29-أبريل-2017

في سلواد شرق رام الله  كانت مهدية حماد تسير على مهلٍ عائدة من منزل شقيقتها بعد أن أرسلت إليها الحطب لاستخدامه في التدفئة، عندما قتلها جنود الاحتلال زاعمين الاشتباه بنيتها تنفيذ عملية دهس.

إعدام مهدية (أم لأربعة أطفال) تم في كانون الثاني/ديسمبر 2015، وبعد 16 شهرًا على الجريمة، وتحديدًا في نيسان/إبريل 2017، دهس مستوطنٌ طفلين فلسطينيين في صور باهر، وهرب مع صديقه إلى مركزٍ طبيٍ، حتى حضرت قوات الاحتلال وأخرجته منه ثم أطلقت سراحه.

تسارع قوات الاحتلال لإعدام أي فلسطينيٍ للاشتباه بنيته تنفيذ عملية دهس، فيما تُصنف أعمال الدهس التي يرتكبها مستوطنون بأنها "حوادث سير عادية"

لم يجد قتلة مهدية من يحاسبهم أو يحقق معهم في معاجلتها بالرصاص، بينما كانت تسير بسرعةٍ لا تتجاوز 40 كم في الساعة، لكن شرطة الاحتلال سارعت إلى الزعم بأن المستوطن الذي دهس الطفلين الشقيقين محمد وندى عطون في صور باهر كان هاربًا من فلسطينيين حاولوا "الاعتداء عليه" عندما كان يبيع البيض في البلدة، دون أن تورد ذكرًا لإصابة الطفلين في بيانها.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيليون يفضحون جرائم جيشهم.. ماذا خلف ذلك؟

مزاعم شرطة الاحتلال نفاها بشدة أهالي البلدة، الذين أكدوا أن المستوطن كان هاربًا من سيارة شرطةٍ إسرائيلية، لأنه كان يبيع البيض دون ترخيص، وعندما خرج من المركز الطبي بحماية الشرطة، كال الشتائم لأهالي البلدة الذين تجمهروا في الموقع، فتضاعفت حالة التوتر واندلعت مواجهات عنيفة.

هذه المقارنة ليست عابرةً، فالواقعتان جزءٌ من سياسيةٍ تنتهجها سلطات الاحتلال في التعامل مع أعمال الدهس التي تقع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ ينجو المستوطنون دائمًا بأفعالهم التي تُصنف بأنها حوادث، ولا يتبعها أي عقوباتٍ، كما لا يتبعها إلزامهم بدفع أي تعويضات لضحايا هذه "الحوادث".

وحسب المحامي محمد الهندي من القدس، فإن إسرائيل أقرت قانونًا خاصًا بحوادث السير بموجبه توجد مسؤولية كاملة على المذنب بصرف النظر عن هويته، إذ يحق للمتضرر الحصول على تعويضٍ ماليٌ يُقدر حسب عدة أمورٍ بينها العمر، وحجم إعاقة المتضرر، وهذا تحدده لجانٌ من "التأمين الوطني"، أو خبير طبي مكلف من قبل المحكمة.

لكن هذا القانون لا يُأخذ بعين الاعتبار في حال وقع الحادث في الضفة الغربية، التي تغص بالاستيطان والمستوطنات، إذ تسعى سلطات الاحتلال دائمًا إلى نفي أي فرضيةٍ لتعمد الدهس، فتصنف كل أعمال الدهس التي يرتكبها مستوطنون بأنها حوادث، قبل أن يتكفل القضاء بإهدار حقوق ضحاياها.

إيناس دار خليل وتولين عصفور، طفلتان من بلدة سنجل قضاء رام الله، تعرضتا للدهس من قبل مستوطنٍ عام 2014، أثناء عودتهما من الروضة لمنزليهما. تقول شرطة الاحتلال إن المستوطن الذي لاذ بالفرار من موقع الحادث، سلّم نفسه لاحقًا وأبلغ بأن الحادث لم يكن مقصودًا.

كانت نتيجة الحادث استشهاد إيناس وإصابة تولين بإعاقة دائمة، وبعد سنتين ونصف من الحادث لا تزال عائلة إيناس عالقةً في محاكم الاحتلال دون الحصول على تعويضات، فيما دفعت عائلة تولين 400 ألف شيكل تكاليف علاج طفلتها التي لم تتعافى، في حين أوقف المستشفى الإسرائيلي تقديم العلاج لها.

يؤمن  شوكت دار خليل والد إيناس بأن الحادث "قضاءٌ وقدر"، ويقول إنه "لا يريد المتاجرة بدم طفلته" أو "بيع مصيبته"، لكن هذا لا يعني توقفه عن المطالبة بمحاسبة المستوطن الذي دهسها، حتى إن لم يكن متعمدًا، مبينًا، أنه وكّل أربعة محامين لمتابعة القضية، وعندما طال الأمر وأرهقته التكاليف، اكتفى بمكتب محاماةٍ واحدٍ، لكن دون أي جدوى.

