شكّل الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر عام 1993، محطة مهمة ومفصلية، حين صافح الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق اسحق رابين، إثر اعتراف متبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، كمقدمة لاتفاقية أوسلو، في البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. سُميّت الاتفاقية "أوسلو" نسبة للعاصمة النرويجية التي احتضنت المفاوضات السرية.
رغم معارضات عديدة للاتفاقية، إلا أن كثيرين اعتقدوا بقرب "السلام" وزوال الاحتلال، وعودة اللاجئين والحرية والاستقلال. إلى أن تبيّن أنّ "إسرائيل" أرادت استخدام الاتفاقية كوسيلة لخدمة مشروعها الاستعماري، سواء بإلغاء المقاطعة الدولية التي كانت مفروضة عليها، ثم الانفتاح والتطبيع مع العالم بما فيه العربي والإسلامي.
سعت إسرائيل لاستخدام اتفاق أوسلو كوسيلة لإلغاء المقاطعة الدولية عليها، وغطاءً لتعميق الاحتلال والتخلص من أعباء الفلسطينيين
سعت إسرائيل لتكون الاتفاقية غطاءً لتعميق الاحتلال وقضم الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات التي تضاعف عددها وحجمها، والتخلص من أعباء ملايين الفلسطينيين بإقامة سلطة فلسطينية، وتحميلها تلك الأعباء، لتصبح وكيلًا أمنيًا اقتصاديًا وإداريًا لصعوبة تحوّل السلطة إلى مقاومة، وتعذر عودتها لحركة تحرر، واستحالة تطورها لدولة، وتمرير السياسات الإسرائيلية من خلالها، ما شكّل حاجزًا يفصل الشعب الفلسطيني عن الاحتلال، منع الفلسطينيين من الوصول لمواقع الاشتباك وتوجيه الغضب الفلسطيني ضدّ السلطة، لإضعافها، وإغراقها بالالتزامات الأمنية وتكبيلها بالمفاوضات، بعد تحريم أشكال المقاومة الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا: منهاج فلسطيني مخنوق بسبب "أوسلو" وأموال المانحين
كلّها عوامل أدت لتراجع في الثقافة والرواية الوطنية الفلسطينية، في الوقت الذي واصل الاحتلال استخدام أساليب القمع العسكرية، فيما رفضت إسرائيل مناقشة أهم مكونات القضية الفلسطينية في أوسلو، وتركتها للمرحلة النهائية، بدون اشتراط منظمة التحرير على إسرائيل الالتزام بعدم إحداث أي تغييرات في ملفات القدس، أو اللاجئين، الحدود، المياه ، الأمن وقضايا أخرى. وبذلك تكون إسرائيل قد حصلت على ما تريد دون ثمن، وحوّلت القضية إلى قضية أمنية اقتصادية فقط، فيما واصلت أساليب الخداع، بإقرار مجموعة من التشريعات والقوانين، بموازاة فرض واقع جديد يصعب تغييره.
كشفت اتفاقية "أوسلو" أن الإسرائيلي ذهب جاهزًا ووضع خططه التفاوضية المدروسة، فيما تسرع الفلسطيني اعتقادًا منه أن الإسرائيلي فتح صفحة جديدة وبنيّة حسنة تعكس قراءةً فلسطينيةً سطحيةً للإسرائيلي، رغم أنه من المفترض أن يكون الفلسطينيون هم الأكثر فهمًا لإسرائيل وقدرةً على التعامل معها، خاصة أن مفاوضات أوسلو بدأت في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وما شكلته من رافعة، إلا أن تفاصيل الاتفاقية كشفت عن إخفاق القيادة في توظيف الانتفاضة والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، في واحدة من أهم مراحل النضال الفلسطيني وما حققته من تضامن وتأييد عالمي.
شكل اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل وحقها في الوجود الآمن في المنطقة، خطًأ استراتيجيًا كبيرًا بمنح إسرائيل الشرعية الفلسطينية، والتخلي عن الكفاح المسلح، وحصر الوسائل في المفاوضات فقط، وبدون اعتراف إسرائيل بالحقوق الوطنية الفلسطينية سوى الاعتراف بمنظمة التحرير، حيث الإقرار الفلسطيني بحق إسرائيل في الوجود الآمن دون تحديد حدودها يتناقض مع الرواية التاريخية الفلسطينية، وإلغاء مواد في الميثاق الوطني الفلسطيني لتشويه الهوية والرواية الوطنية، بعد فشلها في القوة العسكرية .
بعد ربع قرن على "أوسلو"، وسنواتٍ على رحيل ياسر عرفات واسحق رابين، وفشل المصافحة في تحقيق مصالحة، حيث أتت بنتائج عكسيةٍ وأصبح السلام بعيدًا، لأن السلام الذي تريده إسرائيل هو استسلام الفلسطينيين معتمدة على موازين القوى وتفكك وضعف المنطقة العربية والفلسطينية، وانزياح المجتمع اليهودي باتجاه اليمين المتطرف، حيث تواصلت الاجتياحاتُ والحروب على غزة وفصلها عن الضفة، وعزل القدس وتهويدها، وتقطيع أوصال الضفة بالمستوطنات، واتّباع اقتصادها بإسرائيل، وأصبحت الضفة وسلطتها تحت سلطة إسرائيل، وانتهى حل الدولتين، وحلت محلَّهُ صفقة ترامب العدوانية لتصفية القضية والقدس، ونقل سفارة واشنطن إلى القدس، وتصفية اللاجئين، وقانون القومية اليهودية، لذلك بات لزامًا التخلص من "أوسلو" وبناء الحركة الوطنية، وغير ذلك تكون خطيئة .
اقرأ/ي أيضًا:
يديعوت: الاحتلال أصبح مريحًا أكثر وأرخص