجد الحيّ يعجُّ بالناس طيلة الأسبوع.

وتقول والدته سلام، إنّ أصدقاء نادر يحضرون العيد، ويسألون عنه، وعن أحواله في السجون، ويلتقطون صورًا تذكارية مع العائلة لإرسالها لنادر في سجنه.

الأسير نادي السامري (يمين الصورة)
الأسير نادر السامري (يمين الصورة)

اقرأ/ي أيضًا: مدرسة جرزيم: سلام وطني وفاتحتان إسلامية وسامرية

أكثر ما يؤلم ليندا، شقيقة نادر، أنّ أبناءها الأربعة يكبرون وهم يكادون لا يعرفون شيئًا عن خالهم الذي تعلّقوا به حين كانوًا صغارًا. وتقول إنّهم ينتظرّون عودة جدّهم من زيارته في سجن لتُحدّثهم عن خالهم، وأحواله في سجنه، معتبرةً أنّ مفهوم الحرية في هذا العيد صار مرتبطًا بخروج نادر، وتحرره من سجنه.

أمّا إبراهيم، الشقيق الأكبر، فيقول إنّ فراق نادر خلق لديه مفهومًا وانطباعًا آخر عن الحريّة في هذا العيد، ويستذكر أنّ نادر لا يتوقّف عن السؤال عن أجواء العيد، وعن الأهل والأصدقاء.

يحتفل السامريون، في كل عام، بهذا العيد، ويَفِدون من أماكن سكناهم، كلهم دون استثناء، مجتمعين على قمة جبل جرزيم، قِبلَتهم وأقدَس أَقْداسهم. وفي التاريخ المَذكور، الرابع عشر من الشهر الأوّل، بين الغروبين، بعد الظهر وقبيل المغرب، يجتمعون مُحضرين الماشية، ذُكُورًا سالمة وليدة سنتها، تبدأ صلاة خاصة، ابتهالًا وتهليلًا، شكرًا ورضىً، ضارعين لله أن يقبل صلاتهم وقُربانهم، مُنتظرين الكاهن الأكبر، الذي يعتلي منصته، ويتلو سورة الأمر بالأضاحي الموصوفة بنغمة خاصة معروفة.

صورة جعفر اشتية (أ ف ب)

وما أن يصل إلى آية النحر، حتى تُنْحَر الماشية خلال ثوانٍ لتعمّ الفرحة السامريين كافة، مُرددين بسرعة تارة وبنغمة خاصة بأخرى القول: نشهد ونقول أن لا إله إلا الله، نشهد ونقول أن لا إله إلا الله، رافضين أن يُعكّر صفو فرحتهم، مهما كانت الأسباب والظروف، غير مبالين بلظى الشمس أو البرد أو حتى المطر الذي قد ينهمر، وفقًا للكاهن عزيز.

ذبح السامريون هذا العام، 53 خروفًا بعدد عائلاتهم في منطقتي نابلس وحولون، بزيادة مقدارها خروف واحد

في عيد الفسح، بحسب الكاهن يعقوب، تجتمع العائلة، نساءً ورجالًا وأطفالًا، ويأكلون من شواء لحم قربانهم بأيديهم، وهُم ما زالوا على هيأتِهِم: الأحزمة مشدودة، والعصيّ بأيديهم ونعالهم بأرجلهم، تمامًا كهيئة وميقات خروج "بني إسرائيل" من مصر.

وبالإضافة للشواء هناك الفطير غير المُختمر وعشبة مُرّة معروفة للسامريين، وهم يخطفون الشواء، ليحاكوا في ذلك لهفة "بني إسرائيل" من شِوَاءٍ لطالما اشتهوه في أيدي مُستعبِديهم.

وبعد تناول القرابين، يجمعون ما تبقّى في الآنية التي جلبوها إلى منازلهم، ويعودون بها إلى مقر الاحتفال، يُلقونها في النار، ويسهرون طيلة الليل، مُشرفين على إحراق المتبقي حتّى التيقّن من فراغهم من المهمة تمامًا. عندها تبدأ صلاة خاصّة بالعيد، الذي بات يدعى عيد الفطير ويتبادل أبناء الطائفة التهاني طوال هذه الفترة مُتمنّين عيدًا سعيدًا، آملين تكرار المناسبة عامًا إثر عام والفرحة غامرة، يقول الكاهن يعقوب.

هذه الشعائر، وهذا الاحتفال، وهذا العيد بكامل فرحه بعيد عن نادر، وعائلة "صدقة" التي تنتظر فرجًا يُنجّي ولدها من سجون فرعون هذا العصر، ليكون لعيد الفسح طعم آخر.

 


اقرأ/ي أيضًا:

"المعلاق" وجبة الخليل السحرية كل صباح

السفّاحون: هكذا نفذّنا مجزرة دير ياسين

تجوّل في أرضك تمتلكها..