ويضيف دار خليل لـ"ألترا فلسطين"، أن سلطات الاحتلال لم تستدع أيًا من أفراد العائلة للحصول على إفادتهم، كما أنهم لم يعلموا بعقد أي جلسةٍ للنظر في القضية، موضحًا، أن مكتب المحاماة الذي يتابع القضية أبلغهم بأن القضية ستنتهي في أفضل الأحوال بحصولهم على تعويضٍ بقيمة 10 آلاف دينارٍ، "وفق ما تنص عليه اتفاقية أوسلو، وأن عليهم التوجه إلى المحكمة العليا للمطالبة بحقهم".

الأستاذ المشارك في كلية الحقوق بجامعة القدس رفيق أبو عياش، نفى أن يكون لاتفاقية أوسلو أي صلة بهذه القضية، وبيّن لـ"ألترا فلسطين"، أن أي سيارةٍ تحمل لوحة تسجيلٍ إسرائيليةٍ تقدم على دهس فلسطينيٍ يُحال سائقها إلى القضاء الإسرائيلي، إلا أن الحكم في القضية يكون وفق القانون الفلسطيني، وليس الإسرائيلي، لأن قيمة التعويض في القانون الفلسطيني أقل منها في القانون الإسرائيلي.

وأوضح أبو عياش، أن التعويض، في القانون الفلسطيني، عن وفاة طفلٍ أو مسنٍ بسبب حادث سير لا يتجاوز خمسة آلاف دينار، "أما في حال كان الضحية عاملاً فتكون حسبة أخرى، تدخل فيها الفترة المتبقية لتقاعده، والراتب الذي يتقاضاه، أو نسبة العجز في حال بقي الضحية حيًا".

مصيبة والد إيناس ربما تهون أمام مصيبة عائلة تولين، التي أصيبت بارتجاجٍ حادٍ في الدماغ أفقدها القدرة على التركيز، ولم تعد تتذكر إلا صديقتها إيناس، هذا إضافة لتعطل يدها وقدمها في الجهة اليسرى من جسدها، وقد كانت تتلقى العلاج في مستشفى "ألين" في القدس، إلا أن إدارة المستشفى أوقفت علاجها قبل خمسة أشهر، بزعم أنها لا تحتاج للعلاج.

يقول عمر عصفور والد تولين، إن التأمين الإسرائيلي لم يدفع ربع تكاليف علاج طفلته منذ الحادث، إذ بلغت تكلفة العلاج نحو نصف مليون شيكل دفعت العائلة 400 ألف شيكل منها، قبل أن يتم وقف العلاج، ما دفعه لرفع دعوى يطالب بها بإعادة علاج طفلته، دون أن يحصل على إجابة حتى اللحظة.

أصيبت الطفلة تولين عصفور بإعاقة دائمة وارتجاج في الدماغ بعد أن دهسها مستوطن، ولم يتكفل التأمين الإسرائيلي بتغطية ربع تكاليف علاجها

يقول عصفور لـ"ألترا فلسطين": "أهم شيءٍ بالنسبة لنا الآن علاج ابنتي، فصحتها تراجعت منذ توقفه، هذا عدا عن حاجتها لتغيير جهازٍ في قدمها مرة كل ستة أشهر، فقد تراجعت قدرتها على المشي بسبب عدم تغييره".

اقرأ/ي أيضًا: المُحرّرة عطاف عليان والفدائي الذي قتلها عشقًا

في بيت امر شمال الخليل، كان الناشط ضد الاستيطان محمد عوض وعددًا من السكان شاهدين على دهس مستوطنٍ للشاب رأفت أبو عرار من بلدة دير سامت، أثناء توقفه للحديث مع شقيقه إلى جوار الطريق، فيما كانت قوة من جيش الاحتلال تتمركز في الموقع ولم تحرك ساكنًا تجاه المستوطن.

ووثق الناشط عوض بالفيديو لحظة انحراف المستوطن عن مساره باتجاه الشاب رأفت ودهسه، ثم متابعته طريقه هاربًا دون أن يتوقف حتى للتحقق مما حدث، "رغم وجود قوة من الجيش كانت قادرة على توفير الحماية له في حال تعرض أحدٌ له، كما كانت قادرة على ملاحقته واعتقاله على الأقل، كما تفعل في حال استهدف الدهس جنديًا أو مستوطنًا".

يقول الناشط عوض لـ"ألترا فلسطين"، إن الطريق كان سالكًا لحظة الدهس، وإن كلاً من رأفت وشقيقه محمد أوقفا سيارتيهما خلف بعضهما إلى جوار الشارع، ثم ترجل رأفت للحديث مع شقيقه الذي بقي داخل سيارته، إلا أن المستوطن انحرف عن طريقه ودهس رأفت ثم تابع السير. ورغم ذلك فقد ادعت شرطة الاحتلال بأن الواقعة "حادث سير غير مقصود".

