13-أغسطس-2018

"كنتُ شغوفة بالقراءة عن الكاتبة والأديبة الفلسطينية مي زيادة، وكنت معجبة بصالونها الأدبي الذي كانت تعقده كل يوم ثلاثاء في القاهرة، وزاد هذا الإعجاب تطابق اسمي مع اسمها فأحببت أن يكون لي صالونًا أدبيًا مثل صالونها". هكذا تروي الكاتبة والأديبة الفلسطينية مي نايف قصة إنشائها لصالون نون النسوي في مدينة غزة قبل (17 عامًا).

تُبين نايف أنها عرضت الفكرة على صديقتها الكاتبة والأديبة فتحية صرصور، فشجّعتها وأبدت استعدادها للمشاركة في تنفيذها، "ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ونحن مستمرون في إدارة الصالون على نفقتنا الخاصة بكل حب ونشاط" كما تقول.

مي نايف وفتحية صرصور تُقيمان صالونًا ثقافيًا نسويًا يُعقد مرتين شهريًا، لكنه يلقى إقبالاً جيدًا من الرجال أيضًا

وعن اسم الصالون (نون) تقول نايف إن التسمية جاءت نسبة إلى نون النسوة، على اعتبار أن الصالون نسائي ثقافي، محط اهتمامه هو النساء الكاتبات المبدعات، سواء كن فلسطينيات أو عربيات أو أجنبيات. وهو ينعقد مرتين شهريًا، الجلسة الأولى تعقد في أول يوم ثلاثاء من كل شهر، وتتحدث عن امرأة صاحبة قلم أو صورة امرأة في أدب رجل، ويتم استضافة أديبة تتحدث عن غيرها أو أديب يتحدث عن امرأة.

اقرأ/ي أيضًا: مشهد نابلس الثقافي.. تاريخ من ذهب وحاضر يُرثى له

والجلسة الثانية تنعقد منتصف كل شهر بعنوان: "واحة الأدب"، وتتطرق إلى الإبداعات الأدبية والفنية سواء أكانت لرجل أم امرأة، وفي أحيان أخرى تتناول اللقاءات ملفات كملف السينما الفلسطينية مثلاً، الذي أفرد الصالون له سنة كاملة.

وتقول نايف: "النساء الكاتبات المبدعات هن محط اهتمامنا، ولا علاقة لنا بالعمل الاجتماعي الخاص بالنساء الذي تقوم به الجمعيات النسوية". وعلى الرغم من أن صالون "نون" هو صالون نسوي، إلا أن عدد الحضور من الرجال تفوَّق على عدد صاحبات الصالون، إذ إن أبوابه مشرعة أمام الجميع، ومع ذلك استطاعت مي وفتحية تحقيق حضور نسائي جيد لحضور اللقاءات الثقافية والأدبية.

[[{"fid":"73243","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

وطيلة سنوات الصالون السبع عشرة، تمكنت مي وفتحية من استضافة غالبية الأدباء في قطاع غزة للحديث عن كاتبات وأديبات فلسطينيات، إلى جانب محافظتهما على عقد الصالون دون انقطاع، خاصة في ظل غياب تام لإقامة مثل هذه اللقاءات الثقافية، وهو ما أهل الصالون للعب دور هام في المشهد الأدبي الفلسطيني.

تقول مي: "ابتعادنا عن السياسة هو ما ساعد صالوننا لأن يبقى على قيد الحياة، فكنا حريصين على الابتعاد عن السياسية، ولم نتطرق البتة لأي موضوع سياسي، لكن قد نتناول بعض الموضوعات الثقافية التي يربطها خيط بالسياسية".

[[{"fid":"73244","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

[[{"fid":"73246","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":509,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

وتضيف، "لسنا جمعية ولا نتلقى معونة من أي جهة، ونرفض أن يتم تبني الصالون ماليًا؛ لأن ذلك سيفرض علينا أجندته، أنا وصديقتي فتحية ننفق على صالوننا ولا نقبل مساهمة من أي أحد". مؤكدة في الوقت ذاته على البعد الوطني لصالونها الثقافي، إذ تستضيف شخصيات من الفصائل الفلسطينية كافة دون تمييز أو تحيز، "فالمعيار هنا هو توفر محتوى ثقافي أدبي قوي لدى هذه الشخصيات".

تُشجع الصالونات الأدبية المواهب الأدبية، لكن هناك ضعف في ارتيادها والإقبال عليها بشكل عام

وبالانتقال إلى صورة أخرى من صورة الصالونات والملتقيات الأدبية في قطاع غزة، يستعد عمر فروانة مساء يوم الثلاثاء من كل أسبوع لاستقبال رواد صالونه الذي أسسه قبل خمسة أعوام، في منزله الواقع في حي الصبرة وسط مدينة غزة. ويشارك في الصالون الخاص بفروانة عدد من كبار السن المثقفين وحملة الشهادات العليا، يقاسمهم في نصف عدد المقاعد شبان جامعيون مهتمون بالثقافة والتاريخ.

على ضوء القمر وفي حديقة منزله المفروشة بالعشب الأخضر والمحفوفة بأشجار الورود الجميلة، قضى رواد الصالون زهاء ساعتين من الوقت في رحلة شاركهم فيها الترا فلسطين لمناقشة كتاب "القدس بين أهل الحق وأهل الباطل" الذي يتحدث عن الصراع الدائر حول المدينة عبر التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبات مثقفي نابلس.. سيرة ضياع وتفريط

حالة من التفاعل والنقاش الإثرائي سيطرت على أجواء اللقاء الذي بدأه أحد الشبان بتقديمه لملخص يتضمن أهم المعلومات التي أوردها الكتاب، وفي حال اشتداد النقاش كان فروانة يسارع إلى الفصل بين رواد الصالون عبر الاتصال بشخصيات متخصصة في دراسة التاريخ لسماع القول الفصل.

