20-مارس-2018

صورة توضيحية: بندقية قنص ترصد أم وطفلها في حلب - (Getty)

"من دون السيف، فإن المعاهدات ليست سوى كلمات"/ هوبر

حاول بيار كونيسا في كتابه "صنع العدو: أو كيف تقتل بضمير مرتاح" تقديم قراءة لكيفية إنتاج العجرفة الحربية والعدوانية، التي تدفع الناس إلى قتل بعضهم بعضًا بطريقة شرعية. فالحرب وفق كونيسا، ترخيص ممنوح شرعيًا، لقتل أُناس لانعرفهم، أو نعرفهم ثم يتحولون إلى أعداء، وهذه "الحرب الأهلية".

لقد انشغل كونيسا بتحليل آليات نشوء علاقة العداوة، وكيفية بناء المتخيل قبل الذهاب إلى الحرب، وحاول التعرف على الطريقة التي تجعل العنف شرعيًا ومقبولًا، ووضّح آليات إنتاج الحرب الديمقراطية لدى الدول "الديمقراطية" مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

يجادل كونيسا في كتابه "صنع العدو" بأن الاحتراب والعداوة لا تكمن جذورهما في حوادث الواقع، لكن تمتد جذورهما في بنى أيديولوجية، وفي تهيؤات وتخيلات، وفي أشياء مبهمة

يجادل كونيسا بأن الاحتراب والعداوة لا تكمن جذورهما في حوادث الواقع، لكن تمتد جذورهما في بنى أيديولوجية، وفي تهيؤات وتخيلات، وفي أشياء مبهمة. يفترض كونيسا "أن العدو هو عبارة عن عملية بناء؛ فحين توصلنا العلاقة الاستراتيجية إلى الحرب، فإنها تؤلف مسارًا جدليًا يتضمن فعل الطرف الأول وصورته، وتؤثر في فعل الطرف الثاني وصورته".

اقرأ/ي أيضًا: تفكيك الصهيونية وما بعد إسرائيل: نقد مقولات مركزية

فكك كونيسا مقولة الديمقراطية حاملة السلام بذاتها؛ فيرى أن الديمقراطيات تعمل على صناعة العدو، ويضرب الأمثلة: (الاستعمار الفرنسي والبريطاني والأمريكي)، في المقابل يرى أن الأنظمة الدكتاتورية ليست كلها داعية إلى الحرب والعداوة، مثل: (نظام مينمار العسكري، وبرتغال سالازار).

كما يرى كونيسا أن صناعة العدو هي عملية سياسية واجتماعية؛ والعدو هو الآخر، الشر، التهديد. كما أن العدو يخدم كثيرًا، ويعمل مهدئًا، وقد يكون مخرجًا بالنسبة للسلطات التي تواجه مصاعب على الصعيد الداخلي.

يبين أيضًا المراحل/ المتطلبات التي تمر بها صناعة العدو، وهي: أيديولوجيا استراتيجية محددة، خطاب، صناع رأي، وآليات صعود نحو العنف. طبعًا ينخرط في خط إنتاج العدو: سياسيون، مثقفون، علم المستقبل، أجهزة الاستخبارات، ومراكز التفكير الاستراتيجي.

لقد صنف كونيسا العدو إلى ثمانية أنواع هي: العدو القريب، العدو العالمي، العدو الحميم، العدو الهمجي، العدو المحجوب/ الخفي، "حرب الخير ضد الشر"، العدو التصوري، العدو الإعلامي.

يجادل كونيسا بما أن العدو بُنية فمن الممكن تفكيكه؛ ويتم ذلك عبر العديد من الآليات أهمها: المصالحة التاريخية، بناء الاتحادات مثل الاتحاد الأوروبي، لجان المؤرخين لحل العداء الموروث، التكفير عن الذنب، العفو، الاعتراف بالمسؤولية، النسيان، الصفح، الذاكرة المشتركة، والعدالة. وهنا تجاهل كونيسا آليات تفكيك العدو الاستعماري الاستيطاني مثل العدو الإسرائيلي؛ الذي لا يمكن أن تتحق معه مصالحة تاريخية، ويكون تكفيره عن ذنبه باتباع مقولة محمود درويش "فاخرجوا من أرضنا.. من برنا.. من بحرنا.. من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا.. من كل شيء واخرجوا من مفردت الذاكرة.. أيها المارون بين الكلمات العابرة".

يجادل كونيسا في كتابه "صنع العدو" بأن العدو بُنية ومن الممكن تفكيكه، لكنه يتجاهل آليات تفكيك العدو الاستعماري الاستيطاني مثل العدو الإسرائيلي

يرى كونيسا أن تفكيك العدو يحتاج إلى زعماء سياسيين متميزين، يقبلون التخلي عن رأس المال السياسي الذي تمنحه الحرب، أو الذي يجنى من الخطابة ذات النزعة الحربية، كما يحتاج إلى تعاون بين النخب المدنية والعسكرية، التي يمكنها تغيير العقليات.

اقرأ/ي أيضًا: مغلوب وغالب: الذاكرة الشفوية في مواجهة المكتوبة

من مميزات الكتاب: أنه يوجه نقدًا تجاه الديمقراطيات أكثر من الذي يوجهه تجاه الدكتاتوريات. كما ينتقد الكتاب الأدوات الفكرية لصانعي السلام في الأمم المتحدة؛ التي لا تهتم بالأزمة القائمة بقدر اهتمامها بالحلول الجاهزة للأزمة. كما فكك الكاتب طرائق المقاربة التقليدية للحرب والسلم، ويقود قطيعة مع التحليل الاستراتيجي التقليدي للحرب والسلم والعدوانية.

أما أهم الانتقدات على هذا الكتاب، أنه في أكثر من موطن يصف "إسرائيل" بأنها دولة ديمقراطية، لكن الواقع يؤكد أنها دولة دكتاتورية واستعمارية استيطانية، أقامت دولة بمجزرة ضد الإنسان والمكان وتاريخهما، وتمارس التمييز العنصري ضد السكان الأصلانيين.

كما يصف الكاتب الحالة في مدينة القدس بأنها حرب أهلية، والواقع على العكس؛ فالحرب الأهلية تقع بين الأهل، وأبناء الشعب الواحد، وليست بين مستعمَرٍ ومستعمِرٍ كما هو في الحالة الفلسطينية.

يستخدم الكاتب الخطاب الإسرائيلي بتسمية الأراضي الفلسطينية بالأراضي المحتلة، وينم هذا عن عدم اطلاع كافٍ من قبله على الأحداث التاريخية الفلسطينية، إذ يؤرخ للنكبة بعام 1947، والواقع أنها وقعت عام 1948. كما يصف مجزة دير ياسين بأنها قد ضُخّمت من قبل المسؤولين الفلسطينيين، وأن عدد ضحاياها فقط 20 فلسطينيًا؛ في حين بينت عدد من الدراسات الأكاديمية والجدية أن عدد ضحايا المجزرة قد تراوح ما بين 100-120 شهيدًا.


اقرأ/ي أيضًا:

تحرير الكراهية: حول ترامب والفاشية الصهيونية

يهود الشرق: أسئلة وفُصام الهوية

عن الخلاص الصهيوني: القدس شرطًا لعودة المسيح