ورغم أن الدهس تم في منتصف شهر شباط/فبراير 2017، أي قبل أكثر من شهرين على إعداد هذا التقرير، إلا أن قضاء الاحتلال لم يعقد أي جلسةٍ للنظر في القضية.

لدة الخضر قضاء بيت لحم، لا تزال شاهدةً على عددٍ من أعمال الدهس التي ارتكبها مستوطنون، ذهب ضحيتها في شباط/فبراير 2017 المسن سليمان صلاح أثناء ركوبه دابته عائدًا من أرضه، إضافة لإصابة المسن حسين داوود إصابة بليغة، امتنع الاحتلال حتى عن علاجه منها، في أيلول/سبتمبر 2016.

يقول أحمد داوود نجل المسن حسين، إن الإسعاف الإسرائيلي نقل المستوطن الذي كان يقود السيارة لتلقي العلاج، فيما تُرك والده داخل سيارة الإسعاف الإسرائيلية لحين حضور سيارة إسعاف فلسطينية، إذ منع الجنود نقله لمستشفىً إسرائيليٍ بذريعة أن أحد أبنائه أسيرٌ ولا يحق له دخول القدس، رغم أن داوود يبلغ من العمر (67 عامًا)، ويحق له دخول المدينة المقدسة دون تصريحٍ أصلاً، وفق قيود سلطات الاحتلال.

ويبين داوود، بأن مشادة وقعت بينه وبين جنود الاحتلال، عندما رأى والده بحالةٍ صحيةٍ صعبةٍ ويحتاج لعلاجٍ فوري، فاعتدى عليه الجنود بالضرب، حتى نقل مع والده بسيارة إسعافٍ فلسطينية إلى الجمعية العربية في بيت لحم.

ويضيف لـ"ألترا فلسطين"، بأن الجمعية العربية رفضت استقبال والده لتلقي العلاج قبل أن يدفع مبلغًا ماليًا لم يكن متوفرًا في تلك اللحظة، وقد تبين لاحقًا أن إصابته كانت في الرأس والخوض والكتف والجنب الأيمن.

دهس مستوطنٌ مسنًا في بيت لحم وأصابه بجروحٍ بليغة، لكن جيش الاحتلال منع علاجه في مستشفى إسرائيلي بذريعة أن ابنه أسير

ورغم مرور سبعة أشهرٍ على دهس داوود، إلا أن العائلة لم تستطع مقاضاة المستوطن والحصول على تعويضاتٍ تغطي تكاليف علاجه، إذ امتنع جنود الاحتلال عن تقديم معلوماتٍ عن المستوطن مرتكب الدهس.

وحسب داوود، فقد امتنعت الشرطة الفلسطينية أيضًا عن القيام بأي دورٍ في الحصول على هذه المعلومات، مضيفًا، أنهم علموا مؤخرًا بأن فلسطينيًا من الداخل المحتل يملك صورًا للسيارة التي كان يقودها المستوطن، وهي تحاول التواصل معه للحصول على المعلومات اللازمة والتوجه للقضاء.

وتعقيبًا على أقوال داوود، أفاد الناطق باسم الشرطة الفلسطينية المقدم لؤي رزيقات لـ"ألترا فلسطين"، أن متابعة مثل هذه القضايا أمرٌ يتولاه الارتباط العسكري الفلسطيني وليس الشرطة. لكن "ألترا فلسطين" لم يتمكن من الحصول على أي إجابة من الارتباط العسكري حول القضية.

المسن سليمان صلاح الذي استشهد بعد نحو خمسة أشهرٍ من إصابة داوود بالطريقة ذاتها، زعمت شرطة الاحتلال أيضًا أن دهسه كان حادثًا عاديًا، وقدمت لعائلته تقريرًا أوليًا عن الحادث، لكنه لا يكفي لرفع دعوى قضائية، فيما تمتنع شرطة الاحتلال حتى اللحظة عن تقديم تقريرٍ نهائيٍ، بدعوى أنها لا زالت تحقق في الحادث، رغم مرور أكثر من شهرين عليه، حسب أحمد صلاح حفيد الشهيد.

يشار إلى وجود عددٍ آخر من أعمال الدهس التي أزهق بها مستوطنون أرواحًا فلسطينية، كان منها استشهاد المسنة زينب الرشايدة في الأغوار، وإصابة الطفلة رغد عزات شمال القدس، ودهس المستوطنة عنات كوهين رجلاً وامرأة في الخليل، وسواها، وقد أدانت الخارجية الفلسطينية هذه الجرائم، واعتبرتها شكلاً من أشكال الإعدامات الميدانية.

اقرأ/ي أيضًا: 

شوارع القدس بأسماء أبطال إسرائيل

تجول في أرضك تمتلكها 

السفاحون: هكذا نفذها مجزرة دير ياسين