"وجدت نفسي عند الخامسة صباحًا مع قرابة 12 فردًا ودخلنا حافلة صغيرًة من نوع جولف. كان منهم 7 أفراد من غزة، والباقي سوريين من أصول فلسطينية. قرب الحدود التركية يظهر المهرب على حقيقته، وبعد أن اجتزنا الحدود التركية، وجدنا أنفسنا وسط غابات، وبعد مشي 5 ساعات قبضت علينا قوات دولية متواجدة بعد الغابات، وتم ترحيلنا لتركيا بعد خمسة أيام من التحقيق والإهانة". هكذا يُلخص الشاب أحمد حمودة (25 عامًا) من بيت لاهيا قصة محاولته الهجرة من غزة، بالتنسيق مع مهربين، بعد أن فتحت السلطات المصرية معبر رفح المغلق منذ سنوات.
حمودة كان واحدًا من شبان اصطادهم مهربو بشر وسماسرة في تركيا ومصر، ومندوبون لهم في غزة. يرى هؤلاء المهربين والسماسرة في غزة واحدة من مناطق مناسبة لعملهم، وهو إقناع الشبان بالهجرة إلى دول أوروبية، مقابل مبالغ مالية، وصلت في حالة الشاب حمودة - مثلاً - إلى 1400 يورو، دفعها مقابل الوصول لولاية سالونيك اليونانية.
مندوبون لمهربين كبار ينشطون في غزة بعد فتح معبر رفح، مهمتهم إقناع الشبان بالهجرة غير الشرعية بعد السفر لتركيا
يتولى سماسمرة استقطاب شبان باحثين عن الهجرة من غزة، أو في مصر، أو في تركيا؛ وتحديدًا في مدينة اسطنبول التي تُعرف بأنها معقل عند العرب عند الأتراك. تبدأ العملية عندما يتعرف السمسار على شاب من غزة، فيحاول التقرب منه ودعوته لوجبة عشاء أو إفطار حتى يكسب ثقته، ثم يعرفه على المهرب الكبير. يعرض المهرب أمام الغزيين "بطولاته" في تهريب الشبان السوريين والفلسطينيين وبعض المصريين اللاجئين سياسيًا، وآخرين من دول أواسط قارة آسيا، كما يُخبرنا حمودة، لكن الأمر ينتهي في كثير من الأحيان إلى الفشل.
اقرأ/ي أيضًا: من غزة إلى بلجيكا.. رحلة ينقصها الموت
مصطفى أبو سمرة (28 عامًا) من مدينة غزة، كانت تجربته أقل سوءًا من تجربة حمودة، إذ نجح في التهرب عبر حدود اليونان، واستطاع الوصول لبلجيكا وتقديم اللجوء في بداية تموز/يوليو الحالي، لكنه دفع مبلغ 1200 يورو للمهرب، وعبَرَ الحدود اليونانية مع 15 شخصًا، وهناك أُلقي القبض على نصفهم، فيما استطاع ومن معه الفرار من قبضة القوات على الحدود.
يقول لـ الترا فلسطين: "القضية الفلسطينية أصبحت قضية أحزاب، ومهما ضحينا تحكمنا قيادة سيئة. أعلم أنا والكل أن طرق التهريب خطيرة ونسبة النصف فيها لا تنجو، لكن المحاولة ثم المحاولة أفضل من أجسادنا الميتة في غزة". ويضيف أن المهرّب لا يفعل أكثر من أنه يدل المهاجرين على الطريق، ويأمن لهم الوصول له، أما بقية الطريق "فيعتمد على قوة شخصيتك، وقدرتك على الفرار والاختباء عند أي خطر. قضيت 6 أيام بهذه الطرق حتى وصلت أثينا وثم سلكتُ طرقًا التفافية عبر قوارب حتى بلجيكا".
وهذه المرحلة ليست الأولى التي يقصد فيها السماسرة والمهربون، الشبان الغزيين، فخلال عدوان 2014 على غزة استغل شبان وعائلات كاملة الأحداث، وخرجوا من القطاع عبر أنفاق حدودية بالتنسيق مع مهربين من سيناء، وتوجهوا لمدينة الإسكندرية المصرية، ومن هناك استطاع قسمٌ منهم السفر عبر القوارب المتجهة لليونان وإيطاليا، فيما أُلقي القبض على آخرين، وبعد فترة من سجنهم رحّلتهم السلطات المصرية إلى غزة، ووضعتهم في لائحة الممنوعين من السفر.