يُبيّن فروانة أن منهج صالونه التاريخي متخصص في دراسة التاريخ الإسلامي منذ بعثة النبي محمد، مشيرًا إلى أنهم قطعوا شوطًا كبيرًا وهم الآن في طور دراسة فتوحات المسلمين في الأندلس.

[[{"fid":"73247","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

ويستدرك فروانة، "في بعض الحلقات قد نعلق برنامجنا ونلجأ إلى استضافة بعض الشخصيات العامة والمتخصصة للحديث في قضايا راهنة يمر بها المجتمع، وأحيانًا نتطرق إلى دراسة بعض الكتب ذات العلاقة، أو مشاهدة بعض العروض المرئية كذلك".

الطبيب علي الجيش، الذي رافق فروانة منذ البداية في انطلاقة ملتقاهم التاريخي، قال لـ الترا فلسطين: "معظمنا متخصصون في الطب والهندسة، وقد نواجه بعض النقص في المعلومات التي تتعلق بالجانب التاريخي، إلا أن هذه اللقاءات تستكمل الحلقات المفقودة وتعزز ثقافتنا التاريخية".

تجربة أخرى ناجحة يخوضها الصديقان نبيه النونو والأكاديمي حيدر عنان منذ أكثر من 15 عامًا، عندما أطلقا صالونًا اجتماعيًا وثقافيًا بدأ كاجتماع لأصدقاء الدراسة القدماء من أجل تبادل الذكريات، ثم تطور إلى لقاء اجتماعي ثقافي مقرُّه شبه الدائم مقابل شاطئ بحر مدينة غزة في بيت عنان، وهو يعقد ثاني يوم إثنين من كل شهر، إذ يلتقي عنان والنونو بأصدقاء طفولتهم ودراستهم، قبل أن يشرعوا في البدء بفقرات صالونهم.

لقاء شخصي لأصدقاء دراسة تحوّل إلى صالون اجتماعي يحافظ على نشاطه منذ 15 عامًا في غزة

ونظرًا لتنوع تخصصات رواد الملتقى ما بين الطب والهندسة والقانون والأدب وغيرها، كان الدور يقع في كل جلسة على شخص ليطرح فكرة من صميم تخصصه، ثم نقاشها وتحليلها من الجميع، "وفي عديد المرات لجأنا إلى استضافة كوكبة من المفكرين والأدباء لسماع تجاربهم والاطلاع على أفكارهم وكتاباتهم" يقول النونو.

ويشير النونو إلى أن منهج صالونهم "غير جامد، فهو يطرح هموم المجتمع الفلسطيني وقضاياه، ويتناولها بالبحث المعمق وصولاً إلى أسبابها وطرق إيجاد علاج مناسب لها، ومن ثم إيصال هذه التوصيات إلى الجهات المختصة عبر بعض العلاقات الشخصية".

ويؤكد النونو أن اللقاء ينمي الجانب الفكري المتنوع لدى أعضاء اللقاء إلى جانب تخصصاتهم الأساسية، وذلك من خلال النقاشات المعمقة التي تتخلل اللقاء، كما أنه يشكل فرصة لتمتين الترابط الأسرى والاجتماعي والخروج من روتين الحياة العملية.

[[{"fid":"73248","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]

ويُبين أن الانتماءات السياسية المختلفة لأعضاء الفريق لم تَحُلْ دون تجمعهم وعقد جلسات الصالون منذ أكثر من (15 عامًا)، إذ يُحَلُّ أي إشكال قد ينشأ أثناء النقاش بسرعة دون أن تؤثر على جوهر اللقاء والعلاقة الشخصية.

ويرى الكاتب والأديب كمال غنيم أن الصالونات الأدبية والثقافية تعد "وسيلة من وسائل تفعيل المشهد الثقافي في الساحة الفلسطينية، عبر ما يتم طرحه من موضوعات من قبل الكتاب والأدباء، ومنصة لالتقاء مجموعة من المثقفين والكتاب والأدباء للتباحث في القضايا الثقافية والأدبية"، مؤكدًا على أهمية ما ينتج عنها من تنظيم لفعاليات ثقافية متنوعة.

ورغم تنوع هذه الصالونات في طرحها والقيمة الثقافية والفكرية التي تحملها، إلا أن الإقبال على ارتيادها يبقى ضعيفًا بشكل عام. يؤكد غنيم أن "العدد ليس الأهم، فنحن لا نتكلم عن عمل جماهيري أو أمسية عامة، إنما نتحدث عن مجموعة من الناس تتحدث في الهمّ الثقافي، وفي العادة فإن هؤلاء لا يهتمون بالجانب الإعلامي ولا يسلطون الضوء على أنشطتهم".

وأشار غنيم إلى أن هذه الصالونات تقوم على جهود فردية وأحيانًا جماعية بعيدًا عن المؤسسات، وبعضها قد تنقطع لبعض الوقت، لكنها سرعان ما تعود لتلتئم من جديد وتعاود نشاطها، مؤكدًا أن توفر الدعم الرسمي أو الفردي والمؤسساتي للصالونات الأدبية من شأنه أن يضمن لها حضورًا أكبر وانتشارًا أوسع.


اقرأ/ي أيضًا:

عندما يُدرج الاحتلال المسرح والثقافة في بنك أهدافه

في الأدب الجيد والأدب المولود ميتًا

12 ألف زائر أطالوا عمر غزل العروق