06-يوليو-2024
يعتبر توفير المياه العذبة للشرب والمالحة للنظافة الشخصية مهمة شاقة يومية في قطاع غزة

يعتبر توفير المياه العذبة للشرب والمالحة للنظافة الشخصية مهمة شاقة يومية في قطاع غزة | الترا فلسطين

تكابد النازحة الخمسينيّة "أمّ سالم" معاناة يوميّة بغية الحصول على المياه العذبة للشرب أو المالحة الّتي تستخدم للنظافة والاستخدامات المنزليّة الأخرى، حيث تفاقمت أزمة المياه عقب النزوح الكبير لسكّان مدينة رفح والنازحين فيها هربًا من العمليّة البرّيّة لقوّات الاحتلال والمستمرّة منذ 6 أيّار/مايو الماضي.

بعد محطّات نزوح عدّة منذ مغادرتها منزلها في بلدة بيت لاهيًا شمال القطاع عقب اندلاع الحرب في تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي، كانت أمّ سالم تقيم مع أسرتها في مركز إيواء في حيّ تلّ السلطان غرب مدينة رفح، وقد اضطرّت مع نحو مليون و400 ألف غزيّ إلى النزوح عن هذه المدينة المحاذية للحدود مع مصر. 

يقطع محمد السطري يوميًا نحو كيلو متر سيرًا على قدميه، وينتظر لساعات طويلة أمام المحطة، لتعبئة غالون (20 لترًا) من المياه لأسرته المكونة من 5 أفراد، وتقيم في خيمة

وتقيم أمّ سالم وأسرتها، المكوّنة من 7 أفراد، حاليًّا في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، وتقول لـ "الترا فلسطين" إنّ "أكبر معاناة نواجهها يوميًّا هي الحصول على مياه حلوة للشرب ومالحة للنظافة".

وعمّقت عمليّة اجتياح قوّات الاحتلال لمدينة رفح من أزمة المياه، حيث زاد الضغط على مصادر المياه الشحيحة في منطقة المواصي الممتدّة بمحاذاة ساحل البحر في مدينتي خانيونس ودير البلح، وتؤوي الغالبيّة من النازحين، ونتيجة لذلك راجت على نحو ملحوظ تجارة المياه وبأسعار لا تناسب الكثيرين، ممّن أنهكتهم شهور الحرب الطويلة، ولا يتوفّر لديهم المال لتوفير أبسط أساسيّات الحياة اليوميّة.  

تنتشر في جنوب قطاع غزة نقاط بيع للمياه وأخرى مجانية بدعم مؤسسات خيرية في ظل أزمة مياه حادة جراء الحرب الاسرائيلية-أحلام حماد-الترا ف
تنتشر في جنوب قطاع غزة نقاط بيع للمياه وأخرى مجانية بدعم مؤسسات خيرية في ظل أزمة مياه حادة جراء الحرب الاسرائيلية | الترا فلسطين

صفوف يومية

وتضطر هذه الأم الأرملة وأولادها للوقوف في صفوف لوقت طويل تحت أشعة الشمس اللافحة من أجل الحصول على المياه العذبة للشرب، توزعها جمعية خيرية في صهريج محمول على سيارة نقل، غير أن محاولاتها تبوء كثيرًا بالفشل بسبب نفاد الكمية، جرّاء الضغط الشديد.

ونقلت أم سالم عن المقيمين قبلها في المنطقة أن هذه الصهاريج كانت تأتيهم في المخيمات أو مراكز الإيواء مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًا، لكنها الآن وبعد النزوح الكبير من مدينة رفح تأتيهم مرة واحدة أسبوعيًا وأحيانًا تتأخر عن ذلك، حيث خرجت محطات تحلية المياه والآبار في رفح عن الخدمة.

فلسطينيان يتعاونان في نقل عبوات مياه بواسطة عربة يدوية بدائية في خان يونس-أحلام حماد-الترا فلسطين
فلسطينيان يتعاونان في نقل عبوات مياه بواسطة عربة يدوية بدائية في خانيونس | الترا فلسطين

وتقول أم سالم: "كانت رفح تؤوي غالبية سكان القطاع، وعندما نزحنا عنها زاد الضغط على المواصي في خانيونس وكذلك في دير البلح وسط القطاع، وبسبب ذلك نعاني بشدة في توفير المياه العذبة أو المالحة".

وإزاء ذلك انتشرت على نحو كبير تجارة المياه بنوعيها، وباتت مشاهد براميل المياه الكبيرة تجوب الشوارع على متن سيارات أو عربات تجرها الحيوانات، لبيعها للسكان والنازحين. 

وتقول أم سالم إن أسعار المياه مرتفعة، ولا يمكنها توفيرها لأسرتها الكبيرة، حيث لا يتوفر لديها دخل ثابت بعد وفاة زوجها قبيل اندلاع الحرب ببضعة شهور، وكان هو معيلها الوحيد بالعمل كسائق سيارة أجرة.

أزمة مياه حادة

وفي مدينة دير البلح التي تؤوي حاليًا العدد الأكبر من النازحين، تشهد محطة تحلية مياه البحر على شاطئ المدينة اكتظاظًا كبيرًا لفلسطينيين من أعمار وأجناس مختلفة، جلّهم من النازحين، من أجل تعبئة غالونات وبراميل.

ويقطع محمد السطري يوميًا نحو كيلو متر سيرًا على قدميه، وينتظر لساعات طويلة أمام المحطة، لتعبئة غالون (20 لترًا) من المياه لأسرته المكونة من 5 أفراد، وتقيم في خيمة.

ويقول محمد، 20 عامًا، لـ "الترا فلسطين" إنه يقوم بهذه المهمة يوميًا منذ أكثر من شهر، وبعد لجوء أعداد كبيرة من النازحين من مدينة رفح لدير البلح، ويضيف: "قبل الضغط على المدينة كانت صهاريج المياه المجانية تأتي بشكل مستمر، لكنها الآن تتأخر ونضطر إلى الوقوف لساعات طويلة للتعبئة أو شرائها".

نازح في مدرسة يتوضاً بالقليل من المياه في ظل أزمة مياه حادة في الخيام ومراكز الايواء-أحلام حماد-الترا فلسطين
نازح في مدرسة يتوضأ بالقليل من المياه في ظل أزمة مياه حادة في الخيام ومراكز الايواء | الترا فلسطين

وعلى مقربة منه كان يقف سائق سيارة نقل تحمل صهريجًا لصالح جمعية خيرية، وقال لـ"الترا فلسطين" مكتفيًا بتعريف نفسه بـ"أبو أمجد"، إن التأخير سببه الضغط الهائل من النازحين على مدينتي خانيونس ودير البلح، وعدم توفر مصادر مياه متعددة، بعد خروج محطات مياه كثيرة عن الخدمة سواء؛ بسبب التدمير الإسرائيلي المباشر لها، أو لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها. 

ويعود محمد للحديث ويقول: "منذ بداية الحرب نعيش يوميًا معارك لتوفير سبل الحياة، ومنها معركة الحصول على المياه، وكل يوم أحضر هنا لتعبئة هذا الغالون؛ ومن ثم العودة إلى أمي لمساعدتها في إشعال النار لطهي الطعام، فإذا كان الحصول على المياه صعبًا فإن الحصول على غاز الطهي مهمة مستحيلة".

وتقول ريم شاهين وهي نازحة من مدينة غزة وتقيم في مركز إيواء بدير البلح منذ الأسبوع الأول لاندلاع الحرب: "نعاني أزمة حادة في المياه؛ بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في دير البلح بعد النزوح الكبير من رفح".

وبالكاد تتدبر ريم شؤون أسرتها، المكّونة من 8 أفراد، من المياه سواء للشرب أو النظافة، وتقول لـ "الترا فلسطين": "زاد الأمر صعوبة جراء لجوء مئات آلاف النازحين لمدينة دير البلح هربًا من الاجتياح البري لرفح، ونقف يوميًا في صفوف طويلة لتعبئة المياه للشرب أو كمية قليلة من أجل غسيل الملابس والأواني، ونضطر غالبًا لشرائها ما يشكل عبئًا ماليًا على غالبية الأسر".

يظهر شاب يحمل غالوناً لتعبئته بالمياه وسط دمار هائل في مدينة خان يونس-أحلام حماد-الترا فلسطين
يظهر شاب يحمل غالوناً لتعبئته بالمياه وسط دمار هائل في مدينة خانيونس | الترا فلسطين

تجارة المياه وسلاح التعطيش

ويباع غالون المياه العذبة، 20 لترًا، بثلاثة أو أربعة شواكل حسب المنطقة والجودة (الدولار يعادل 3.65 شيكل)، فيما كان سعره قبل اندلاع الحرب لا يتجاوز شيكلًا واحدًا فقط، فيما يبلغ سعره من المياه المالحة نحو 2 شيكل أو أقل قليلًا، وتستخدم للنظافة الشخصية والاستخدامات المنزلية الأخرى.

ويبرر بائع المياه أحمد حامد لـ "الترا فلسطين" ارتفاع أسعار المياه بالكلفة العالية لتحلية المياه العذبة، أو استخراج المالحة من الآبار، وكذلك كلفة نقلها، بسبب شحّ الوقود وارتفاع أسعار الكميات القليلة المتوفرة منه بالأسواق أضعاف مضاعفة.

ويحتاج سكان قطاع غزة، ويقدر تعدادهم بنحو 2.2 مليون نسمة، نحو 3 ملايين لتر يوميّا من المياه، ولها 3 مصادر رئيسية، وهي وفق بيانات رسمية للبلديات: الآبار الجوفية ونحو 97 إلى 99% منها غير صالحة بالمطلق للاستخدام البشري نظرًا لشدة ملوحتها، وخطوط شركة المياه الإسرائيلية (مكروت) التي تضخ 18 مليون متر مكعب بالسنة من المياه العذبة، ومحطات التحلية الثلاث في شمال القطاع ووسطه، التي تنتج مجتمعة من 4 إلى 5 ملايين متر مكعب بالسنة من المياه العذبة.

يحمل الأطفال غالونات ودلاء لتعبئتها بالمياه من أجل الشرب والنظافة الشخصية-أحلام حماد-الترا فلسطين
يحمل الأطفال غالونات ودلاء لتعبئتها بالمياه من أجل الشرب والنظافة الشخصية | الترا فلسطين

وبحسب هذه البيانات، فإن 22 مليون متر مكعب تنتجها المصادر الثلاثة لا تفي بحاجة السكان الذين يسدّون النقص باستخدام مياه غير صالحة من الآبار الجوفية، سواء التابعة للبلديات أو الشخصية، ومع اندلاع الحرب تعمقت الأزمة مع قطع الاحتلال الإمدادات المائية واستهداف الآبار ومحطات التحلية.

وأدت الحرب إلى انخفاض حصة الفرد الواحد من المياه في غزة إلى ما بين 3-15 لترًا يوميًا في مقابل معدل استهلاك بنحو 84.6 لترًا للفرد يوميًا خلال العام 2022، بحسب تقرير مشترك صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه الفلسطينية قبل بضعة أسابيع.

ويقدّر إجمالي المياه المتوفرة حاليًا في القطاع بنحو 10 إلى 20% من مجمل المياه المتاحة قبل الحرب، وهذه الكمية غير ثابتة وتخضع لتوفر الوقود، بحسب التقرير، الذي رصد تدمير الاحتلال نحو 40% من شبكات المياه، مما ترك السكّان غير قادرين على الحصول على المياه النظيفة.

ووفقًا للتقرير فإن الظروف قبل الحرب لم تكن أفضل بكثير، حيث قدرت سلطة المياه الفلسطينية أن نحو 4% فقط من سكان القطاع كانوا يحصلون على مياه غير ملوثة، أما اليوم؛ ومع نقص الوقود الذي يعيق تشغيل مرافق المياه الأساسية، فإن أغلبية سكان غزة باتوا عاجزين عن الحصول على مياه الشرب الآمنة.

وبينما يعاني الفلسطينيون من كميات متدنية من المياه، فإن الإسرائيليين يستهلكون يوميًا أضعاف الكمية المتاحة للفلسطينيين، حيث يصل إلى نحو 300 لتر يوميًا مع سيطرة الاحتلال على أكثر من 85% من مصادر المياه الفلسطينية.