وكانت المأساة الأكبر في فقدان أثر 100 غزي تقريبًا في منتصف شهر أيلول/سبتمبر لسنة 2014، بعد غرق قارب يضم فلسطينيين وسوريين ومصريين قبالة السواحل الإيطالية. وكان بين ضحايا تلك الحادثة، 27 شخصًا من عائلة بكر التي تسكن غرب مدينة غزة، ومخيم الشاطئ.
الترا فلسطين استطاع الوصول إلى أحد المهرّبين، عرّف عن نفسه باسم أحمد حمدان، وقال إنه من مدينة غزة، وقد سافر منها سنة 2015، وهو يعمل الآن في تهريب اللاجئين السوريين والفلسطينيين من تركيا، لكن من طرق برية فقط. يدّعي حمدان أنه بعمله يخدم الفلسطينيين والسوريين في الوصول لحياة أفضل في دول أوروبية، ويؤكد أنه قام بأكثر من 500 محاولة تهريب، معظمها نجحت، لكن بعضها انتهت بإلقاء القبض على مهاجرين وترحيلهم.
ويضيف، "تركيا توفر امتياز الدخول للغزيين، لكن ليس امتياز المعيشة، ولا تختلف رواتب المهن التركية عن محصلات عمال غزة عندما يعملون، ولم تعد فرص العمل فيها متاحة إلا قليل منها في قطاعات السياحة، وغالبية الغزيين الذي يحملون شهادات علمية يقصدون أوروبا لمحاولة اللجوء والعمل لاحقًا في تخصصاتهم".
3 آلاف يورو قيمة تهريب المهاجرين من غزة إلى دول أوروبية، تذهب الحصبة الأكبر لمهربين كبار في تركيا
تصل تكلفة التهريب لغاية الدول المراد تقديم اللجوء لديها لأكثر من 3 آلاف يورو، لكن بعض الغزيين لا يملكون هذا المبلغ، ويكتفون بدفع نصفه مقابل الخروج من الحدود التركية واليونانية والوصول لأي قطار أو محطة نقل بالقرب من الدول التي يريدونها، وغالبيتهم لا يقصدون القوارب البحرية لأن وصولها إلى هدفها ليس مضمونًا.
اقرأ/ي أيضًا: غزة: أطفال يلعبون.. وأطفال في خدمتهم
الشاب معاذ الزميلي (27 عامًا) يقول إنه تلقى أكثر من عرض للهجرة مقابل مبالغ متفاوتة، كان العرض الثالث منها هو تهريبه من تركيا بعد أن يأتي إليها، ثم اليونان، وصولاً لأي دولة أوروبية يريد الهجرة إليها، مقابل 2500 يورو، وليس 3 آلاف يورو.
ويُبين الزميلي لـ الترا فلسطين أن السماسرة العرب من غزة وسوريا يعملون لصالح مهربين كبار، يستغلون قدرتهم على الحديث باللغة العربية، ومعرفتهم بظروف هذه الدول، في تقديم الأمان للشبان الراغبين بالهجرة كونهم من أبناء شعبهم، معتبرًا أن السماسرة أيضًا ضحايا للمهربين الكبار، وهدفهم جمع المال.
مؤمن حماد (23 عامًا) عاد إلى تركيا في العاشر من تموز/يوليو الحالي، بعد أن قضى أسبوعًا في السجون اليونانية. يقول لـ الترا فلسطين: "تهربت إلى مدينة أدرنة التركية الواقعة على حدود اليونان، كان معنا مرشد تهريب مهمته أن يوصلنا للطريق الأمثل للتهريب. وصلنا إلى نهر فاصل بين تركيا واليونان، وبعض الطرق التي نقطعها مشيًا تحتاج أكثر من أربع ساعات لتقطعها، وهناك يكون حظنا، فإما أن تكون قوات دولية لمنع المهاجرين، أو نسلك طرقًا أخرى".
وقع حماد في قبضة قوات دولية، وبعد أسبوع من الاعتقال أُعيد إلى تركيا، لكنه سيُحاول التهرب عبر الحدود مرة أخرى للوصول إلى السويد، لأنه ليس لديه ما يخسره بعد أن توفي والداه قبل سنتين كما يقول.
ووصلت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية إلى أكثر مراحلها سوءًا هذه السنة، بعد 11 سنة من الحصار الإسرائيلي الذي فاقمته الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية عليه. ووفق معطيات اقتصادية نُشرت سنة 2017، فإن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت 65%، فيما بلغت نسبة البطالة 47%، وبلغت نسبة السكان الذين يعيشون على المساعدات الإنسانية 80%.
اقرأ/ي أيضًا: