18-يناير-2019

ماذا ستفعل عندما تدخل طوارئ مستشفى حكومي، وعلى باب قاعة الطوارئ يجلس رجلٌ أربعينيٌ يلعب "الببجي" على جواله، ويضحك ويصرخ بصوت عالٍ على مَن يلعبون معه، فيما حياة أطفالٍ ونساء ومرضى على حافة الموت، على بعد خطوتين من هذا الكائن الغريب!

ثم ماذا ستفعل عندما تسأل الممرض عن غطاء شتوي، في ظل العاصفة لمريضك، ويقول لك "خِلْصو.. فتّش عن الإضافي في الغرف مع المرضى"! وتكتشف أن الأغطية تُترك في الغرف، بعد خروج أي مريض، ولا تميّز بين الأغطية المعقّمة وغير المعقّمة!

ماذا ستفعل عندما تسمع صراخًا وتلاسُنًا حدث في الغرفة المجاورة بعد أن فتح مريض وزوّاره الشبّاك ودخّنوا في الغرفة

كيف ستحبّ "عبقرية شعبك" عندما ستصل المستشفى بالليل لتجد أن أفواجًا من الرّجال ببالطوهات "بات مان" يهرعون للمرضى ويغلقون "الكاريدور" والممرات بين أسّرة المرضى، وتكون مجبرًا على سماع "خراريفهم" و"أساطيرهم" العلاجية، هذا النوع من الرجولة الاستعراضية القائمة على خلطات والأعشاب البرّية، لا علاقة لها لا بالطب ولا بالعلم ولا بالهبل حتّى!

اقرأ/ي أيضًا: في مستشفى بيت جالا.. تنذكر ما تنعاد

ماذا ستفعل عندما تسمع صراخًا وتلاسُنًا حدث في الغرفة المجاورة بعد أن فتح مريض وزوّاره الشبّاك ودخّنوا في الغرفة! وعندما يحضر أحد حراس المستشفى تجده يافعًا وخائفًا ويهرب من مواجهة المريض المدخّن وقبيلته وأشياعه وأحفاده الذين يتحلّقون حوله في السرير!

أليست مصلحة السجون في كوريا الشمالية أولى بهكذا قطيع؟ أنا مدخّنٌ سابقٌ ومحبٌ للمدخنين وداعمٌ لحقوقهم، لكن ليس بهذا المستوى من السّوقية.

بقع العلكة السوداء المتحجرة على سلالم الأقسام الطبية، كدمات الكنادر الملتصقة على الجدران في الغرف والممرات، سلالٌ تُترَكُ لساعاتٍ تتجمع فيها بقايا طعامٍ وبقايا إبرٍ وعلب أدويةٍ وبقايا سوائل من أجسام المرضى وزوائد. لا أريد ان أصف كل ما رأيت.

ممراتٌ تغص بالزوار، لا تختلف عن سوق البسطات المجاور للمستشفى، وبذات الكثافة من المتسوقين والزائرين والمتفرجين وأصحاب الواجب المزيفين ومقدّمي النصائح العلاجية الفارغة وعربة التمريض؛ التي تُصدر صريرًا أصعب من جنزير دبابة الاجتياح، وعامل التنظيف الذي بحاجةٍ لتنظيف، وبدون زيٍ رسمي، ومديره الغاضب يغسل يديه بالمعقم المخصص للزوار. أنت الآن في متحفٍ اجتماعيٍ، تنهزم فيه كل شعارات ثقافتك المحلية ولوغوهات إدارتك الحكومية وتنمويات دولتك التي تحت التأسيس.

مشكلة فخامة الدولة أم مشكلة معالي الجمهور؟! مشكلة ثقافة محلية أم هزيمة إدارية؟ لا أعرف، لكن القضية تستحق النقاش بذات الأهمية التي نرفض فيها صفقة القرن، أو بأهمية رئاستنا لمجموعة الـ 77 زائد الصين.

لم أحب يومًا أن أهاجم وزارة الصحة، ومراتٍ كثيرةٍ طلبت من صحفيين زملاء عدم التركيز في القصص الصحفية على واجبات الدولة، بل على ثقافة الجمهور المنهارة في المشافي الحكومية.

أمن مستشفياتنا بحاجةٍ إلى فتياتٍ وشبابٍ بلباسٍ يشعرك بالأمان على بوابات المستشفيات

وأعرف أن وزارة الصحة، في السنوات الأخيرة، قطعت أشواطًا محترمة في شفافية التحويلات، وحمت موازنة الصحة، وتم توظيف كادرٍ طبيٍ أوقف هدر التحويلات إلى الخارج، وشغّلت خريجينا من الأطباء والممرضين والإداريين، لكنّ الأملَ أكبر والعشم أعظم، والحلم لا ينتهي.

لن أفتي ولن أخطّط؛ فنحن كجمهورٍ لا نعرف إدارة ولا تخطيطًا، ولكن أمن مستشفياتنا بحاجةٍ إلى فتياتٍ وشبابٍ بلباسٍ يشعرك بالأمان على بوابات المستشفيات، يحتاج ربما لكشكٍ إلكترونيٍ يفتش عن طناجر الضغط وقلاّيات البندورة المهربة! كادرٌ إداريٌ صغيرٌ يضبط الزيارات وعدد القبائل الزائرة، سيفي بالغرض. الالتزامٌ بالزي هامٌ لنعرف من الممرض ومن عامل النظافة ومن عامل الكافتيريا ومَن الجراح!

اللهم اجعل كلامنا هذا خفيفًا على الزملاء والأصدقاء، في وزارة الصحة، يا رب.


اقرأ/ي أيضًا: 

مستشفيات غزة: إكراميات مقابل العمل.. من المسؤول؟

في بلادنا يستعلون على الخادمة ويعشقون قصة سندريلا

صيدليات تبيع أدوية ليست للبيع مفقودة في وزارة الصحة